رولا خرسا تكتب: مسرحية "قواعد العشق الأربعون"

الفجر الفني

رولا خرسا
رولا خرسا


أعتبر رواية إليف شافاق من الأمور التى غيرت مجرى حياتى على أكثر من مستوى.. ولست وحدى فى هذا، فلقد سمعت هذه العبارات من أناس كثر.. ولأن الرواية أثرت فىّ جدا، ولأننى أحببت بشدة الرومى وشمس وصدقت قواعدهما الأربعين، أصبحت شديدة الانحياز لهما.. كحالنا عندما ننحاز لمن نحب.. صدقت الرومى وشمس عندما قالا: «إن الطريقة التى نرى فيها الله ما هى إلا انعكاس للطريقة التى نرى فيها أنفسنا»، و«إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس». صدقتهما عندما قالا: «إننى يجب أن أتغلب على النفس بقلبى. إن معرفتى بنفسى ستقودنى إلى معرفة الله» لأنى أؤمن مثلهما «أن عرش الله سبحانه يقبع فى قلب العاشق الحقيقى لا فى كنيس أو مسجد». تعلمت أننا جميعا نعيش تحت سقف واحد، وأن سجننا داخلنا نصنعه بأنفسنا. قرأت القواعد وصدقت أن «الفكر يجعلنا نعيش فى عقد والحب يذيبها، وأن تكسر القلب من الحب خرج من الكسور النور».. قرأت القواعد فعرفت قيمة الحب، وأنه «من الأفضل لك أن تبحث عن شخص، شخص يكون بمثابة مرآة لك، لأنك لا تستطيع أن ترى نفسك حقا إلا فى قلب شخص آخر، وبوجود الله داخلك»، وآمنت «أن السعى وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، وما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ فى التغير من الداخل والخارج».

 

ذهبت لمشاهدة المسرحية التى تحمل اسم الرواية فى مسرح السلام محملة بهذا الانحياز والحب الشديد لروايتى المفضلة وتحفز للدفاع عنها إن قلل أحدهم من شأنها.. فأنا عندما أحب شخصا ويدخل فى عداد أصدقائى المقربين أعطيه جزءا من قلبى.. والرومى وشمس أخذا من قلبى وروحى مساحة كبيرة. ذهبت مع أصدقاء، جمعنا حب الرواية، منهم من يفضّل شمس لأنه المعلم، ومنهم- وأنا من هؤلاء- من يفضّل الرومى لأنه تعذب أكثر من فراق توأم الروح. وفوجئت بعرض متميز جدا فيما يخص الحوار والموسيقى وترتيب المشاهد وتوزيع الأدوار بحيث يصبح كل واحد فى المسرحية بطلا. المخرج عادل حسان نجح فى أن يكون مايسترو لعمل شديد التميز مع بطولة بهاء ثروت وعزت زين وغناء سمير عزمى وأميرة أبوزيد. وكل الممثلين تميزوا لن أذكر أسماء حتى لا أنسى أحدا.. ولعبت الموسيقى والغناء لقصائد ابن الفارض وابن عربى والرومى وغيرهم دورا متميزا فى توصيل الجرعة الروحانية الجميلة.. مع رقص دراويش المولوية فى يد ممدودة للسماء ويد للأرض تأخذ حبا من الخالق لتوزعه على المخلوقات.. ورشة عمل أعدت النص واختارت أكثر المشاهد تأثيرا وجرأة مثل موضوع الحانة ومن فيها، وإظهار رجل الدين الذى يعتبر الصوفى زنديقًا لأنه بدلا من تقديس المذاهب يتبع الله وحده.. توقيت عرض المسرحية رائع ويحسب لمدير المسرح الحديث الفنان أشرف طلبة، فنحن بحاجة إلى مزيج من الفن والروحانية البعيدة عن الأدمغة المتحجرة.. خرجت وأنا أردد مع نفسى إحدى القواعد التى تقول: «مهما حدث فى حياتى ومهما بدت الأشياء مزعجة، فلا يجب أن أدخل ربوع اليأس». «وحتى لو ظلت جميع الأبواب موصدة، فإن الله سيفتح دربا جديدا لى». وقلت لنفسى: «فلأحمد ربى وأنا فى شدة كربى! لأنه من السهل علىّ أن أحمد الله عندما يكون كل شىء على ما يرام». ولكن الصوفى لا يحمد الله على ما منحه إياه فحسب، بل يحمده أيضا على كل ما حرمه منه ويصبر. ولا يعنى الصبر أن نتحمل المصاعب سلبا، بل يعنى أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التى ستتمخض عن أى عملية. ماذا يعنى الصبر؟ إنه يعنى أن تنظر إلى الشوكة وترى الوردة، أن تنظر إلى الليل وترى الفجر. إن عشاق الله لا ينفد صبرهم مطلقا، لأنهم يعرفون أنه لكى يصبح الهلال بدرا فهو يحتاج إلى وقت.

 

عش عاشقا واملأ قلبك حبا.. واعلم أن كل نفس ذائقة الموت ولكن ليست كل نفس ذائقة الحياة، ولا حياة دون حب.

 

 

المقال نقلا عن "المصري اليوم