طارق الشناوي يكتب: ميادة ودموع عبدالوهاب!!

الفجر الفني

بوابة الفجر


عندما استمع الموسيقار محمد عبدالوهاب إلى صوت ميادة الحناوى، فى دمشق، قبل أربعين عاما، وجه لها الدعوة مباشرة للقاهرة وبدأ فى إعداد لحن (فى يوم وليلة)، كانت الصحافة فى نهاية السبعينيات تمنح مساحات ضخمة لميادة بجوارها صورة محمد عبدالوهاب، على اعتبار أنها فى طريقها لتحتل العرش بعد رحيل «أم كلثوم»، اعتراف «عبدالوهاب» بالمطرب دائماً ما يأتى متأخراً، فهو لا يُقدم أول لحن، يتركه فى البداية للآخرين، راجع كيف انتظر عبدالحليم، بعد نجاحه أولا مع الموجى والطويل وكرر الأمر أيضاً مع نجاة وفايزة ووردة، فهو يتفحص الصوت ليكتشف مواطن الجمال من خلال ألحان غيره، هذه المرة ومن أجل ميادة اخترق تلك القاعدة وقرر أن يتحمل مباشرة لأول وآخر مرة المسؤولية لتقديم صوتها، ميادة لم تكن تجاوزت العشرين، كان عبدالوهاب يقترب من الثمانين، موسيقار الأجيال له مقولة شهيرة (لا شىء يقف أمام الأجمل)، تستطيع أن تجد تفسيرا لتلك العبارة لو كنا نتحدث عن الأجمل فى الموسيقى وفى النساء أيضا، وهكذا كان عبدالوهاب يرى ميادة وميضا سحريا يرشق فى القلب، انفلتت بعض الكلمات من الأستاذ أثناء البروفات على العود، كان يمطر ميادة بكلمات يسكنها الهيام واللوعة، عبدالوهاب يحرص على أن يحتفظ بتسجيل يعود إليه ليستطيع أن يتلمس مواطن الجمال فى اللحن، ميادة معها نسخة أخرى، الشريط ينتشر فى الوسط الفنى، عبارات الغزل وصلت إلى مسامع زوجة الموسيقار الكبير التى رحلت قبل نحو عام «نهلة القدسى»، اعتبرت الزوجة المجروحة فى كرامتها أن ما حدث جريمة لا تغتفر، فكان لابد من العقاب القاسى، حيث مُنعت ميادة بقرار رسمى من دخول البلاد، بناء على أوامر من «نهلة» ذهب «عبدالوهاب» إلى مكتب وزير الداخلية الأسبق «النبوى إسماعيل» وأصدر الوزير أمراً بترحيلها فور وصولها إلى مطار القاهرة.

 

وبالفعل فوجئت ميادة بأنها تُشكل خطرا على الأمن القومى، وأصبح لحن «فى يوم وليلة» من نصيب «وردة»، وهذا ما دفع الصحافة وقتها أن تشير بأصابع الاتهام إلى وردة بأنها دبرت كل ذلك من أجل الاستحواذ على لحن الأستاذ، كان الملحنون مثل «الموجى» و«بليغ» و«بكر»، والمنتج «محسن جابر» صاحب شركة «عالم الفن»، يرون فى «ميادة» صوتا يستحق الاحتفاء والاحتواء، فلقد ظلت ممنوعة من دخول البلاد على مدى 13 عاماً، وكل ألحانها حتى منتصف التسعينيات يتم تنفيذها خارج مصر فى أحد استوديوهات أثينا، المفارقة أن بليغ كان متزوجا من وردة وسفره الدائم إلى ميادة أدى إلى تصدع حياته الزوجية. قبل أيام حلت ميادة ضيفة على القناة التاسعة التونسية فى برنامج (مع عائشة)، وذكرت وقائع وأغفلت أخرى، لقد اعترف فعلا النبوى إسماعيل، فى حوار له مع وائل الإبراشى، قبل 15 عاما، نشره على صفحات مجلة (روز اليوسف) بأن أمن بيت عبدالوهاب العاطفى هو أيضا أمن قومى، لهذا وبضمير مستريح منعها من دخول البلاد، إلا أنه لم يذكر أن عبدالوهاب بعدها، وبناء على رغبة نهلة، قدم لحنا لزوجته المطربة فايدة كامل، ويبقى ما لم تستطع ميادة أن ترويه فى حوارها (مع عائشة)، وهو أن عبدالوهاب كان يوميا يذهب إلى مكتبه فى شركة (صوت الفن) بعيدا عن عيون وأذان زوجته، ليتصل بها وهو يبكى نادما بالدموع ويبثها مشاعر هيامه وعشقه التى ظلت تسكنه حتى الرحيل.