حسام زيدان يكتب: الإلغاء هو الحل.. شعار الأوقاف

ركن القراء

حسام زيدان
حسام زيدان


"الصباع اللي يتعبك اقطعه" يبدو أن هذا المثل الشعبي، هو ما يتم تطبيقه حرفيًا في حل مشكلات الدولة المصرية، فبدلًا من أن نذهب إلى الطبيب، ونطلب العلاج الناجع، يكون دائمًا البتر هو الحل الأقرب لمخيلة المسؤولين في دولتنا العريقة. 

نعم عريقة، فأنا أقصد المصطلح تمامًا، فعمر بوابة في مسجد إسلامي يساوي عمر دول كاملة، وعمر حجر من أحجار الأهرامات يساوي تاريخ قارات كاملة، فلا يليق بدولة بعراقة الدولة المصرية أن تكون كل حلول مشكلاتها هي البتر.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال لبلال عن الصلاة: "أرحنا بها يا بلال"، فهي سبيل راحة المؤمنين القلبية، واطمئنان ضمائرهم، وصفاء روحهم. 

الصلاة تروح عن الروح ما علق بها من هموم، وآلام الدنيا، ومشكلاتها المتتابعة، يقول د. مصطفي محمود في خاطرة له عن الصلوات الخمس، أنهم يشبهون حوض الآلام، فبعد كل مرحلة من اليوم تذهب وتلقي بهمومك وحمولك وآلامك وتفوض فيها من لا يغفل ولا ينام. 

هكذا هي الصلاة، ويأتي شهر رمضان، الشهر الذي أنزل في القرآن، وفيه ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، وتكثر العبادة في رمضان، ويتقرب عباد الله من الله، بالذكر والصلوات والتهجد، ويجتمع المسلمون في مساجدهم على حلقات العلم والذكر والصلاة، وترتفع المآذن بالتكبيرات، وتصدح بأصوات ندية عذبة تردد آيات القرآن الكريم، في ملحمة تتناغم فيها أهازيج السماء، مع ابتهالات الأرض، وأصوات الدعاء، لتكتمل لوحة التبتل لرب العالمين في شهر من العام.  

ولكن يأتي سوء الاختيار وسوء التنظيم، والفوضى، لتشوه هذه اللوحة وتجعلها في صورة مزعجة للبعض، فعندما قدم الرسول صلي الله عليه وسلم أول ما قدم إلى المدينة المنورة، قام ببناء المسجد، وكان المسجد دونما مئذنة، وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بلال بن رباح أن يؤذن للصلاة، وقال "إنه أنداكم صوتًا"، وهذا هو الشرط الأول للمؤذن، أن يكون المسلم بالغًا عاقلًا ندي الصوت. 

أن يكون صوته جميل، يحرك الأفئدة، ويجعل الآذان تهوي سماع النداء "الله أكبر .. الله أكبر" ، "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح"، وهنا يأتي دور الدولة. 

فالذي قام بتعيين بلال بن رباح وتكليفه بمهمته هو رأس الدولة، أو المنظم لأمورها الدينية في هذا الوقت، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، والقائمة بهذا الأمر الآن والتي من المفترض أنها تقلد فعل الرسول عليه الصلاة والسلام هي وزارة الأوقاف، فهي من تقوم بتكليف المؤذنين بالمساجد الجامعة، وعليه فيجب أن يكون من أول أسس اختيار المؤذن حسن الصوت، ونداوته، وسلامة مخارج حروفه، وأن يكون دارسًا للمقامات الموسيقية، ويعرف كيف يكون الآذان بها.  

ثم يأتي من بعد المؤذن الإمام، والذي يجب أن يكون حافظًا لكتاب الله تعالي، ندي الصوت، عذب المنطق، حلو الكلام، رفيق النصح، جميل الطلعة، بسام المحيا، وأن يكون على علم وفقه، وإلمام بأمور الدنيا والدين، خبير بأمور أهل الحي، متواصل معهم، مكتفِ براتبه، لا يلجأ لعمل آخر ليسد حاجته، فإمام المسجد ليس مجرد موظف يؤدي وظيفته، وإنما هو قيادة في مكانه، وموجه للمجتمع، ومرشدًا له، ومرجعية لكل مريدي المسجد. 

وبعد أن يتوافر المؤذن حسن الصوت، والإمام العالم يجب تفعيل سياسة المساجد الجامعة، ففي صلوات الجمعة والتراويح، والتهجد، يجب أن تكون هذه الصلوات بالمساجد الجامعة. 

والمسجد الجامع هو المسجد الكبير للحي، والذي يضم كل أهل الحي في صلاة الجمعة، وصلاة التراويح، مسجدًا واحدًا في الحي بأكمله، يصدح بآيات القرآن الكريم، بأصوات ندية خاشعة، عبر مكبرات صوت حسنة، راقية، يتم معالجتها لتتناسب ذبذباتها مع ذبذبات آذان الناس، فيحبون ما يسمعون ولا ينفرون. 

التنظيم هو الحل، وهذا ليس بجديد على الدولة الإسلامية، فلكل منطقة يجب أن يكون هناك مسجدًا جامعًا، لا أن نجد بكل عمارة زاوية، وبالطبع لا مانع من كثرة الزوايا، ولكن الصلوات الجامعة كالجمعة، والتراويح، يجب أن تكون بالمساجد الجامعة، وكل مسجد يفصل بينه وبين الثاني ما لا يقل عن 500 متر، ويرفع فيه الآذان، ويُقرأ القرآن في مكبراته، وفيه تقام الجمعة، أما الزوايا فتكون للصلوات الخمس ودون مكبرات صوت، فالأذان هنا يُرفع من المساجد الجامعة، والجميع يسمع النداء، ونعيد الأذان الثاني للجمعة، ونعيد الهيبة لإمام المسجد، وللمؤذن، لا أن نجد أطفالاً تؤذن، أو أن نجد منكري الأصوات يرفعون نداء الله تعالي.

التنظيم لا الإلغاء هو الحل، فلنجعل من رمضان عيدًا وبهجة ومتعة للنفس وترويح عنها، لا حرب نتراشق فيها بالألفاظ، ونتبادل فيها الاتهامات، والتنظيم هنا يقع علي عاتق الدولة، وتحديدًا علي عاتق وزارة الأوقاف. 

ولو أن وزارة الأوقاف عاجزة عن التنظيم ولا دور لها في المساجد سوي أن تلعب دور "الخفير النظامي" الذي لا أسهل من حل عنده سوى المنع والإلغاء والغلق، فلتعيد الدولة إذًا الأوقاف إلى الأزهر كما كانت، ويقوم الأزهر بتنظيم شئونه كما كان يفعل منذ قرون مضت. 

لو أن وزارة الأوقاف دورها في نظر مسؤوليها غير واضح، فنوضحه، أنتم مسؤولون يا سادة عن فتح المساجد الأربع والعشرين ساعة، وصيانتها وعمارتها علمًا ودينًا قبل مآذن ومكبرات صوت، ثم أنتم مسؤولون عن نشر هذا العلم بين طبقات المجتمع بما يقيه التطرف والتشدد، ويحميه من هجمات الفكر الغير مناسب لطبيعة المجتمع المصري، ثم بعد هذا أنتم المسؤولون عن ضرب المثل والقدوة الحسنة للشباب الناشئ عن سماحة الإسلام وعدله ونظامه وشموله. 
أيها السادة مسؤولي وزارة الأوقاف أنتم نبراسًا لهذا الأمة وسراجًا إن أردتم، أو أنكم تتركون الساحة لكل ناعق لينعق بما يريد، فاستقيموا يرحمكم الله، واعملوا علي تنظيم عمل المسجد، وإعادة دوره له، وعلي أن يكون مفتوحًا دائمًا، محصنًا بإمام عالم، وخادم بشوش الوجه، ومؤذن ندي الصوت. 

فمن نكد الدهر أننا نجد عمالًا أقل ما يقال عنهم أنهم لا يصلحون عمال مقاهي لا مساجد، فعامل المسجد يجب أن يكون تقيًا ورعًا، يحبب عباد الله في بيت الله، ويعرف كيف يعامل الأطفال بالمسجد ويرعاهم، لا أن يكون مصدر رعب وتخويف لهم، ونجد طفلًا يكره بيت الله بسبب طرده من عمال المساجد المعينين من قبل وزارة الأوقاف، نحتاج عامل يفهم أنه خادمًا للمسجد لا سيدًا متحكمًا آمرًا ناهيًا، أين الاختيار؟ هل تمت اختبارات لهؤلاء؟ هل جري تدريبهم وتعليمهم كيفية التعامل مع مريدين المسجد صغارًا قبل كبارًا؟ . 

فالقضية لا تنتهي بمجرد أننا سنكتم صوت مكبرات الصوت في صلاة التراويح، بل قد بدأت، قضية المسجد كدار عبادة وحياة، المسجد كدين ودنيا، المسجد كمكان للصلاة والتعلم، المسجد كمان للتخلق بالخلق الحسن واكتساب الحميد من العادات، المسجد كناد وملتقي اجتماعي لأهالي الحي يتبادلون الخبرات ويراجعون الأحوال ويجتمعون علي الخير. 

فالمسجد مؤسسة كاملة وليس مجرد مكان للصلوات، والذكر وفقط، فيا وزارة الأوقاف أعيدي المساجد إلى ما كانت عليه، ولا تتخلوا عن دوركم حتى لا يحتله غيركم.