موسي صبري يكتب: امتياز أمل رزق.. والمعادلة الصعبة في "ليلة"

الفجر الفني

موسي صبري
موسي صبري


مسلسل "ليلة" الذي يذاع حاليا علي إحدى الفضائيات يعد إسقاطا مباشرا علي أوضاع اجتماعية تعبر عن مضامين واقعية تحمل رسالة بالغة الأثر وشديدة اللهجة للمتغيرات التي طرأت علي المجتمع المصري بكافة أشكاله؛ فالفكرة والموضوع يحملان في طياتهما عوامل النجاح والإبهار في جميع عناصر العمل، وجذبتني نوع الدراما المستعرضة التي نوقشت في العمل منذ الوهلة الأولي فهناك توليفة درامية تحققت بفعل صناع حقيقيين للعمل قدموا وجبة درامية دسمة تسترعي الانتباه والتأمل لما أبدعوا فيه كل فريق العمل.  

 

في البداية عبر المسلسل في حلقاته الأولي عن مضمون العلاقات الاجتماعية والأسرية بعمق وتطرق إلي الضغوطات النفسية التي تصيب كل أسرة من خلال التشابك الدرامي مع الأبطال فالتصاعد والبناء الدرامي للأحداث مرتب بشكل فيه اتزان وحنكة من مؤلف ومخرج العمل وساهم في هذا الترابط الفكري أبطال العمل المكون من الفنانة أمل رزق ورانيا يوسف ومكسيم خليل وهيدي كرم وسهر الصايغ ومحمود البزاوي ورمزي لينر ومحمد عز.

 

قدم العمل دراما اجتماعية من طراز فريد واستعرض قماشة جديدة في الدراما وحاكي كافة الأوضاع الاجتماعية من خلال ثلاث أسر، كل أسرة لها حدوتة وحكاية درامية؛ فالأسرة الأولي مكونة من الفنانة أمل رزق والفنان محمود البزاوي ومكسيم خليل، عبرت هذه عن مدي التطاحن المجتمعي الذي وصلت فيه الأسرة المصرية، فهذه الأسرة قدمت معاناة حقيقية أصابت كل الأسر المصرية في ظروف المعيشة رغم أن الأسرة تتحصل علي راتب يتراوح بين 4 :6 آلاف في الشهر وهذا يكفي ولكن مع التغيرات التي حدثت في المجتمع خلال الشهور الأخيرة والتي أصابت الأفراد بالذعر بعد الغلاء الذي حدث في المجتمع ليصبح المسلسل أصدق تعبيرا عن هذه المتغيرات التي حدثت في المجتمع المصري.

 

 الأسرة الثانية تكونت من رانيا يوسف وسهر الصايغ ووالدتهم والابنة المعاقة من ذوي الاحتياجات الخاصة، هذه الأسرة عبرت عن معاناة حقيقية مست القلوب بين قوة تحمل رانيا يوسف والاتزان المحكم الذي صنعته مع شقيقتها المعاقة ذهنيا وبين زوجها السلبي، والذي أدي دوره الفنان رمزي لينر ومعاناتها معهم.

 

الأسرة الثالثة والتي عانت فيها هيدي كرم مع والدها وتطرقت الي مشكلة حقيقية تصيب بعض الفنانين حول مفهوم النجومية والتنازلات التي قد تحدث في التحايل علي إيجاد فرصة لإثبات الذات.

 

أحدثت الفنانة أمل رزق الفارق في طبيعة الأداء المهني المتمثل في الإمساك بكافة تفاصيل الدور بطريقة أبهرتني، فقد لعبت في مناطق تمثيل صعبة للغاية أجادت فيها ببراعة؛ فتارة تعتمد علي محاكاة الأوضاع الاجتماعية وتثبت جدارة وتفوقا في الدور، وتارة أخري تعتمد علي كوميديا الموقف من خلال المفارقات الكوميديا بينها وبين زوجها محمود البزاوي، كما أثبتت شخصيتها الفنية في كل مشهد جمعها مع أبطال العمل، ويعتبر التفنن والتعامل مع الدور بهذا الشكل اعتمد في المقام الأول علي ذكائها الفني والتركيز بتمعن في فهم محتويات الدور وكيفية توصيله للجمهور، فوضعت بصمة فنية قوية استشاظت فكري للتأمل في تناول الدور بهذا الاتزان وطريقة الإبداع التي استخدمتها في العمل لتستحق درجة امتياز وشهادة استحقاق عليا علي إتقان الدور.

 

ومع تصاعد الأحداث كشفت الفنانة رانيا يوسف عن ثقل موهبتها من خلال الأداء الذي ظهر جليا في كيفية تناول دورها دراميا والتوازن الدرامي الذي حققته في التعامل مع شقيقتها وزوجها لتعطي درسا في فن المثابرة والتحمل علي المسؤوليات التي فرضت عليها والتعامل معها بحنكة وذكاء فني.

 

كما أبهرني أداء الفنان مكسيم خليل في الرزانة الفنية التي تحلي بها في التعامل مع الموضوع وشخصيات العمل وطريقة الأداء التي وصلت الي الجمهور بمنتهي البساطة، فطرق الإبداع وتطور الشخصية أثبتت انه فنان من نوع فريد وأدائه التمثيلي مرضي للغاية.

 

وصنع الفنان محمود البزاوي توازنات مع كافة الشخصيات وقدم دورا من أهم أدواره وعبر عن معاناة الرجل المسؤول الذي يبحث عن حلمه في الكتابة الشعرية والمسؤوليات الملحة تجاه زوجته وأولاده رغم انه يبدو رجل سلبي إلا انه تمسك بحلمه ولعبت أمل رزق دورا كبير في التعامل مع زوجها بمنتهي الايجابية من أجل التغير لصالحه ولصالح أسرته.

 

هيدي كرم استطاعت أن توصل فكرتها من خلال دورها كممثلة داخل العمل، وأتقنت تفاصيل الشخصية ووصلت رسالة قوية من خلال دورها ربما إتقان أدائها في الدور بمثابة علامة فارقة وتميز غير عادي للتعامل مع الشخصية وإبراز كافة جوانبها الفنية لتنال رضا الجمهور.

 

بينما تعاملت الفنانة سهر الصايغ مع الدور بشكل منضبط جعلتني أتعاطف معها -رغم قسوتها في التعامل مع جميع أفراد أسرتها- وهذا ليس بالأمر الهين لأن الدور به مغزى وجوانب عديدة تدعو للكراهية ولكن ذكائها الفني في التعامل مع الدور تسبب في خلق نوع من التعاطف.

 

ووضع الفنان محمد عز بصمة واضحة المعالم من خلال ثبوت أدائه التمثيلي في كل الحلقات وقدم شكل وإضافة قوية للمسلسل من خلال دور معد البرامج الذي يتحلي بالذكاء والصبر لتحقيق حلمه.

 

ولفت نظري لدور الابنة المعاقة التي ركزت علي الجوانب النفسية للشخصية وقدرتها علي التعامل مع الدور الصعب والمركب وأثبتت إنها لديها إمكانيات فنية ثقيلة تصنع نجوميتها من هذا الدور فدورها لا يقل أهمية عن أبطال العمل.

 

هذا العمل لم يكتمل أركانه الإبداعية إلا بمخرج كبير مثل محمد بكير الذي حقق معادلة صعبة في كيفية تناول الموضوع بشكل احترافي والتعامل مع أبطال المسلسل في إبراز كل فنان اكبر قدر من طاقته الإبداعية من أجل الجمهور لذلك يستحق أن ينال قدر كبير من الإشادة لما ساهم في محاكاة موضوع اجتماعي بشكل به رسالة قوية للمجتمع.

 

كما أبدع مؤلف العمل هاني كمال في الاستعراض ونسج كل الخطوط الدرامية بشكل متزن ورسم كل الشخصيات في الورق بانضباط.