منال لاشين تكتب: كارثة.. البنوك لن ترفع سعر الفائدة على الودائع

مقالات الرأي



■ لم يكن قرار المحافظ مفاجأة فقد كان محور المفاوضات مع "الصندوق"

■ منذ 40 عامًا قررت السيدة الأولى فى مصر مفاجأة الجميع فى مطار الرياض

■ طارق عامر فى اجتماع خاص لاتحاد البنوك: كل بنك حر فى تحديد أسعار الفائدة

■ لم نجن ثمار قرار المركزى ولكننا خسرنا 30 مليار جنيه فاتورة ارتفاع سعر اقتراض الحكومة لسندات وأذون الخزانة


من الصعب أن أشعر بالتعاطف مع أى مسئول، خاصة منصب محافظ البنك المركزى، فهو منصب رفيع المستوى ويملك من النفوذ مساحة شاسعة، ولكننى ضبطت نفسى هذه المرة متعاطفة جدا مع طارق عامر، فمساحة التحرك أمامه تضيق يوما بعد الآخر، ولعل قرار المركزى الأخير برفع سعر الفائدة 2% مرة واحدة يعكس هذه «الزنقة» فما بين جنون التخفيض وارتفاع الأسعار من ناحية، وما بين مشاكل المستثمرين وضغوط عجز الموازنة من ناحية أخرى كان على المركزى اختيار أقل السيناريوهات ضررا، وفى خليفة الصورة الخانقة تتقاطع شروط الاتفاق مع صندوق النقد.


1- ديمقراطية مصرفية

عقب تعويم الجنيه قام المركزى برفع سعر الفائدة 3%، وعلى الفور أعلنت البنوك استجابة قوية للقرار، بدأت الاستجابة بأكبر بنكين فى مصر الأهلى ومصر ثم القاهرة وتبعها بنوك أخرى ووصلت الفائدة إلى 20% على الشهادات لمدة عام ونصف العام، أما الشهادات لمدة ثلاث سنوات فكانت فى البنوك العامة 16%، وعانت البنوك المتوسطة والصغيرة من هذه الطفرة فى عائد الشهادات، ولكنها حاولت أن تجارى البنوك العامة برفع سعر الفائدة، وكانت هذه الزيادة هى أقصى مقدرة لهذه البنوك فى رفع سعر الفائدة على الودائع.

ولكن هذه المرة وعندما تم رفع سعر الفائدة 2% لم تتحرك البنوك لمواكبة هذا الحدث أو بالأحرى الرفع، وأعلن البنك الأهلى أنه لم يرفع عائد شهادة لـ20% لأن العائد أعلى من سعر لجنة السياسات، ولذلك لم يحدث تغيير أو زيادة فى أسعار الفائدة على الودائع فى كل من بنكى الأهلى ومصر، ولم يعلن حتى الآن أى بنك حكومى أو خاص عن رفع سعر الفائدة أو طرح شهادة جديدة بعائد أكبر، وبرر رؤساء البنوك هذا الإجراء بأن قرار لجنة السياسة النقدية بالمركزى غير ملزم للبنوك، وأن القرار استرشادى، وأن كل بنك من حقه تحديد أسعار الفائدة بحسب سياسة البنك، أحد رؤساء البنوك أكد هذه البديهيات بقصة واقعية ذات مغزى، القصة جرت وقائعها فى الاجتماع الأخير لمحافظ البنك المركزى مع رؤساء البنوك، وهو الاجتماع الذى دعا إليه رئيس اتحاد بنوك مصر هشام عز العرب، خلال الاجتماع قال طارق عامر لرؤساء البنوك: كل بنك حر فى تحديد سعر الفائدة، وهذه الروح الديمقراطية أوصلت رسالة بان البنوك غير ملزمة عمليا بأى رفع جديد على أسعار فائدة الودائع، وأن المحافظ لم يغضب لو لم تستجب البنوك لأى زيادة فى سعر الفائدة، ولكن فى حالة رفع الفائدة بعد التعويم لم تسد هذه الروح الديمقراطية فى القطاع المصرفى.

بل إن البعض فى القطاع المصرفى تصور أن رفع سعر الفائدة رسالة موجهة لصندوق النقد ولا تخص القطاع المصرفى كثيرا.

وعلى الرغم من أن هذا التصور يدخل فى عالم السياسة، إلا أنه يبدو للبعض منطقيا.فقد طلب صندوق النقد صراحة وعلنا من المركزى التدخل لوقف التضخم، ومن أهم أدوات المركزى لتحقيق هذا الهدف هو رفع سعر الفائدة، ولذلك نحن أمام وضع شاذ فى عالم الاقتصاد والمال، وضع نلعب فيه على الخسارة وليس المكسب، وعلى قرارات غير مدروسة لا نجنى منها مكاسب، بل تزيد كل الأوضاع سوءاً..أوضاع الجميع المواطن وعجز الموازنة والأسعار ووضع الجنيه أمام الدولار.


2- ولا عزاء للمودعين

إذا لم تستجب البنوك لرفع سعر الفائدة على الودائع، فإن رفع سعر الفائدة الجديدة سيكون بلا أثر فى محاربة التضخم، وهو الهدف المعلن من زيادة سعر الفائدة.

على الجانب الآخر فإن فوائد القروض ستستجيب للسعر الجديد للفائدة، ففى العرف المصرفى فإن اتفاقيات قروض المشروعات الكبرى يتم حسابها بناءً على سعر الاقراض الذى يحدده البنك المركزى، فالاتفاق على سعر الفائدة يتم على أساس سعر الفائدة الذى يحدده المركزى مضافة إليها نسبة 1% أو 2% حسب الاتفاق، وهذا يبرر الثورة العارمة لرجال الأعمال أو بالأحرى الصدمة التى أصيبوا بها من رفع سعر الفائدة 2% مرة واحدة، لأنهم ضمن أوائل الخاسرين من هذا القرار، ولذلك فقرار سعر الفائدة سيزيد من التضخم ورفع الأسعار.لأن المنتجين سيرفعون الأسعار لتعويض الزيادة فى سعر فائدة الاقتراض لمشروعاتهم.

وبعيدا عن رجال الأعمال ثمة خاسر آخر أكثر أهمية وخطورة، وهى الحكومة أو الخزانة العامة للدولة، فكل رفع لسعر الفائدة بمقدار 1% يكلف الخزانة 15 مليار جنيه سنويا، وذلك من خلال زيادة تكلفة اقتراض الحكومة من البنوك عبر سندات وأذون الخزانة، وهكذا خسرت الخزانة 30 مليارا سنويا من خلال رفع سعر الفائدة الأخير، وسيزيد عجز الموازنة، وهكذا فإن القرار يعمل ضد الهدف الرئيسى للإصلاح المالى وهو خفض عجز الموازنة، وبالطبع لتعويض زيادة العجز ستلجأ الحكومة إلى مزيد من خفض الدعم، وزيادة الأعباء على المواطن.

كل ذلك دون أن يستفيد المودعون المستهدفون الرئيسيون من قرار رفع سعر الفائدة لتخفيف العبء عليهم فى مواجهة الارتفاع الجنونى فى الأسعار، كما أن عدم زيادة سعر الفائدة على الودائع سيجعل السيولة بالجنيه المصرى أعلى من سيولة الدولار، ففى الأشهر الاخيرة زادت السيولة بالجنيه المصرى بـ130 مليار جنيه، دون زيادة مقابلة لا فى الدولار، ولا فى الإنتاج، ولذلك فالفشل فى سحب أو تقليل هذه السيولة من السوق سيؤدى إلى ارتفاع جديد فى الأسعار، ويهدد سعر الجنيه مقابل الدولار.


3- الطريق الخاطئ

أعتقد أن هذا الوضع الخطير يكمن فى أداء الحكومة وليس فى المركزى فقط، لأننا منذ التعويم ندفع ثمن الإصلاح غاليا دون أن نجنى ثماره، ورفع سعر الفائدة الأخير خير دليل على هذا الوضع الكارثى، فالمودعون لم يستفيدوا وستضار الموازنة والاستثمار.مرة أخرى نحن ندفع ثمنا كبيرا ونسدد فاتورة ضخمة دون أن نجنى أى ثمار أو نحقق أى تقدم أو مكاسب.

والسبب الرئيسى وراء هذه الكارثة هو اختيار الطريق الأسهل، الحكومة لا تعمل والوزراء مشغولون بخلافاتهم، والاستثمار لا يزال متعثرا والتصدير لا يزيد بنسب حاسمة أو مؤثرة.

أسهل طريق هو السلف والاقتراض ورفع سعر الفائدة، ونتجاهل الطريق الوحيد الذى يجب أن نسلكه...طريق العمل الحقيقى لرفع كفاءة الاقتصاد المصرى، وخفض الاستيراد برفع كفاءة الصناعة والمنتجات المحلية، بتقديم تسهيلات حقيقية وتبسيط الإجراءات لجذب استثمار أجنبى حقيقى واستعادة السياحة، بدون هذه الإجراءات، وبدون أن ينسى الوزراء خلافاتهم، بدون عمل حقيقى سنظل أسرى للاقتراض.سنظل أسرى الهرولة لإرضاء صندوق النقد للحصول على الشريحة الجديدة من القرض، أى الدوران فى دائرة القروض مرة ثانية وعاشرة.

نحن أمام وضع كارثى لم ولن يتم الخروج منه سوى بالعمل الجاد الحقيقى المتواصل، عمل لا يعتمد على زيادة القروض من كل مكان، يجب أن تكف الحكومة عن البحث فى كل أرجاء المعمورة عن حلول بالاقتراض، لأن الحل الحقيقى موجود هنا.. فى مصر، فى بناء اقتصاد حقيقى.