منال لاشين تكتب: عملية رئيس الحكومة لـ"تحجيم" المرأة الحديدية

مقالات الرأي



■ اجتماع سرى لشريف إسماعيل مع 4 وزراء تلاه اجتماع مع على عبدالعال

■ رئيس مجلس الوزراء رفع الأمر إلى جهات أخرى خارج الحكومة

■ 150 مكالمة تليفونية مع النواب لإقناعهم بالتراجع عن تأييد سحر نصر ولقاءات ضمت 50 نائباً من "دعم مصر" والأحزاب الأخرى

■ بعض أهل البيزنس فى البرلمان ساندوا الوزيرة خوفاً على مصالحهم

■ منح إصدار اللائحة لسحر نصر يجعلها حكومة داخل الحكومة


قال لى أحد الوزراء هذه النكتة: فقد دخل مجلس الوزراء فلم يجد الوزيرة سحر نصر وسأل عنها فقيل له أنها تركت الحكومة وتولت رئاسة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خلفا للدكتور أحمد درويش، فصفق نصف الوزراء فرحا، قلت له والنصف الآخر فرد بجدية هذه المرة: النصف الآخر لم يتعامل معها،

لاشك أن هذه النكتة تحمل مبالغة مثل كل النكات، ولكنها تحمل حقيقتين الأولى أن اسم سحر نصر رشح بالفعل لخلافة أحمد درويش فى رئاسة الهيئة، وبحسب المعلومات فإن كلا من أنصار وأعداء سحر قد رشحها للمنصب، أنصارها أرادوا الاستفادة من شطارتها فى تنمية المنطقة الاقتصادية، أما الأعداء فللتخلص منها فى الحكومة، وأظن أن جمع سحر نصر بين وزارتى التعاون الدولى والاستثمار لم يجد صدى جيداً عند بعض الوزراء، خاصة أنها امرأة، وبعض السياسيين يكرهون المرأة القوية.

ويبدو أن الخلافات المكتومة زادت عن حدها فى مجلس الوزراء، وانفجرت فى قانون الاستثمار، والمثير أن أطراف الازمة الرئيسيين كانوا حريصين على الكتمان لأقصى حد، فلا الفريق المنتصر يريد أن يفخر أو يفرح بانتصاره، وكأنه يخشى من العواقب، ولا المهزوم يريد أن يدافع عن نفسه، مكتفيا بترميم ما أصابه من معركة قانون الاستثمار.

والمعركة لم تكن على مادة أو مادتين من قانون الاستثمار، بحسب وصف أحد الأطراف هى معركة (أمن قومى)، وقد رأيت فى الوصف مبالغة، ولكن جهات ودوائر عليا رأت انها بالفعل معركة خطيرة فتدخلت سرا فى ربع الساعة الأخيرة لتنتهى الأزمة لصالح رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل.


1- أصل المشكلة

الصراع الرئيسى لم يكن على المادة، ولكن على مجلس النواب، فالحكومة تعتمد على ائتلاف دعم مصر بوصفه الكتلة البرلمانية المساندة للدولة، وفى الأحوال العادية يرفض الائتلاف أو قيادته بعض القوانين أو المواد، ويتناقش مع الحكومة ويصلون لحل وسط، حتى حين رفض البرلمان والائتلاف قانون الخدمة المدنية كانت الحكومة تعلم أن القانون يواجهه صعوبة ولم يمر، بالأحرى لم تكن هناك مفاجأة، ويتعامل دعم مصر فى التصويت على طريقتين التواصل الشخصى والرسائل على التليفون المحمول وتكون الحكومة على توافق وعلم بهذا التصويت، ولكن فى قانون الاستثمار فوجئت الدولة بتخلى دعم مصر عنها بدون سابق انذار، بل إن بعض قيادات دعم مصر دعموا الوزيرة سحر نصر، ويتردد فى كواليس البرلمان أن النواب تلقوا رسائل متناقضة، رسائل تطلب منهم منح رئيس الحكومة حق إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، ورسائل أخرى تطالبهم بالموافقة على منح الوزيرة سحر نصر حق إصدار اللائحة، وفى هذا المناخ المتخبط فضل بعض النواب ترك القاعة لحين تبين الامر، لأن الأمر بدا كانقلاب على رئيس الحكومة، ولأنها المرة الأولى الذى يتلقى النواب رسائل متناقضة.

الملاحظة الثانية المثيرة للقلق أن بعض أكبر مؤيدى منح إصدار اللائحة للوزيرة وليس رئيس الوزراء هم من رجال الاعمال فى جميع الأحزاب، وأكرر من جميع الأحزاب المؤثرة بالاضافة إلى دعم مصر، ويبدو أن بعض النواب من رجال الأعمال أرادوا مجاملة وزيرة الاستثمار لانها على رأس الوزارة التى تتعامل معها شركاتهم، وهذا يعيدنا إلي قضية تعارض المصالح فى البرلمان، وضرورة الالتزام بالدستور وان يتفرغ النواب ويتركوا أعمالهم الخاصة ومشروعاتهم الكبرى.

الملاحظة الثالثة أن زعيم الاغلبية المهندس محمد السويدى بدا مختفيا إلى حد كبير ولم يساند الحكومة فى هذه المعركة، والسويدى هو رئيس اتحاد الصناعات ويقوم بتعيينه وزير الصناعة، ولكن يبدو أن أعضاء الاتحاد يثقون اكثر فى منح الصلاحيات للوزيرة، مرة أخرى نحن أمام تعارض مصالح بسبب استمرار السويدى رئيسا لاتحاد الصناعات الذى يعبر عن مصالح فئة الصناع فى مصر،

هذة الملاحظات الثلاث تتعدى حدود الخلاف على قانون إلى ما هو أكبر وأخطر. ولذلك كان يجب أن تنتهى هذه الفتنة، وأن يسترد رئيس الحكومة هيبته ويسترد مجلس الوزراء كمؤسسة سلطاته.


2- خطة التحرك

بدأت خطة التحرك لتحجيم دور سحر نصر سياسيا من خلال عدة محاور، بعد هزيمة الحكومة فى مجلس النواب، ذهب وزراء الاسكان والمالية والصناعة والاتصالات إلى مقر مجلس الوزراء، وطلبوا اجتماعا طارئا وعاجلا برئيس مجلس الوزراء، والوزراء كانوا فى قمة الغضب، لأن التعديلات التى أجرتها اللجنة الاقتصادية تهمش دورهم فى الاستثمار وفى الحكومة، وتسحب كل اختصاصاتهم فى التعامل مع المستثمرين أو التعامل على الاراضى والقرارات الخاصة بالإعفاءات للمستثمر والمناطق الاقتصادية الخاصة، باختصار تجعل وجودهم زى عدمه بتعبير أحد الوزراء الأربعة.

وفى هذا الاجتماع تم الاتفاق على التحرك لاحتواء الموقف ولعودة الاختصاصات لهم، وعلى تعديل المادة التاسعة ليعود حق إصدار اللائحة لمجلس الوزراء، وليس رئيس الوزراء فقط، وفى هذه اللحظة أبدى أكثر من 60 نائبا استعدادهم لتقديم طلب إعادة مداولة على بعض مواد القانون، ولم يتخذ فى هذا الاجتماع قرار طلب الحكومة إعادة المداولة لأن البعض لم يكن واثقا من النتيجة.

وبدأ الجميع فى التحرك مع البرلمان، طلب شريف إسماعيل اجتماعا عاجلا برئيس البرلمان الدكتور على عبدالعال لشرح موقف الحكومة.

والاهم أن شريف إسماعيل عرض الامر على دوائر اعلى لشرح خطورة ما حدث، ويبدو أن رئيس الحكومة قد حصل على الضوء الاخضر مما قوى موقف الحكومة، وهنا اتخذ قرارا بأن تتقدم الحكومة بنفسها بطلب إعادة مداولة على بعض مواد القانون.

كما تم التواصل مع أكثر من 200 نائب، خلال الازمة تم التواصل تليفونيا مع نحو 150 نائبا، ولقاءات مباشرة مع أكثر من 50 نائبا، فضلا عن التواصل مع قيادات ائتلاف دعم مصر، ونواب من احزاب اخرى كانوا قد ايدوا منح سحر نصر حق إصدار اللائحة.

وهكذا تم الاعداد لاعادة المداولة يوم الاحد الماضى وعودة حق إصدار اللائحة لمجلس الوزراء وتعديلات اخرى لصالح وزارة الاتصالات.


3- خطر اللائحة

الصراع على إصدار اللائحة التنفيذية للقانون هو صراع سياسى فى المقام الأول، والحقيقة أن اللجنة الاقتصادية بالبرلمان قد اخطأت فى منح هذا الحق لوزيرة الاستثمار سحر نصر، فبعيدا عن الاسماء، لم يحدث أن انفرد وزير بمفرده بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، خاصة فى ظل وجود حوافز للاستثمار تترجم على أرض الواقع إلى مليارات من الجنيهات يستفيد منها مستثمرون ورجال أعمال، ولذلك يمنح حق الإصدار لمجلس الوزراء مجتمعا، وليس لشخص سواء كان هذا الشخص رئيس الحكومة أو وزيرا.

كما أن اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار تتعامل مع وزارات عديدة تعمل فى مجال الاستثمار وتخصيص أراض ومنح تراخيص عمل واشتراطات بيئية وصناعية وسياحية، ولذلك فانفراد وزير بإصدار هذه اللائحة أشبه بمنحه صلاحيات رئيس الحكومة، أو بالاحرى أن يتحول هذا الوزير إلى حكومة داخل الحكومة، وهذا وضع شاذ وخطير ويعزز خلق مراكز قوى داخل الحكومة الواحدة، ويخلق حكومة موازية، ولهذا السبب وصف البعض الأمر (بالأمن القومى) وليس مجرد خلاف بين الوزراء حول مادة أو أكثر فى قانون، وهو أمر تجاهلته اللجنة الاقتصادية والبرلمان فى تصويته الاول بانفراد وزيرة الاستثمار بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، وترك هذه الاختصاصات والصلاحيات الخطيرة فى أيد وزير واحد.


4- سر سحر

للانصاف فإن بعض النواب ايدوا حق سحر نصر فى إصدار اللائحة ومنحها صلاحيات كثيرة لأنهم على قناعة أن سحر نصر وزيرة شاطرة وقوية ومتحمسة.

وسحر نصر بالفعل وزيرة شاطرة ونشيطة ومتحمسة، ولكن وزير الاستثمار لا يعمل بمفرده، وإذا لم يستطع التعامل مع الوزراء المعينين بالاستثمار كفريق فسوف يفشل ولم يستطع أن يحقق أهدافه.

والمثال الواضح هو وزير الاستثمار السابق أشرف سالمان، فقد حاول أشرف سالمان أن ينفرد بسلطات الاستثمار، وسالمان كان وزيرا قويا، ولكن فشله فى التعامل مع زملائه الوزراء والتعامل كفريق انعكس على نتائج الاستثمار فى مصر، وضاع على مصر فرصة الاستفادة من المؤتمر الاقتصادى الذى عقد بشرم الشيخ، فضاعت على مصر فرص استثمارات بالمليارات من الدولارات،

ولذلك يجب أن تفكر سحر نصر جيدا فى كل ماحدث، وأن تعيد ترتيب أولوياتها، لأن العمل الجاد الشاق يجب أن يكون ضمن فريق متكامل، خاصة فى ملف الاستثمار المتشابك مع وزارات أخرى ووزراء آخرين، ولذلك أتمنى أن تتدارك سحر نصر هذا الخطأ سريعا، ولكن الأهم أن يتجاوز الجميع خلافاتهم، وألا يحاول البعض ذبح سحر نصر بسكين هذه القضية، لأن سحر بالفعل وزيرة شاطرة وقوية ومتحمسة ولها علاقات دولية تفيد مصر فى الاستثمار، ولكن كل ذلك مشروط بإدراك الجميع أن العمل يجب أن يتم بروح الفريق الواحد، فربما يفوز الفريق بهدف لأحد لاعبيه، وربما يكون هناك لاعب اشطر من الآخر، ولكن الفوز لا يتحقق إلا بتعاون الجيمع لتحقيق النصر للفريق، هذا الدرس القادم من عالم الرياضة يحتاجه الكثيرون من اللاعبين فى عالم السياسة.