عادل حمودة يكتب: وداعا للسياسيين.. أهلا بالجنرالات

مقالات الرأي



انقلاب فى الرئاسة الأمريكية

■ العسكريون يسيطرون على وزارة الدفاع والمخابرات المركزية ومجلس الأمن القومى والبيت الأبيض وكلهم حاربوا فى دول إسلامية

■ ترامب ينفذ خطة قيادة أركان القوات المسلحة التى رفضها أوباما بالعودة إلى الشرق الأوسط وخلق تحالف عربى إسرائيلى لمواجهة إيران والإرهاب


يحظر القانون الأمريكى على الجنرالات المتقاعدين تولى منصب فى البنتاجون قبل مضى سبع سنوات على خروجهم من الخدمة لضمان عدم تهور العسكريين فى اتخاذ قرارات خشنة تفتقد الخبرة السياسية طبقا للقاعدة الشهيرة : الحرب أخطر من أن تترك لتهور الضباط مهما علت رتبهم.

وربما.. لهذا السبب تفضل واشنطن اختيار شخص مدنى وزيرا للدفاع.

لكن.. دونالد ترامب قلب الآية.. واختار الجنرال جيمس ماتيس «67 سنة» لذلك المنصب بعد أن لعبا الجولف معا.. فكان على الكونجرس إصدار تشريع خاص يسمح له بتولى المنصب لأنه تقاعد فى عام 2013 ولم يكمل السبع سنوات التى كان عليه قضاؤها بعيدا عن البنتاجون قبل أن يعود إليه ويسيطر عليه.

وماتيس لم يتزوج.. ولم يدخل فى علاقة غرامية سرية.. ويكره قراءة الروايات ومشاهدة السينما.. ما ضاعف من حدة طباعه حتى إنه يوصف بـ«الكلب المسعور» أو «الكلب المتغطرس» لسرعته فى التخلص من خصومه.

والمؤكد أن اختياره المخالف لتقاليد تعيين وزير دفاع من المدنيين أغرى الجبهة العريضة المعادية للرئيس الأمريكى بالهجوم على ما وصف بعسكرة الإدارة وتسليم مقاليد ومفاتيح البلاد إلى جنرالات على المعاش يتحسسون مسدساتهم إذا ما سمعوا كلمة مفاوضات عند مناقشة الصراعات.

وكان ترامب قد بدأ العسكرة باختيار الجنرال المتقاعد مايكل فلين مستشارا للأمن القومى الذى فكر فى اختياره نائبا له ولكنه لم يصمد فى منصبه الحساس أكثر من 23 يوما استقال بعدها فور اتهامه بمناقشة العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا مع سفيرها فى واشنطن سيرجى كيساليك ما جعله عرضة للابتزاز.

وقد وصف فلين بأنه متقلب المزاج.. يسهل إغراؤه بالمال.. فقد تراجع عن الهجوم على روسيا وتركيا بعد أن حصل لشركته الخاصة بالاستشارات الأمنية على عقود منهما.

ولم يتردد فلين فى أن يضحى بترامب وعرض الإدلاء بشهادته فى التحقيق الذى يجرى بخصوص العلاقات بين روسيا وفريق الحملة الانتخابية للرئيس ــ مقابل عدم محاكمته وهو أمر ــ إذا ثبت صحته ــ يهدد بقاء ترامب شخصيا فى البيت الأبيض.

وربما.. لهذا السبب أقال ترامب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية جيمس كومى المسئول عن ذلك التحقيق ما أثار غضبا عارما ضده.

ولم يتردد ترامب فى اختيار جنرال متقاعد آخر هو هربرت ريموند ماكماستر مستشارا للأمن القومى الذى وضعته مجلة تايم عام 2014 فى قائمة أكثر عشرة أشخاص تأثيرا فى العالم.

واستكمالا للعسكرة اختار ترامب الجنرال مايك بومبيو مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية وقد عارض كثير من النواب فى الكونجرس اختياره بسبب تعصبه ضد الأقليات ومنها الجالية الإسلامية كما أنه سبق وانتقد أوباما لحظر استخدام أساليب قاسية فى التعذيب.

وعين الجنرال جون هوبير كيلى وزيرا للأمن الداخلى بعد أن أغلق شركته الخاصة التى كانت تقدم خدماتها الاستخباراتية والتسويقية.

والملاحظة شديدة الأهمية أن غالبية جنرالات إدارة ترامب سبق أن خدموا فى العالمين العربى والإسلامى ولهم بصمات دامية على أرضنا.

ماتيس حارب فى العراق وأفغانستان قبل أن يتولى قيادة المنطقة المركزية الأمريكية التى تغطى المساحة العسكرية الممتدة من جبل طارق إلى حدود الصين.

وفلين أيضا شارك فى حربى العراق وأفغانستان قبل أن يتولى وكالة استخبارات الدفاع.

وكذلك مكماستر الذى انتقد من قبل تورط بلاده فى حرب فيتنام على صفحات كتابه الحاد التقصير فى الواجب.

والمقصود.. أن اختيارهم يعنى أن الشرق الأوسط سيكون منطقة الرماية أو تبة ضرب النار التى سيفتحون أسلحتهم عليها.

مرة بدعوى محاربة الإرهاب.. ومرة لتحجيم الدور الإيرانى.. ومرة للسيطرة على الهجرة غير الشرعية.. وكلها ملفات يشجعها حلفاء واشنطن فى المنطقة.. لكن.. ذلك لا يمنع أن ترامب يسعى إلى تحقيق شعبية بعمليات عسكرية خارجية لتعويض الفشل فى السياسة الداخلية.. بجانب تنشيط صناعة السلاح التى أصابها الركود بما يضمن انتعاشا فى الشرايين الاقتصادية كما فعل ريجان فيما سمى بحرب النجوم.

لقد فتحت إدارة ترامب أحضانها للعسكريين وأعطت ظهرها للدبلوماسيين فزادت ميزانية وزارة الدفاع 12% «58 مليار دولار» وخفضت ميزانية وزارة الخارجية 28 فى المئة «30 مليار دولار».

لكن.. ما تفسير هذا الانقلاب الحاد فى الإدارة الأمريكية؟.

هناك من يرى أن ترامب يدين للعسكريين بشخصيته الجريئة التى اكتسبها عندما أرسله والده ــ فى سن الثالثة عشرة ــ للدراسة فى أكاديمية نيويورك العسكرية لاكتساب الجدية والتحمل والانضباط بعد أن بدا مراهقا مدللا مستهترا.

وهناك من يرى أن ترامب فاز فى الانتخابات الرئاسية بدعم من شركات السلاح التى تراجعت مبيعاتها بنحو 500 مليار دولار خاصة بعد أن وعد بتخفيض الضرائب بنسبة 20% على الأقل وبزيادة ميزانية البنتاجون لتصبح أرباحها المتوقعة أكبر.

وقد رفع ترامب الحظر على بيع السلاح للبحرين رغم ما فيها من تجاوزات فى ملف حقوق الإنسان.. كما وافق على بيع قذائف متطورة للسعودية.. وسمح باستخدام أم القنابل فى أفغانستان.. وأطلق صواريخ توما هوك على قاعدة الشعيرات السورية.. وحدث ذلك قبل أن يكمل المائة يوم الأولى من حكمه.. ما يشير إلى أن رئاسته ستكون عصرا ذهبيا للصناعات الحربية التى عانت كثيرا من الكساد خاصة أن منطقة الصراعات الرئيسية فى الشرق الأوسط منطقة فيها كثير من الدول الثرية القادرة على سداد الفواتير دون تردد.

يضاف إلى ذلك ما هو أهم.

أن ترامب ينفذ نصائح الجنرالات التى تجاهلها أوباما.

كانت قيادة أركان القوات المسلحة الأمريكية قد عقدت ورشة عمل لمدة أربعة أيام فى الفترة ما بين 25 و28 يناير عام 2014 لبحث الخيارات المتاحة فى الشرق الأوسط وفى اليوم الأخير شارك قادة الأسلحة المختلفة فى النقاش.

وتضمن التقرير السرى الذى رفع إلى البيت الأبيض إصرار الجنرالات على أن يعيد أوباما اهتمامه بالشرق الأوسط بعد أن هجر المنطقة متجها إلى الشرق الأقصى والمحيط الهادئ وبحر الصين.

وترتب على هذا الهجر مزيد من التوسع الإيرانى ومزيد من التواجد الروسى ومزيد من النجاح الإسرائيلى بما يضر بمصالح الولايات المتحدة فيها.

لقد كانت إسرائيل ــ دون تكلفة ــ الرابح الوحيد فى سوريا.. وفى الملف الليبى أقنعت فرنسا وبعدها بريطانيا بقلب نظام الحكم لصالح الفوضى القائمة بجانب العمليات الإرهابية التى استشرت فى شمال إفريقيا.. وأصرت إسرائيل على تسريح جيش حزب البعث ما خلق ظروفا أمنية وسياسية صعبة أجبرت الولايات المتحدة على الرحيل من هناك تاركة وراءها دولة مقسمة إلى ثلاث دويلات.

وأخطر ما حدث فى المنطقة تشجيع فرنسا وبريطانيا وإسرائيل المسلمين على الاستمرار فى حروبهم المذهبية وهى سياسة وسعت من نطاق العمليات الإرهابية حتى وصلت إلى أوروبا ذاتها.. وشاركت الولايات المتحدة فى دفع الثمن.. فكثير من الجنود الذين ندربهم فى الأردن انضموا إلى تنظيمات إرهابية يقتلون الجنود الأمريكيين فى جنوب ليبيا.. وكثير من المقاتلين الذين ندربهم فى سوريا أصبحوا ناطقين باسم القاعدة.

وهذه الفوضى سببها سياسة تغيير خريطة المنطقة التى يرى جنرالات البنتاجون أنها يجب أن تتوقف على الفور دون التهاون فى لملمة الأوضاع المتردية وسحق الإرهاب.

وهنا يقول التقرير نصا : إن قناعة القيادة العسكرية هو أن استمرار سياسة الفوضى وإعادة رسم خريطة المنطقة ستؤدى إلى إفلاتها من أيدينا بزيادة الحروب القبلية والدينية والإثنية لسنوات طويلة ما يؤثر على إمدادات النفط ويجبرنا على العودة إلى حماية المنطقة وتأمينها.. أو ستؤدى إلى سيطرة إسرائيلية على مساحات واسعة منها أكبر من قدرتها ما يجبرنا على العودة من جديد للمنطقة لحماية حلفائنا بحكم اتفاقيات الدفاع القائمة.. أو ستؤدى إلى وصول تنظيم إرهابى إلى الحكم يصدر العنف إلى ما حوله ما يضطرنا إلى العودة مرة أخرى للمنطقة كما فعلنا فى أفغانستان لاستئصال القاعدة.

ويضف التقرير : والحل المناسب أمامنا هو خلق تحالف عربى مؤيد للسياسة الأمريكية يعيد الاستقرار للمنطقة بالتفاهم مع إسرائيل يكون قادرا بدعمنا العسكرى والمخابراتى على تحجيم إيران وسحق الإرهاب والتوصل إلى حل مناسب للمشكلة الفلسطينية.

لكن.. أوباما لم يأخذ باقتراحات الجنرالات التى وجدها ترامب خطة جاهزة يمكن تنفيذها.. وهو ما جعله يختار أقوى مساعديه من الجنرالات الذين خدموا فى المنطقة ويعرفونها جيدا وعلى علاقات جيدة مع قادتها.. كما أنه لم يتردد فى استقبال عدد من حكامها فى البيت الأبيض قبل أن يستكمل حكمه المائة يوم.. بجانب وضع المنطقة على رأس قائمة رحلاته الخارجية.

وفى السعودية تقرر أن تكون هناك قمة خليجية يعقبها قمة إسلامية تشارك فيها الدول السنية لدعم التحالف الإقليمى الذى تتجه إليه جميع النيات وإن لم تصف المشاكل القائمة بين بعض دوله مثل المشاكل الصعبة بين مصر وتركيا وبين مصر وقطر كما أن هناك خلافا حول تحديد العدو الأولى بالمواجهة.. هل هو إيران أم الإرهاب أم هما معا؟.

لقد أجبرت سياسة أوباما الفاشلة فى المنطقة على انقلاب فى إدارة ترامب.. ففتحت ذراعيها إلى العسكريين وأعطت ظهرها للسياسيين.. وهو انقلاب يحتاج إلى ضبط شديد.. فاللعب بالنار ربما يحرق الحواة.. حسب المثل الأمريكى نفسه.