ربيع جودة يكتب: إبليس والديانتين

ركن القراء

ربيع جودة
ربيع جودة


كان الشاب دائم الحيرة..  بشأن ما يفعله أبيه وهو في هذا السن المتأخر.. حين يراه يتحامل علي نفسه ليصعد كل يوم الي الدور الرابع ليجالس رجلاً قعيداً في مثل سِنه.. ولكنه علي غير دينه.. ويمكث معه قرابة الساعتين..  ثم يرسل في طلب ولده ليساعده  في النزول..  وقد وهن عظمه..  واشتعل شيبه..  ونزول السلم أشد عليه من صعوده..  حتي إذا هبت جيوش الليل تجتاح الأفق..  وتحجب النور..  دخل العجوزين كلٌ الي محرابه..  يؤديان صلاتهما  ويتبتلان كلٌ بحسب معتقده. .  ويقرأ كلٌ في كتابه ما فيه تحريم للآخر..  غير أنهما لا يفترقان..  ولا يتخاصمان..  حتي ظن الشاب أن أحدهما قد أهدي الآخر الي طريقه..  فصارا علي دينٍ واحد..

وكان لجارهم في الدور الرابع شاب وفتاه  في مثل عمره تقريباً ..  لكنه علي عكس والده..  لم تربطهم به علاقة قوية..  غير لقاءٍ علي الباب وهو بصحبة والده ذهاباً وإيابا..  حتي إذا كان صوم أحدهم.. تشعر وكأن الآخر يصوم معه.. احتراماً لمعتقده..  فلا يؤذيه بطعامٍ في نهار..  ولا الآخر يؤذيه بلحومٍ في فترة إمساكه.  حتي أن أطباق ( القطايف)  لا تستطيع تحديد في أي البيتين صنعت..

  مرت الأيام والسنوات علي هذا..  حتي أتي وافد إلى العمارة.. يسكن ما بين الدورين..  وكان رجلاً غريباً.. في سلوكه ومنظره..  لا تفهم الي أي الديانتين ينتمي..  فلا تراه في طريق الي مسجد..  ولا تراه مترعاً بصليب.. وقد تظنه ليس من طينة البشر..  هذا الرجل قد أوجعته تلك الصداقة..  وأكلته نيران الحقد لهذه الصلة..  فانتظر ذات يومٍ صعود الشاب مع أبيه..  وقابلهما بين الدورين فابتسم ابتسامة الثعلب..  وقال للشاب ماذا بيدك..  وكان الشاب يحمل كتاباً..  فقال هذا كتابي فلدي امتحان قريب..  قال إذاً.. دع والدك سأصعد به..  أنا أعرف أنه ذاهب الي جارنا في الدور الرابع اذهب أنت الي مذاكرتك وأنا سأتولي الأمر  ..  قال الشاب..  لا تجهد نفسك..

الأمر هين..  سأصعد وأعود علي الفور..  فأقسم عليه أن يعود واصطحب والده..  فشكره الشاب..  وقال لأبيه..  اتصل بي ريثما تريد العودة..  عاد الشاب..  بينما صعد والده مع الجار الجديد الي الدور الرابع.. وكان بانتظاره الرجل القعيد..  فلما رآه  الرجل أقسم عليه أن يدخل مع صديقه..  وكانوا أهل ضيافة وكرم..  فأكل الجار الجديد طعامهما..  وشرب رقيق الماء من أيديهما..  لكن خبيث النفس لا يرعي للبيت حرمة..  فكان كالحرباء يتلون..  وعينه تقطر شراً..  فرأي في رحباء البيت فتاة يتساقط شهدها..  تملأ البيت شباباً ونضرة..  ورأي أخاها فتياً يافعاً..  وهنا تمثل الشيطان به..  وتغير لون عينيه..  ونبتت في جبهته قرون إبليس..  فأدرك خطته..  وأحكم صنعته..  وبعد أيام قليلة..  تَحَيَّن الفرصة..  وخاطب أخو الفتاة ونفث فيه من سُمِّه. وقال..  ما يحملكم علي صداقة جاركم هذا وولده..  وهم ليسوا من ديننا ولا من جلدتنا..  قال أخو الفتاة ..  إنه صديق والدي منذ القِدم..  وما وجدنا عليهم سوءاً.. قال الجار الخبيث.. لأنك طيب ولا تفهم شيئاً.. هؤلاء ليس في قلوبهم إلا نار الكُره لنا.. والحقد علينا..  ثم نظر الي الفتاة الجالسة في آخر الردهة.. وقال بنظرة لئيمة..  كما أن هناك موانع أخري لهذه الصداقة..  لا أريد الحديث عنها.. فقال أخو الفتاة وقد تملكه القلق..  ماذا تقصد.. قال الخبيث.. لا أريد أن أوضح أكثر من ذلك..  قال أخو الفتاة..  بل أفصح ألست تقول أنك مني وأنا منك... أرجوك تكلم.. فأرسل الخبيث  مقلتيه الكاذبتين يميناً وشمالاً ثم قال بصوت منخفض..  إن ولده يشاغل أختك..  قال الفتي غاضبا ماذا؟... قال لقد لاحظت ذلك في كل مرة يأتي فيها ليأخذ أباه..  حتي أني تطوعت لإحضار والده علي مضض.

 حتي لا أدع له فرصة يشاغلها..  وتأكد لي ذلك حين غضب مني لإصراري علي توصيل والده.. تلون وجه الفتي وقال..  كيف يشاغلها..  قال رأيته يشير إليها وتشير إليه.. وأكثر من مرة أراهما يتحاوران بالاشارة من النوافذ..  ووجدتهما معاً يسيران عند أطراف المدينة..  فصاح الفتي وتأججت نيران غضبه ونادي الي جاره العجوز وولده..  وأخرج صوته الجيران..  يتساءلون ما الأمر فقال أخو الفتاة ..  هذا الخبيث يقول إن ولدك يشاغل أختي ويشير اليها وتشير اليه في البيت وعبر النوافذ..  ولا يعلم القذر..  أنها كفيفة العين لا تري..  ويقول أنه رآهما معاً عند أطراف المدينه..  ولا تستطيع أختي المغادرة من دوننا.. فجحظت عين الخبيث..  وامتلأ وجهه بالخزي والتعاسة والعار..  ولم يستطيع الرد.. فلكمه الفتي  بقوة في وجهه وانقض عليه الجيران..  بمختلف دياناتهم حتي نبذوه خارج البلدة..  تصافح الفَتَيان..  وقال أحدهما للآخر.. يبدوا أننا سنرث صداقة أبوينا إلي الأبد.. قال الآخر.. أَجَل يا صديقي غير أن إبليس لن يرضي.