الباحثة ميادة عبدالعال تكتب: الأزهر والإصلاح الفكرى ضرورة بدون المساس بالثوابت

ركن القراء

الباحثة ميادة عبدالعال
الباحثة ميادة عبدالعال


الإصلاح الفكرى للأزهر، ضرورة ملحة بدون المساس بالثوابت ويكون ذلك حسب التكوين العقلى لمن يتولى المشيخة. وإذا كانت حركة النهضة المصرية قد اشتد عودها مع بداية القرن العشرين، فإن الأزهر فى تلك الآونة كان يقوده الشيخ على محمد الببلاوى (1902-1905)، لكن خلفه الشيخ عبدالرحمن الشربينى (1905-1906)، كان تقليدياً سلفياً، عادى الإصلاح وتحيز للقديم.

فلما جاء المراغى وضع نواة رقابة الأزهر على المنتج الفكرى من خلال إنشاء هيئة تراقب البحوث والثقافة الإسلامية والكتب التى تهاجم الدين. وتبعه محمد الأحمدي ابن العلامة الشيخ إبراهيم بن إبراهيم .الظواهرى الذى كان إصلاحياً إلى حد كبير، يميل إلى تجديد الفقه بما يواكب التغيرات الاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى أن يكون علماء الدين ملمين بمجريات الواقع، وأن يفهموا فى السياسة قدر فهمهم فى الفقه والأصول والحديث.

وقد كان الظواهرى يطبق هنا أفكاره التى ضمنها فى كتاب وسمه بـ«العلم والعلماء»، دافع فيه باستماتة عن الأفكار الإصلاحية لمحمد عبده، ما دفع الخديو عباس حلمى إلى محاربته، وجُمعت نسخ الكتاب لتحرق فى ساحة الجامع الأحمدى بطنطا، لكن مصادرة الكتاب لم تحُل دون ذيوعه، فانكب الطلاب ينسخون منه صوراً باليد، ويتبادلونها. وأعاد الإمام عبدالحليم محمود طبع الكتاب حين كان يتولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية.. هبت على الأزهر الشريف عاصفة صحراوية اتسمت بالتشدد وقصور الرؤى وتركت خلفها مناهج وعقولا ابعد ما تكون عن وسطية الأزهر وسماحة ديننا الحنيف.

ولا شك أن خضوع الأزهر لسياسات الدولة المصرية حرمه من استقلاليته الدينية والعلمية وحتى السياسية لأن الأزهر كان من المنابر السياسية المؤثرة فى تاريخ مصر السياسى، وامام هذا تراجع دور الأزهر على كل المستويات الدينية والعلمية والسياسية واصبح صدى لمؤسسات خارجية حملت معها سلبيات كثيرة لم تكن يوما ضمن سياق الأزهر المصرى الذى حمل رسالة الإسلام المستنيرة والواعية والمضيئة مئات السنين .وفى الفترة الأخيرة وحين بدأ الحديث عن ترشيد وإصلاح الخطاب الدينى اتجهت الأنظار الى الأزهر وحاول البعض أن يلصق به كل ما تعرض له الخطاب الدينى فى السنوات الماضية من مظاهر الخلل وتناسى هؤلاء ان الأزهر لم يكن سببا ولكنه كان الضحية..

لماذا كل هذه السهام التى تتجه الى الأزهر وكأنه مسئول عن كل ما لحق بنا من خسائر.. إنه يتحمل نصيبه من المسئولية ولكنه ليس الطرف الوحيد .. ألا تتحمل النخبة الثقافية المصرية جزءا من هذا الحصاد المر .. الا تتحمل الجامعات نصيبها من الخلل ليس فى الخطاب الدينى وحده ولكن فى كل جوانب المعرفة.

ألا تتحمل جماعة الإخوان المسلمين مسئولية تراجع الخطاب الدينى والخلط بين الدين والسياسة .. لقد سيطرت هذه الجماعة على جميع النقابات المهنية واتحادات الطلاب فى الجامعات وخلال ثلاثين عاما واكثر استطاعت تجنيد آلاف المدرسين والأطباء والمهندسين واحتلت تماما كليات التربية ولم تبق نقابة مهنية بعيدا عن سيطرة الإخوان .. ونحن نواجه معركة ضارية ضد الإرهاب الذى يرتكب جرائمه تحت راية الإسلام.. لماذا هذا الهجوم الضارى على الأزهر من رموز مختلفة التوجهات والآراء والمواقف، إذا كانت هناك سلبيات فى الخطاب الدينى فالجميع يسعى الى مواجهتها من داخل الأزهر نفسه، وفضيلة الإمام الأكبر د. احمد الطيب رجل صاحب فكر مستنير وكلنا يعرف تاريخه ووسطيته وحبه لدينه.

إذا كانت هناك آراء تسهم فى ترشيد وإصلاح دور الأزهر فلا أحد يعترض على ذلك ولكن الاعتراض على تجاوزات لا تليق وحوارات تتجاوز بكثير حدود النقد .. وإذا كنا نطالب الأزهر بترشيد دوره فإننا نطالب الآخرين بإصلاح انفسهم اولا .ألم تلاحظ النخبة المصرية ان معظم القيادات الدينية التى تمارس العمل السياسى من خريجى الجامعات المصرية وليس الأزهر الشريف .. أن معظم اعضاء مجالس الشورى فى التيارات الإسلامية الأن من المهندسين والأطباء واساتذة الجامعات بما فى ذلك مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين حيث كان فيه عضو واحد من الأزهر وجميع قيادات السلفيين وبقية التيارات الإسلامية ليسوا من ابناء الأزهر ومن الظلم الشديد ان نحمل الأزهر وحده مسئولية انهيار الخطاب الدينى لأن هناك عوامل كثيرة خارجية وداخلية كانت وراء ذلك وكانت ايضا من الأسباب الرئيسية لتراجع دور الأزهر فكريا ودعويا.