الإسراء والمعراج قيادة للبشرية

إسلاميات

أرشيفية
أرشيفية


خَتَمَ اللهُ تعالى أنبياءه برسولنا صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40]؛ ومن ثَمَّ فإن البشر منذ زمن بعثته صلى الله عليه وسلم وإلى يوم القيامة سيعبدون اللهَ تعالى على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط؛ ولقد أراد الله تعالى أن يُبْرِز هذه الحقيقة واضحة أمام أعين الإنسانية، فجاءت هذه الرحلة الخالدة بمواقفها المتعدِّدة لتُوَضِّح هذا المعنى.

برز هذا الأمر في استقبال الأنبياء لرسولنا صلى الله عليه وسلم في السموات، وتقديمهم له، وتجاوزه صلى الله عليه وسلم لمراتبهم، حتى وصل الأمر إلى تجاوزه لسدرة المنتهى، وهذا لم يفعله أحدٌ من الأنبياء قبل ذلك، وبرزت حقيقة قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم للبشرية كذلك في إمامته للأنبياء في بيت المقدس؛ خاصة أن هذه الإمامة تتمُّ في فلسطين، وهي الأرض التي عاش فيها معظم الأنبياء، فكانت إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم هناك ذات معنى خاص؛ لأن الرجل لا يؤمُّ الناس في سلطانهم إلا في ظروف محدودة للغاية؛ روى مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ.."، فمعنى إمامته صلى الله عليه وسلم لهم -ولم يحدث هذا إلا بإذن الله سبحانه- أن الله تعالى يُقَدِّمه على العالمين.

ثم لا يخفى على المتابع للرحلة من أولها إلى آخرها الاهتمام بذكر أمور حدثت مع موسى وعيسى، وكذلك إبراهيم، عليهم جميعًا أفضل الصلاة والتسليم، وهؤلاء هم قادة البشرية، ولهم أكثر الأتباع، وكأن ذلك عبارة عن تسليم مقاليد قيادة البشرية إلى القائد الجديد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن الرحلة -بتفصيلاتها الكثيرة والدقيقة- تُحَمِّل الأمة الإسلامية أمرًا عظيمًا، فكما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بقيادة الأنبياء في بيت المقدس فإن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم -وهم المسلمون- ينبغي لهم قيادة أتباع هؤلاء الأنبياء العظام، وهذا يعني قيادة المسلمين للعالم أجمع؛ هذا ليس أمرًا مستغربًا ولا مبالغًا فيه؛ ولكنه حقيقة ذكرها الله سبحانه في كتابه الكريم في أماكن متعددة.. قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران: 110]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]، وقال أيضًا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وقال كذلك: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً"، وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه: "وَأُرْسِلْتُ إِلَى الخَلْقِ كَافَّةً"، وفي رواية ثالثة لمسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ".

فهذا كله يُؤَكِّد مسئولية هذه الأمة تجاه غيرها من الأمم، وهو دور بالغ الأهمية ينبغي لأبناء الإسلام أن يفقهوه ويستوعبوه، وإلا ففساد البشرية -لو قصَّروا في هذا الدور- سيُحْمل بكامله على أكتافهم! روى الترمذي -بإسناد حسَّنه الألباني- عَنْ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ" [5].