د. رشا سمير تكتب: من يُطفئ النار؟

مقالات الرأي



أول قانون شرعه البشر منذ بدء الخليقة كان هو قانون القصاص.. وأول حادثة وقعت فى تاريخ البشرية كانت هى حادثة قتل قابيل أخاه هابيل.. هل كان الحادث حقا قتلاً مع سبق الإصرار والترصد أم كان مجرد قتل خطأ؟ لا أحد يعلم حقيقة ما كان فى نفس قابيل حين قتل أخاه حتى اليوم سوى الله سبحانه وتعالى.. فهو لا يعلم ما فى النفوس سواه.

المهم أن النتيجة واحدة.. قتل نفس بغير حق.

فى الأشهر الأخيرة تكررت عدة حوادث أعادتنى إلى تلك الحادثة القديمة وجعلت كلاً منا ينظر للمشهد بقلب زائغ ويقول فى نفسه: وماذا لو كان المجنى عليه ابنى أو ابنتى؟!

لم تقترف «نور» أى ذنب وهى تركب السيارة ومعها أختها فى طريقهما للمنزل فتصدمها سيارة بها شباب أرعن يتسابق بجنون ليقفز من شدة السرعة فوق السيارة لتتوفى نور فى الحال!

لم يكن «كريم» يعلم عندما هرول خوفاً من الكلاب فى منطقة المعادى أنه سيدفع حياته ثمن سقوطه فى حفرة عميقة ناتجة عن إهمال من نسوها ولم يتجرعوا حتى مشقة تغطيتها أو مواراتها فى الظلام الحالك.

لم يحاول «يوسف» أن ينجو بعمره عندما سمع صوت طلقات الرصاص التى أطلقها شابان من باب المجاملة لصديقهما وهو على أعتاب دنيا جديدة فى يوم عرسه.. ولم يباليا لو كانت تلك الطلقات هى سبب خروج يوسف من الدنيا.

أعادتنى تلك الحوادث إلى حادث ليس ببعيد وهو حادث الأم التى فقدت واحدة من ابنتيها جراء اصطدام تريللا مسرعة بسيارتها، وأقامت الأم الدنيا ولم تقعدها وحلت ضيفة على كل البرامج وهى فى حالة مذرية تطالب بالقصاص.. تعاطف الإعلام وغضب المشاهدين وتصورنا أن الإعدام سوف يكون من نصيب قائد التريللا.. ولكن كعادتنا فى مصر قامت الدنيا ثم نامت بعدما اتجهت الأنظار إلى فرقعة إعلامية جديدة.. ومازالت الأم الملكومة تصارع الوحدة والفقد والندم.. ولا حياة لمن تنادى.

مازلت لا أفهم لماذا لا يطبق القانون فى مصر بمنتهى الحزم منعا للمزيد من إراقة الدماء.. فالسيارات التى يتسابق بها الشباب فى الطرقات يجب أن تُضبط ويحاسب أصحابها حتى لو كانوا أبناء الناس الكبار.. ومازلت لا أفهم أو أتصور كيف يُحيى أهل العريس وأصدقاؤه الفرح بإطلاق أعيرة نارية فى الهواء غير مبالين بأرواح الناس، وكيف لمجرد وجود رخصة سلاح مع أى شخص تتيح له الرعونة وعدم المبالاة بل وتحميه من تطبيق القانون.. إلى متى تنتظر الدولة لتصدر قانونا يُجرم بالحبس كل من يستخدم سلاحه بغير وجه حق.. وكيف يسمح ضمير أب خصوصا لو كان برلمانياً بأن يساعد نجله على الهروب من فعل تسبب فى ضياع حياة طفل آخر تحت مسمى حمايته؟!

متى ستتم معاقبة كل مسئول ترك حفرة عميقة دون أن يؤمن عدم سقوط شخص فيها لمجرد الكسل والإهمال؟

حين أنظر للأمر من وجهة نظر أهل المجنى عليهم يتمزق قلبى ألماً على كل أسرة فقدت ابنها أو ابنتها وانطفأت شمعة الأمل فى قلوبهما بلا ذنب.

أضم صوتى إلى صوت كل أم كتبت بحُرقة على مواقع التواصل الاجتماعى أو وجهت كلمة استجداء إلى السيد رئيس الجمهورية.. القصاص سيدى الرئيس.. القصاص.

القصاص لن يكون سوى بتفعيل القانون وبخلق دولة قوية تعاقب الفاعل الأرعن.. اللهم إلا لو كان حقاً الحادث حقاً قضاء وقدر، فهذا له شأن آخر.

أتمنى أن يتبنى البرلمان قانوناً لمعاقبة المستهترين بأرواح البشر، بمنع استخدام السلاح فى الأفراح.. وإعدام مرتكبى حوادث الطرق السريعة خصوصا لو ثبت تعاطيهم المخدرات ومنع سير النقل الثقيل إلا فى أوقات وطرق معينة.. كما أتمنى أن يصدر قانون بإنارة الشوارع حالكة الظلام وتحسين حالة الطرق والأرصفة وهى مسئولية المحافظة بالمناسبة.

أتمنى على البرلمان بدلا من مشاريع القوانين البلهاء التى يتبناها من إثبات العذرية والفحولة ومنع تسمية المواليد بأسماء أجنبية! أن يعمل النواب ولو لمرة من أجل قانون واحد لخدمة الشعب.. فالشعب يا سادة هو من انتخبكم ورفعكم إلى تلك المكانة.

القصاص الحقيقى لن يكون بتشريع القوانين ولكن بتطبيقها.. وأعنى هنا التطبيق الحازم الرادع.. التطبيق الذى من شأنه أن يُطفئ النار التى مازالت مشتعلة فى قلوب هؤلاء ممن فقدوا أبناءهم.