د. رشا سمير تكتب: مولد وصاحبه غايب!

مقالات الرأي



إن دول العالم المتقدمة لا تعتمد فقط على التعليم فى صناعة البشر ولكنها تعتمد فى المقام الأول على الكِتاب فى صياغة العقول وابتكار غد يصنعه الشباب المثقف الواعى..

منذ أيام احتفل العالم بيوم الكتاب العالمى.. واحتفى الروائيون فى سائر أنحاء العالم بالكتاب الورقى، وتكالبت مواقع التواصل الاجتماعى والتويتر على طرح السؤال المعتاد، السؤال المهم جدا: ما هو كاتبك المفضل؟ وماهى الرواية التى قرأتها فأبهرتك؟

الحقيقة أن هذا السؤال ليس مجرد سؤال تقليدى نطرحه فى أيام الأعياد ولكنه المقياس الحقيقى لقياس مستوى ثقافات الشعوب، والترمومتر الذى يسمح لنا بمعرفة درجة حرارة الثقافة الصادقة وتوجهات القراء..

هل ارتقت بنا الثقافة؟ وهل استطعنا أن نرتقى بأنفسنا من خلال تجارب الأدباء؟..

الإجابة فى مصر وبكل أسف، إجابة تؤكد أننا شعب يقرأ ويقرأ بنهم ولكن..ماذا يقرأ؟..لا شىء فى أغلب الأحيان!

أصبحت أتابع الإصدارات الأدبية عن كثب، بترقب الروائية دائما والكاتبة النقدية أحيانا.. فهالنى ما وصل إليه حال الكِتاب فى مصر..

الإصدارات فاقت عدد القراء، وتكدست أرفف المكتبات بالأعمال التى لا ترتقى حتى لمستوى الطباعة..والمؤسف حقا أن دور النشر ساهمت بشكل كبير فى حالة الهذى الأدبى التى داهمت الوسط الأدبى..

أحترم دور النشر التى ترفض أن تتقاضى مالا من الكاتب لتنشر له، لأن هذا لا يعنى ببساطة سوى أن الكاتب لا يمتلك الموهبة ولكنه يمتلك رأس المال، وهذه النظرية تجوز فى تجارة الروبابكيا ولا تنطبق أبدا على صناعة الأدب!.

إنها نفس نظرية مرجان أحمد مرجان الذى نال جائزة أحسن شاعر وأحسن ممثل عن طريق شراء تواجد الجمهور وتصفيقه بالمنح والهدايا..حتى عندما تعثر فى أن يردد على المسرح جملة واحدة، هي: "لقد وقعنا فى الفخ".. صفق له الجمهور!

لقد أصبح الوسط الأدبى بمثابة المولد، وبكل أسف المولد اللى صاحبه غايب!

لقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعى وحفلات التوقيع والزفة الكدابة، فى صناعة الأدب الزائف، حتى الأدب الردئ أصبح من السهل تلميعه بحفل توقيع مُبهر وحضور لمجموعة مطبلاتية ونخبة من المتملقين القادرين على إلقاء المديح بصُرة من الدنانير!.. تحول الشباب إلى الكتابة من باب الوجاهة.. فرجل الأعمال والفنان والسياسى مازالوا برغم كل شىء يبحثون عن لقب «أديب».. هذا يفسر إصرار القذافى على أن يصبح كاتبا حتى لو كان إنتاجه هو الكتاب الأخضر!..

يكتب الكاتب وعينه على سينما الأكشن ومجموعة مشاهد ترسخت فى ذهنه من خلال مشاهداته لأفلام سينمائية فينقلها على الورق بتصرف، كما أن ظهور المجموعات الكثيرة من نوادى الكتب التى أعتبرها ظاهرة محترمة جدا فى مصر إلا أنها -أيضا- ساعدت فى تلميع الكاتب، مما جعل الخلط بين الجيد والردئ خلطا واردا، هنا ينتقل الشاب من مرحلة الكاتب إلى مرحلة الأديب، وهى المرحلة التى تتحقق فقط فى خياله!..

هل هذا يعنى أننا ضد الإبداع وضد تشجيع الشباب..على الإطلاق..إنها مسئولية الكبار أن يفسحوا مجالا للصغار ويشجعوهم..فقط فى حالة أنهم يقدمون العمل الذى يستحق الاحتفاء به..

أما إغراق السوق الأدبى بكل هذا الكم من الهُراء والأعمال الرديئة، أنا شخصيا أعتبره جريمة فى حق مصر.. لأن بالنظر إلى ما يقدمه الأدباء العرب من أعمال غيرت وجه الثقافة، فإنه لمن الخزى أن تتراجع مصر إلى ذيل قائمة الإبداع بعدما كان اسم مصر يقترن بالثقافة والحضارة.. ولكن هذا بالقطع لا ينفى وجود أعمال روائية ممتعة وعظيمة مازالت تسطع بشدة فى سماء الأدب المصرى، ومازال نصيب الأسد من الجوائز يذهب للأقلام المصرية والأدباء المحترمين..

الوسط الأدبى انزلق إلى هوة المجاملات والتدليس، حتى النقد وقع فى نفس الفخ ولكن بمقاييس مختلفة..

إنها رسالتى فى يوم الكتاب العالمى، رسالة لكل من قرر أن يدخل عالم الكتابة من أجل الوجاهة الاجتماعية، وإلى كل دار نشر تتعامل مع الأدب على أنه سبوبة، وكل ناقد ترك العنان لقلمه فى أن يذبح أو يُمجد من أجل غرض فى نفس يعقوب..

إلى كل هؤلاء أناشدكم وبكل صدق..كفوا أيديكم عن الثقافة المصرية.. ارفعوا أيديكم عن الهوية المصرية.. افسحوا للجيد مكانا ليترعرع حتى تعود مصر إلى ريادة العالم الثقافى كما كانت يوما.