منال لاشين تكتب: سر غضب الرئيس في قنا

مقالات الرأي



الإمارات تبرعت بتمويل 25 صومعة قمح من أربع سنوات.. والحكومة لم تنفذ سوى 16%


ذهاب الرئيس أى رئيس للصعيد حدث مهم، ولذلك اتجهت الأنظار لزيارة الرئيس السيسى لقنا الأسبوع الماضى لافتتاح عدة مشروعات خلال هذه الزيارة بدا الرئيس غاضبا فى حالتين الأولى الخاصة بالاستيلاء على أراضى الدولة، والثانية وكانت أقل حدة عندما كان وزير التموين الدكتور على مصيلحى يتحدث عن الصوامع، وقال الرئيس احنا مش هنسيبك تمشى كده، لم يفهم الكثيرون لا العبارة ولا سر غضب الرئيس خلال افتتاح صومعة قمح.

ربما تبدو قضية صوامع قمح قضية هينة أو غير مؤثرة فى الاقتصاد، ولكن قضية الصوامع تعد قضية أمن قومى بحق، بالإضافة إلى ذلك فهى قضية اقتصادية وقادرة على تخفيف العبء على الموازنة المنهارة والمتعبة والرئيس كان غاضبا، لأن مشروع الصوامع القومى يتحرك ببطء السلحفاة، وتفقد مصر كل يوم ملايين الجنيهات بسبب الإهمال.


1- المشروع الإماراتى

بعد ثورة 30 يونيو أى منذ أربع سنوات كانت المساعدات الاقتصادية الإماراتية تتضمن إنشاء 25 صومعة قمح فى 17 محافظة، وهذه الصوامع على أحدث مستوى لحفظ القمح- كما أنها صوامع عملاقة، ويكفى أن نعرف أن تكلفة إنشاء صومعة واحدة تتراوح ما بين 160 مليون جنيه و200 مليون جنيه،

المشروع كان من بين المشروعات التى قدمتها حكومة الدكتور حازم الببلاوى وكان نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية الدكتور زياد بهاء الدين وكان وزير التموين الدكتور جودة عبد الخالق، ورأى الثلاثة مع مجلس الوزراء أن مشروع تحديث الصوامع فى مصر، ومضاعفة طاقة الصوامع الحديثة المتطورة فى مصر، وذلك من خلال إنشاء 25 صومعة، توفر فاقدا قدره 10% من القمح الذى يتم تخزينه فى كل مصر، وكانت هذه النسبة تكلف مصر أو بالأحرى تضيع على مصر 2,4 مليار جنيه سنويا، ولكن هذا الرقم تضاعف بعد التعويم ليصل إلى نحو 6 مليارات جنيه، بالإضافة إلى ذلك رقم 6 مليارات، فإن وجود هذه الصوامع يمكن مصر من تخزين كميات ضخمة من القمح، ولذلك فهو يمكنها من شراء القمح من السوق العالمية بكميات كبيرة، مما يمكنها من التفاوض فى السعر وخفضه، وتتراوح نسبة الخفض من 3% إلى 6%، وهو ما يحقق لمصر فائضا فى سعر القمح بـ160 مليون دولار سنويا،

ولكن بعد أربع سنوات وثلاث حكومات متعاقبة، فإن ما تم تنفيذه من هذا المشروع «يكسف»، ويكشف عن كارثة حقيقية، فالمنفذ من المشروع القومى لا يتجاوز 16% من حجم المشروع، وداخل هذه النسبة الضئيلة صوامع لم ينته العمل فيها، وذلك رغم توافر التمويل من الإمارات الشقيقة، وهذا أمر يغضب ويفضح أن الإهمال وليس نقص التمويل وراء تأخر إنجاز هذا المشروع القومى. وهو ما يعنى إهدار 18 مليار جنيه فى السنوات الأربع.


2- سد الجوع

وعلى الرغم من الفائض المالى الكبير الذى يحققه مشروع الصوامع، فإن المشروع له هدف أخطر من المال رغم أزمتنا المالية مع الجنيه والدولار على السواء، فوجود 25 صومعة يضاعف قدرة مصر على تخزين القمح، وبالتالى قدرة مصر على مواجهة الظروف السياسية، أو بالأحرى محاولات الضغط على مصر بمنع القمح عنها وتجويع الشعب المصرى، وذلك للضغط على النظام فى مصر، وخلال حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قامت أمريكا بحظر تصدير القمح لمصر وإلغاء شحنات القمح التى كانت ستأتى لمصر، وكان الغرض من ذلك تجويع الشعب المصرى والضغط على جمال عبد الناصر للخضوع لأمريكا، وخرجت مصر من هذه الأزمة ببيع جزء من احتياطى الذهب وشراء سفن قمح فى عرض البحر بأسعار غالية، ولذلك فإن وجود الصوامع والانتهاء من المشروع يوفر لمصر أمنا استراتيجيا، ويمكنها من تخزين كميات من القمح تكفى لعام وأكثر من عام، وهذا التخزين يدخل فى صميم الأمن القومى المصرى، ويجعل النظام المصرى خارج أى نوع من الضغوط فى هذا الملف الحيوى جدا.

ومن المثير أن مصر انتهت من إنشاء قناة السويس الجديدة فى عام، ولكنها لم تستطع الانتهاء من عدد 25 صومعة خلال أربع سنوات، ولو تم الانتهاء من مشروع الصوامع خلال ثلاث سنوات «ولن أقول عامين» لوفرت مصر الكثير، وفرت مليارات الجنيهات وملايين الدولارات، هذه الأموال نحن فى أمس الحاجة إليها، على الأقل كنا نستطيع أن نزيد بها دعم المواد التموينية لنخفف على الفقراء المعاناة، على الأقل كنا نستطيع أن نضيف بهذه المليارات مدارس جديدة أو مستشفيات جديدة، أو نرصف طرقا، أو، .أو،.. أو، فهناك عشرات المشروعات والخدمات يحتاجها المواطن المصرى لا يجدها، ولذلك من حق الرئيس أن يغضب، وأرجو ألا يكتفى بالغضب فقط، بل يطالب بتحقيق على أعلى مستوى لمعرفة الوزير أو المسئول عن هذه الكارثة أو بالأحرى الفضيحة، من المسئول المهمل وراء تعطيل الانتهاء من هذا المشروع القومى، ووراء إهدار المليارات من الجنيهات على مصر فى ظل أزمة اقتصادية، خاصة أن هذه المليارات كانت ولاتزال دعما من الأشقاء فى الإمارات، مرة أخرى فإن الإهمال فى هذا المشروع يضعنا فى موقف حرج من الأشقاء والشركاء فى التنمية، يجب التحقيق فى هذا الملف فورا، والإسراع فى تنفيذه المشروع فى أسرع وقت، حتى لو اقتضى الأمر أن يحدد الرئيس عاما للانتهاء من المشروع على غرار قناة السويس الجديدة.