مديحة عاشور تكتب: "رامز.. أنت حقا تحت الأرض"

الفجر الفني

مديحة عاشور
مديحة عاشور


ربما النجاح الحقيقي من وجهة نظري لبرنامج المقالب "رامز تحت الأرض" هو اختيار الاسم؛ فإصرار رامز على تقديم هذه النوعية من البرامج برغم الانتقادات التي يتعرض لها كل عام يجعل مكانته تهبط إلى ما تحت الأرض.

 

لا أجد مبرر لكل هذا التحدي والإصرار على تقديم مثل هذه النوعية من البرامج المروجة للعنف والداعية له والخالية من كل هدف أو مضمون، وأن كان إسعاد الناس من احد أهداف الفنون، لكن لا يكون إسعاد الجمهور بهذا القدر من السخف والعنف والألفاظ التي يتفوه بها ضيوف البرنامج، أى سعادة تلك التي يشعر بها الجمهور حين يشاهدون أحد النجوم وهو فى حالة خوف ورعب وهلع، لا يتلذذ بذلك إلا الشخص الشاذ الذي بدلا يجد سعادته إلا في إخافة الناس وإيذائهم، وأى سعادة تلك التى تتحقق للجمهور حين يرى الفنان الذى يعتبره رمزا للإبداع يجده يهان ويجرح حينما يتهكم عليه مقدم البرنامج طوال الحلقة ويسخر منه.

 

فضلا عن أن كل ما يحدث في هذه الحلقات، لا يزيد على كونه خدعة مدفوعة الأجر، أبطالها عدد من الفنانين، تقاضوا مئات الآلاف ليخرجوا على الجمهور بأداء تمثيلي رديء، يتضمن الكثير من الصراخ والشتائم التي لا تمنع القواطع الصوتية المشاهد من أن يدرك مغزاها.

 

الأمر يحتاج لدراسة نفسية لشخص مقدم البرنامج، لأن ما شاهدناه فى الحلقات الأولى من ضرب وشتائم وسب موجه له ولوالديه، خاصة فى حلقة فيفى عبده يجعلنا بصدد شخص يظهر كل عام مع أشخاص يقومون بشتمه وسبه وضربه، فهل هذه هى سعادته؟ وهل هو مريض نفسى ولا يجد سعادته إلا فى الإهانة؟ كما أن ضيوف الحلقات الذين كسبوا مادياً ووصلت أجورهم إلى أرقام خرافية، اعتقد ان خسارتهم اكبر كثيرا مما ربحوه من أموال، فقد سمحوا لمقدم البرنامج أن يلهو بهم ويطرحهم أرضا وينكل بهم ويغمرهم بالطين والإهانة والسخرية منهم طوال الحلقة، اى مبلغ هذا الذى يجعل الفنان يقبل الإهانة بهذه الطريقة أمام جمهوره، ولم نجد فنانا واحدا احترم تاريخه الفنى أو احترم ثقة الجمهور ورفض إذاعة الحلقة، هذا إن كان حقا على غير علم بالمقلب منذ البداية.

 

مثل هذه البرامج الرديئة تجعل المشاهد يعتاد على سماع الشتائم والسب، والتعود على أن هذه الحقارة مدعاة للسعادة والضحك، وأن إيذاء الناس وترويعهم متعة، أليس هذا تحريضا على العنف والإرهاب، فماذا يكون تعريف الإرهاب سوى أنه ترويع وإيذاء للغير، ماذا ننتظر من جيل نشأ منذ سنوات على مشاهدة برامج رامز ومشاهدة البطل فى الدراما الذى يحمل "السنج"، ويمارس دور البلطجى، ليس غريبا أذن أن تتغير شكل وجوهر الشخصية المصرية، ومنظورها للأخلاق والشهامة والرجولة التى اعتادوها فى برامج ودراما الزمن الجميل.

 

فالفن والإعلام ليسا فقط مرآة المجتمع العاكسة له، لكن أيضا هما الأداة التى بها أما تدفع بالمجتمع للأفضل أو تزج به إلى الأسوأ، فهناك الملايين التى تنفق على هذا البرنامج فى مقابل أن ينشأ جيل جديد معتاد على وقاحة الألفاظ وجماليات إهانة الآخر والاستخفاف به، مقبلا على العنف والإرهاب، وليس لنا أن نسأل بعد الآن لماذا ينتشر بين شبابنا العنف والقتل واغتصاب الصغار.

 

الموضوع يمثل خطرًا كبيرًا علينا، ليس مجرد برنامج بمحتوى تافه، ولكنه لأنه أصبح كارثة على المجتمع المصرى، فهل هناك من ينقذه؟