تفاصيل وأسرار أكبر انتخابات رئاسية في تاريخ إيران على الإطلاق

عربي ودولي

الانتخابات الايرانية
الانتخابات الايرانية


الانقسامات السياسية التي تغزو الشارع الإيراني، أجبرت «ماراثون» انتخابات الرئاسة على أن يبدأ قبل موعد تسجيل المرشحين بأشهر، حيث تشهد ايران حالة من التصادم بين قطبين أساسيين، يتمسك كل منهما بموضعه رافضًا الإفساح للأخر.

 

فكرة الصراع بين هاذين القطبين يجعل الرؤية تتجه بالفطرة إلى سؤال:"هل تعيش ايران حالة من الديموقراطية الصحيحة في ظل انتخاباتها الرئاسية الجديدة؟"، وهو السؤال الذي يستلزم الإجابة عليه النظر إلى تلك الانتخابات بنظرة جديدة. 

 

الإجابة على ذلك السؤال تتطلب خلفية جيدة مبنية على معرفة بإيران وتاريخها، ونظام الانتخاب بها، وظروف تلك العامة وكافة ما يحيط بها في المطبخ السياسي، مثل العوامل المؤثرة وعلى رأسها المرشد الإيراني والذي يعغتبر الرجل الأول في الدولة.

 

الخطوة الأولى في طريق الانتخابات.. "رفع نسبة المشاركة"

بدأت إيران في رسم خطتها لزيادة معدل الناخبين في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي دفعها لتنظيم مراسم الانتخبات البلدية بالتزامن مع الرئاسية الأمر الذي يضمن نزول أكبر قدر من الناخبين، لاسيما وأن التراجع الملحوظ في معدلات الإقبال على الاقتراع، دفع «مجلس تشخيص مصلحة النظام» لبدء دراسة مشروع «تجميع الانتخابات» منذ عام 2002.

 

ومع تفاقم المشكلة دخل المشروع مراحل أكثر جدية أدت إلى خلافات بين البرلمان و«لجنة صيانة الدستور»، مما تطلب تدخل «مجلس تشخيص مصلحة النظام» قبل إرجاع المشروع إلى المرشد علي خامنئي عام 2006.

 

وتشهد ايران في الوقت الرهن، انتخابات رئاسية كل 4 سنوات، وكذلك انتخابات اخرى لاختيار اعضاء مجلس الشعب والبلدية، بينما تجرى انتخابات «مجلس خبراء القيادة»، كل 8 سنوات.

 

وتخضع انتخابات الرئاسة و«مجلس خبراء القيادة» لصفوف الانتخابات الوطنية، على عكس انتخابات البلدية والبرلمان فهي انتخابات محلية محلية وتسجّل نسبة كبيرة في المشاركة، وفق الإحصائيات السابقة.

 

البرلمان يرفض اقتران البرلمان بالرئاسة ويوافق على دمج الاخيرة والبلدية

وفي نفس السياق، رفض البرلمان الإيراني أنه في أبريل2007، مشروع إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمان بالتزامن، بينما وافق على جمع انتخابات الرئاسة وانتخابات المجالس البلدية، وكذلك أقر انتخابات البرلمان مع انتخابات «مجلس خبراء القيادة».

 

وبدأت ايران في تطبيق ذلك القانون بدء من شهر يوليو عام 2010 بناء على أوامر «لجنة صيانة الدستور». الأمر الذي ترتب عليه وصول نسبة المشاركة في العاصمة طهران من نحو 56 في المائة في انتخابات البرلمان الخامس إلى نحو 30 في المائة في انتخاب البرلمان السابع، كما نتج عنه تراجع النسبة في الانتخابات التي كانت تجرى منفصلة مخاوف عميقة في السلطة الإيرانية.

 

وبعد عودة تطبيق سياسة الانتخابات المتزامنة ارتفعت النسبة إلى نحو 50 في المائة بين الناخبين المتمتّعين بشروط الاقتراع،  ووفق إحصائية لوزارة الداخلية الإيرانية، فإن 55 مليوناً من أصل 80 مليون ناخب يحق لهم راهناً الاقتراع، بينهم مليون و200 ألف يصوّتون لأول مرة.

 

انتقادات الجمع بين انتخابات الرئاسة والبلدية

في سياق متصل، شهدت فكرة تجميع الانتخابات الإيرانية انتقادات أبرزها تسهيلها أمام السلطات فرص تزوير نسبة المشاركة و«هندسة» العملية الانتخابية وفق مزاجها.

كما يُشار إلى أن هذه هي المرة الثانية التي تجرى فيها انتخابات الرئاسة بالتزامن مع انتخابات البلدية.

 

وعلى الرغم من أن السلطات ترد بأن سياسة التجميع تهدف لتقليص النفقات، فإن تراجع معدلات الإقبال في الانتخابات الوطنية أظهر أن الهاجس الأساسي هو أن تُنشط الانتخابات المحلية الإقبال على الانتخابات الرئاسية.

 

الأجهزة المشرفة على إجراء الانتخابات الايرانية ..  الاشراف الاستصوابي

هناك جهازين تنقسم بينهما صلاحيات إجراء الانتخابات:

·       الجهاز الأول هو هيئة الانتخابات الإيرانية التي تتشكل قبل أي استحقاق انتخابي من قبل وزير الداخلية وبموافقة الرئيس وبحضور ممثلين من الأجهزة الأمنية والقضاء.

·       الجهاز الثاني هو «لجنة صيانة الدستور» التي تعد أقوى أذرع المرشد علي خامنئي للإشراف على الانتخابات.

 

شروط الجلوس على كرسي الرجل الثاني في النظام

وضع الدستور الإيراني 6 شروط أساسية لمن يريد الجلوس على كرسي الرجل الثاني في النظام، ويكلف «لجنة صيانة الدستور» بالتأكد من توافر تلك الشروط:

1-    يجب أن يكون إيراني الأصل.

2-   يجب أن يكون رجل سياسي وديني.

3-    يجب أن يكون مدير ومدبّر.

4-   يجب أن يون حسن السوابق وأمين.

5-    يجب أن يحمل الجنسية الإيرانية.

6-   يجب أن يكون مؤمن بمبادئ النظام والمذهب الرسمي (التشيّع).

 

الدور الأكثر إثارة في الانتخابات

الدور الأكثر إثارة للجدل في الانتخابات الإيرانية هو دور «لجنة صيانة الدستور» - خصوصاً عبر تطبيق آلية «الإشراف الاستصوابي» - الأمر الذي كان محل نقاش وجدل على مدى الـ 3 عقود السابقة، كما أن الدستور الايراني كلف تلك اللجنة رسميا في المادة رقم 99 منه بالإشراف على انتخابات «مجلس خبراء القيادة» والرئاسة والبرلمان والاستفتاءات العامة. إلا أنه وبالرغم من ذلك لم يتحدث صراحة عن «الإشراف الاستصوابي».

 

أعضاء لجنة صيانة الدستور .. مشرفي الانتخابات

تضم «لجنة صيانة الدستور» - التي يحق لها إبطال الانتخابات - 12 عضواً، يختار منهم خامنئي 6 من رجال الدين مباشرة، أما الستة الآخرون فيختارهم رئيس القضاء الذي يعينه بدوره خامنئي.

 

صلاحيات اللجنة

كما تحظى لجنة صيانة الدستور بصلاحيات رقابية واسعة على تنفيذ كل مراحل الانتخابات الرئاسية ورفض تأييد نزاهة أي مرحلة يعني بطلانها، بالإضافة إلى تطبيق سياسة «الإشراف الاستصوابي» التي تعني التدقيق في شروط الترشح، وذلك حسب الدستور.

 

كما تختص اللجنة بإبعاد من لا يؤمنون بولاية الفقيه وأركان النظام عن تولي مناصب كبيرة.

 

مشاكل الاشراف الاستصوابي

ويشكل «الإشراف الاستصوابي»، عملياً، أكبر إشكالية في الانتخابات لأنه يناقض روح الاختيار الحر ويعطل حرية الترشح، مما يعزز تهمة «هندسة الانتخابات» ونتائجها.

 

والحقيقة أن «الإشراف الاستصوابي» من القضايا الشائكة التي تطوّرت بعد وصول خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى في سياق تحوّل ولاية الفقيه إلى ولاية الفقيه المطلقة. ومنذ ذلك الحين، أخذت منحى جديداً منذ انتخابات البرلمان الرابع 1991. فمذاك، بدا الانقسام في المؤسسات بين ما اصطلح على تسميته بـ«اليسار» (الإصلاحيون) واليمين (المحافظون) في النظام.

 

بعد معرفة هوية المرشحين، بدأ العد العكسي للانتخابات الإيرانية، وحقاً، لم تأتِ القائمة بمفاجآت على صعيد المرشحين. إذ ترك موقف خامنئي السلبي من ترشح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد أثره البالغ على الطلب الذي تقدم به، لكن «لجنة صيانة الدستور» لم تتردد في إشهار البطاقة الحمراء لخروجه من أوسع أبواب المعركة.

 

ظاهرة «التصويت السلبي»

تحكُّم «لجنة صيانة الدستور» بقوائم المرشحين بالاستحقاقات الانتخابية الأخيرة نتج عنه تنامي ظاهرة «التصويت السلبي» (أو التكتيكي)، أو ما يُعرف بـ«سيناريو» الاضطرار لتفضيل «السيئ على الأسوأ» (أهون الشرور).

 

لاسيما وأن جمعيات المجتمع المدني والجهات السياسية المقرّبة من التيار الإصلاحي نجحت بشكل غير مباشر في إقناع الشارع الإيراني بجدوى هذا الخيار بدلاً من المقاطعة الشاملة.

 

الأمر الذي نتج عنه نجاح الرئيس الحالي حسن روحاني في الانتخابات الأخيرة، والذي تخطى منافسيه سعيد جليلي ممثل المرشد في مجلس الأمن القومي، ومحمد باقر قاليباف عمدة طهران، بسبب اتجاه الناخبين لمنع فوز مرشحين قد يسيرون على خطى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

 

وتكررت نفس  الظاهرة في العام الماضي مع انتخابات «مجلس خبراء القيادة»، عندما انتشرت حملة في مواقع التواصل الاجتماعي لإبعاد 3 من رجال الدين المتشددين من أعلى مجلس يضم رجال الدين.

ودعمت تلك الحملة قائمة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني ضد 3 مرشحين؛ هم:

·       مصباح يزدي وهو أهم الوجوه المحافظة في البلاد.

·       ورئيس المجلس سابقاً محمد يزدي.

·       رئيس «لجنة صيانة الدستور» أحمد جنتي.

 

ونجحت الحملة في إقصاء مصباح ومحمد يزدي، بينما تمكّن جنتي من دخول المجلس والجلوس على كرسي الرئاسة مع أنه حل في المرتبة الأخيرة في دائرة طهران الانتخابية.

 

والواضح الآن أن خيار «التصويت السلبي» سيكون مطروحاً أمام الإيرانيين مرة أخرى لإبعاد المرشحين الأكثر ولاءً لخطط النظام على الصعيدين الداخلي والخارجي.

 

أهم الأطياف السياسية المؤثرة في الانتخابات

ما زالت الانتماءات الحزبية غائبة عن القائمة الانتخابية، وذلك بالرغم من وجود تيارات تعرف بتسميات كالمحافظين والإصلاحيين والمعتدلين. وأكبر دليل ذلك هو أنه ليس بين المرشحين الستة سوى مرشح واحد يرتبط اسمه بحزب سياسي، وهو المرشح المحافظ مصطفى ميرسليم عضو اللجنة المركزية في «حزب مؤتلفة الإسلامي».

 

انقسام ايران بسبب الانتخابات

وكان قد حذر خامنئي قبل المعركة الانتخابية من انقسام إيران إلى قطبين، مطالبًا بإغلاق الباب بوجه أحمدي نجاد قبل أشهر من الانتخابات.

 ما أكد وجود الانقسام هو دخول البلاد الأجواء الانتخابية وتقدم طلبات المرشحين الثلاثة الذين من تيار «المحافظين» والثلاثة الاخرين من تيار «الإصلاحيين».

إلا أنه التياران حاولا اكثر من مرة استغلال الأزمات بالاتساع على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، ولعب كل منهما دور المدافع عن حقوق الشعب ضد تخبط الطرف الآخر في الإدارة.

 

روحاني وجهانغيري

يتمنى الرئيس الحالي حسن روحاني أن تمتد فترة بقائه لأكثر من الشهر المتبقي من فترة رئاسته الأولى، لاسيما وأن برامجه تحظى  بتأييد تحالف المصالح المشتركة بين «المعتدلين» و«الإصلاحيين».

 

كما  يحظى كل من روحاني ومنافسه اسحق جهانغيري بتأييد «اللجنة العليا لتعيين سياسات التيار الإصلاحي» التي تعد خيمة أهم الأحزاب الإصلاحية، والتي تشكلت قبل 5 أشهر من انتخابات البرلمان في فبراير2016.

 

وفي نفس السياق، قرر ما يسمى طيف «المحافظين المعتدلين» أن يعطي ظهره للمعسكر المحافظ ويختار الوقوف مع الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، والحسن في المشهد أن  هذا الطيف يملك أكبر رصيد تحت قبة البرلمان الحالي، ويدين بالولاء لرئيس البرلمان علي لاريجاني الذي يجيد جمع المستقلين في قائمة واحدة تابعة له.

 

وبناء على ذلك، في ديسمبر الماضي، أعلنت أبرز التيارات المحافظة تشكيلها «الجبهة الشعبية للقوى الثورية» والتي تضع على رأس أهدافها هذا التجمع الجديد عودة «المحافظين» إلى تشكيل الحكومة بتوجهات راديكالية، وتضم في اللجنة المركزية 30 شخصية بارزة من «المحافظين» من القادة السابقين في «الحرس الثوري» محسن رضايي ومحمد باقر ذو القدر.، ويأتي على رأس شعاراتها  محاربة الفساد، وهو الشعار الرئيسي للمرشحين المحافظين محمد باقر قاليباف وإبراهيم رئيسي.

 

أعلنت «جمنا» ترشيحها 5 لانتخابات الرئاسة، ولكن استقر العدد لاحقاً على 3 هم

·       عمدة طهران محمد باقر قاليباف

·       وإبراهيم رئيسي

·       والنائب علي رضا زاكاني الذي رفضت «لجنة صيانة الدستور» ترشيحه.

 

تبقى أخيراً، الإشارة إلى حزب جماعة مؤتلفة الإسلامي، وهو من أقدم الأحزاب الإيرانية المحافظة، إذ يعود تأسيسه لعام 1963. ويجمع الحزب ضمن صفوفه تحالف رجال الدين وكبار التجار في سوق (بازار) طهران، ولقد عاد الحزب مرة أخرى إلى نشاطه القديم بعد ترشح عضو لجنته المركزية مصطفى ميرسليم.

 

ما يستحق الذكر أن دور هذا الحزب تراجع عام 2013 بعد وفاة حبيب الله عسكر أولادي مسلمان، أكبر تجار إيران، وهو ابن تاجر يهودي تحوّل إلى الإسلام. وبقى الحزب على هامش القوى المحافظة، لكنه لعب دوراً أساسياً في قيادة هذا التيار وشغل أعضاؤه مناصب وزارية بحكم نفوذه في أوساط التجار. وعلى الصعيد السياسي، أعلن الحزب تأييده لأحمدي نجاد، وكان أبرز داعميه خلال 8 سنوات بحكم ما يتردد عن قرابة الدم بين أحمدي نجاد والإخوة عسكر أولادي. وبعدما رشح عسكر أولادي مرتين من قبل، يشغل شقيق عسكر أولادي، أسد الله عسكر أولادي اليوم رئاسة الغرفة التجارية الإيرانية - الصينية، وهو من أبرز تجار إيران حالياً.