طارق الشناوي يكتب: رحلة الـ30 ساعة!!

الفجر الفني

بوابة الفجر


غادر المحروسة قبل أيام بابا الفاتيكان فرنسيس، إلا أنه لم يغادر مشاعرنا، كان يعيش بيننا فى رحلة سريعة لم تتجاوز 30 ساعة، العالم من خلال الميديا كان حاضرا يتابع كل كلمة أو لمحة، الكل يرى سحرا خاصا فى هذا الرجل، كائن نورانى، لا يحمل الشر حتى لأعدائه، يتطرف فى حب الله، ويعلم أنه لا يملك وحده حقيقة الوصول لله. لو كانت الرحلة تُقاس بالعقل، فلقد كانت الأسرع وأصبحت قبل أيام فى خبر كان، ولو كنا نُطل عليها بالقلب، فهى فى هذه الحالة لاتزال تسكننا، أقصد طبعا قلوب من يعرف الحب.

على أرض الواقع، كان هناك تراجع عن توجه رسمى للدولة من خلال مجلس النواب بتقييد سلطة الأزهر الشريف، مشروع القانون، الذى كان من المزمع تمريره، عندما اعتقد أغلب الأعضاء الذين انضموا لكورس التوقيع على مشروع لتغيير القانون أن هناك ضوءا أخضر من الرئاسة للتغيير، ولكن شفرة أخرى إيجابية فرضت نفسها هذه المرة فى أعقاب الزيارة قرأوها على هذا النحو، أن السلطة لا تريد، فضربوا تعظيم سلام وللخلف دُر، هل تتذكرون عندما قرأ البعض قبل نحو عام أن الرئيس يريد أن يظل على الكرسى لأكثر من مدتين، وبدأ فريق المنافقين يعزف هذا اللحن النشاز، لتغيير الدستور، ثم جاءت شفرة أخرى من الرئيس، بأنه لا يريد، فتوقفوا جميعا عن ترديد اللحن، شىء من هذا من الممكن أن تلمحه فى الكثير من القوانين التى يتم تمريرها فى المجلس وآخرها قانون السلطة القضائية.

هناك فى الصورة ملامح أخرى، تراجع أو ما يُشبه التراجع عن تبادل سر المعمودية بين الكنيسة الغربية الكاثوليكية، ممثلة فى البابا فرنسيس، والكنيسة الشرقية الأرثوذوكسية، ممثلة فى البابا تواضروس، حيث جاء الإعلان، الذى سارعت الكنيسة المصرية بإصداره، أن ما تم بين الكنيستين الأكبر لم يكن وثيقة بل بيانا، وهذا يعنى دون الدخول فى تفاصيل كهنوتية- لا أدعى طبعا الإلمام بها- أن الأمر لايزال كما هو فى ما يخص المعمودية كطقس، فلم يتم الاعتراف بتبادله، وأن البيان حتى يُصبح وثيقة ينبغى أن يخضع لمزيد من الدراسة، وفى العادة تميل أى مؤسسة دينية إلى الحفاظ على الميراث القديم، الذى يعنى أنها فقط تملك الحقيقة المطلقة.

البعض يتعجل أن يرى مصر بعد زيارة البابا، مصر المنتعشة اقتصاديا، بعد أن تحل البركة ويعود التنفس للجنيه الذى هان على كل العملات، زرع البابا بذرة، وعلينا نحن أن نأخذ تلك الومضة ونُكمل الطريق، الزيارة بثت فينا الجانب الروحى، ولكن الانتعاش يبزغ أولا من القلب، تذكروا كلمته فى مشيخة الأزهر، بل استعيدوا السماحة أيضا فى كلمة الإمام الطيب، شيخ الأزهر.

القداس المشترك لم يكن مقصورا فقط على المسيحيين من الطوائف الثلاث، بل شارك فيه مسلمون، هل وصلت إلينا قيمة التسامح، هل أدركنا أن الدين، لا يعنى فقط الدين الذى ولدنا به، ولكن الإيمان بحق كل معتنقى الأديان فى الإيمان بها وإقامة شعائرهم.

نحتاج إلى عقل وقلب نتكئ عليهما، لكى نفكر ونتأمل، حتى لا يظل المختلف هو الكافر، لا نتحمل رؤية صليب يرفع على مدخل كنيسة، ولا صوت لصلاة تقام فى بيت الجيران، قالها لكم البابا فرنسيس باللغة العربية ((الدين لله والوطن للجميع))، هل نستحق البركة التى بثها فينا بابا الإنسانية، فى رحلة الـ30 ساعة!!.