د. رشا سمير تكتب: معاش جمال وولاد الحلال!

مقالات الرأي



انتشر منذ أيام خبر على مواقع التواصل الاجتماعى يؤكد على أن الحكومة الكندية تعلن إدراج مصر على قائمة الدول المقبول تسريع طلبات اللجوء لمواطنيها.. والغريب أنه بعد نشر الخبر بساعتين، كانت مواقع التواصل الاجتماعى قد نشرت صور المواطنين وهم يصطفون أمام السفارة الكندية طالبين الهجرة، وكالعادة كذبت السفارة بذكاء وانفض المولد..

ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد ذكرتنى تلك الشائعة بأخرى انتشرت منذ أشهر، كان مفادها أن جمال مبارك سوف يقوم بالتعاون مع الأزهر بمنح المواطنين معاشا يتراوح بين ألف وألفي جنيه بمجرد تقديم صورة من شهادة الميلاد وقسيمة الزواج!.. المدهش حقا هو كم البشر الذين تزاحموا على مكاتب البريد فى هجوم غير مسبوق للحصول على المعاش!..

ما السبب الذى دفع الشباب أو الكبار لتصديق تلك الشائعات؟..إنه سؤال له ألف رد ومعنى واحد.. الرد هو اليأس والأمل والوهم، والمعنى هو أن المواطن المصرى يبحث عن قشة ليتعلق بها..

كيف أصبح المُناخ فى مصر طاردا للشباب بهذا الشكل على الرغم من جهود النظام والمؤسسة العسكرية فى تحسين الوضع؟..هناك مدن تُبنى لاستبدال المناطق العشوائية بأماكن تسمح بالعيشة الأدمية ولازالت الأغلبية تحت خط الفقر..وهناك طرق وكبارى تُنشأ كل يوم ولازال المواطن يهدر نصف عمره فى الزحام والمرور القاتل..هناك خطط لتطوير التعليم ولازال التعليم فى أزمة لأن الخطط كلها مجرد خطوط على ورق..وهناك كراتين رمضان ولحوم توزع على المواطنين قبل رمضان والأعياد، ولازال المواطن يبحث عن معاش جمال مبارك ليعيش!.

إذن هل نلوم الدولة لتقاعسها؟ أم نلوم عدد السكان الهائل؟ أم نلوم المواطن الذى لا يشبع ويطمع فى المزيد؟!..

فلو كان عدد السكان هو السبب لما تقدمت الصين وماليزيا..ولو كان المواطن هو السبب لما استفادت الدول التى نهضت من زيادة السكان كأيدى عاملة..

فى الحقيقة ألوم الدولة!..ألوم الفساد الذى جعل المتربعين على القمة هم المجموعة ذاتها التى لم تتنازل طوال فترة حكم ثلاثة حكام متتاليين فى أن يفسحوا المكان لآخرين، ولازالت الدولة تحتضنهم وتستعين بهم فى كل خطواتها ووجوههم البغيضة لازالت تُطل علينا فى كل المناسبات..

ألوم أصحاب المصالح والهتيفة الذين يطالبون المواطن بالصبر وتحمل الغلاء الفاحش في حين أن أبناءهم يتعلمون فى جامعات لندن وكندا بآلاف مؤلفة..

ألوم مجلس النواب الذى لا يناقش سوى القوانين التى لا تهم أحدا سواه.. القوانين التى تحدث فرقعة إعلامية وتجعلهم من المرضى عنهم..فالبرلمان الذى يدرس منع أطباء الجامعات الكادحين من العمل الخاص، هو نفس البرلمان الذى يجمع عددا لا بأس به من أعضائه بين وظيفتين براتبين محترمين على الرغم من أن القانون يمنعهم من ذلك بنص صريح!..فكيف إذن نصدق النائب الذى يصرخ تحت القبة مُهاجما الفساد بلكنة صعيدية أصيلة وهو نفس النائب الذى يعمل بشركات البترول والسياحة، منتفعا من السبوبة!..من يُحاسب هؤلاء؟.

ألوم الدولة التى نسيت فى زحمة العلاوات أن هناك فئة مطحونة تحتاج حقا إلى نظرة شفقة..وهى فئة (خيل الحكومة) أو أصحاب المعاشات.. فهكذا يا سادة يسمون أنفسهم لشعورهم أنهم بعد عمر فنوه فى خدمة الدولة لم يعد لهم لزوم، وهاهم ينتظرون الموت ليرحمهم من قسوة الحياة..إن الرحمة لابد أن تسكن قلوبنا قبل العدل..إنهم أحق من الجميع دون شك..

على الرغم من كل مؤتمرات الشباب والمظهر الحضارى الذى يظهر به المشاركون، إلا إن أغلب الشباب الذين أتحدث إليهم وأشاركهم الحوار فى الندوات لا يشعرون إلا بالقهر، ولا يشعرون إلا بالكبت وخيبة الأمل..فهم يعلمون أن التعيينات بالواسطة، وأن التفوق فى مصر ليس المقياس للنجاح..وأنهم ليسوا أصحاب رأى ولا قرار..وأغلبهم إما يتعلمون فى الخارج وإما يطمحون إلى العمل فى الخارج..

إن مأساة الخمسينيات تتكرر من جديد فى صمت..إنها هجرة العقول من جديد..الشباب لا يبحثون سوى عن الهجرة، فلو امتلكوا المال هى إذن هجرة شرعية، ولو لم يمتلكوه فهم ينتهون جثثا غير شرعية على شواطئ إيطاليا!.

البحث عن وطن بديل مأساة..والبحث عن حل أليم لواقع أكثر إيلاما مأساة أخرى..مأساة يجب أن تواجهها الدولة بشجاعة.. وإلا سيصطف المواطن فى المرة القادمة من أجل الحصول على معاش على بابا والأربعين حرامى!