محمد مسعود يكتب: "نزوات المصريين".. من واحة الغروب إلى رمضان كريم

مقالات الرأي



ارتباك المشاهد بين كم الأعمال المعروضة فى رمضان أشبه بمن يسافر بلا هدف أو سبيل، تائها فى موقف للسيارات الأجرة التى تتخطف الزبائن من بعضها البعض وكل سيارة عليها اسم مسلسل ومساعد السائق ينادى «واحد كفر دلهاب»،.. «واحة الغروب، واحة الغروب»، «حد طالع كلبش»، أعمال كثيرة ومشاهدون قلائل، لذا فلا بد أن يكون لتجار الدراما عوامل جذب للحصول على نسبة مشاهدة، وإعلانات تسمح لهم باستمرار تجارتهم الدرامية.

فمرة يعتمدون على الجريمة، ومرة على العنف، وأخرى على العرى والرقصات والإفيهات الرخيصة، وكوميديا اللالا لاند، وريح المدام وخلصانة بشياكة.

عفوا، قد يتساءل أحدكم عن لفظ «تجار» هل هناك تجار بالفعل فى سوق الدراما المصرية، نعم، هناك تجار، ودخلاء وأصحاب علب ليل وبيزنس وتمويلات مشبوهة، سوق الدراما به الكثير، لا مجال للخوض فيه حاليا.

وغالبا لم يخل مسلسل واحد مما قدمته جهات الإنتاج لعام 2017 من زلات ونزوات المصريين.. لكن وسط هذا الزخم يبقى هناك بعض الأعمال ربما لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة قدمت المجتمع بصورة طبيعية، بطبقاته المختلفة مثل «كلبش» لأمير كرارة و«لأعلى سعر» لنيللى كريم، و«ظل الرئيس» لياسر جلال.. علاوة على أهم مسلسلين فى الموسم الحالى، «رمضان كريم» لسامح عبدالعزيز، و«واحة الغروب» لكاملة أبوذكرى.


1- الأشرار يصنعون الدراما

مؤخرا اعترضت الرقابة على المصنفات الفنية على أحد المسلسلات ورفضت إجازته بحجة أن شخصيات العمل غير سوية، أو بمعنى أدق، شريرة، وليس هناك من يعادلها من الشخصيات الخيرة القليلة أمامها، فقام المخرج الدكتور فى معهد السينما قائلا لمسئولى الرقابة: «يبدو أن هناك خللا ما فى تفكيركم.. لأن هناك قاعدة أنتم لا تعرفونها وربما لن تجتهدوا فى معرفتها أو حتى السماع عنها».

ظل الجميع يترقب القاعدة الدرامية التى سيقولها المخرج الأكاديمى، هناك من اعتدل فى جلسته متحفزا للرد، وآخرون بقوا منتبهين لكلماته التى جاءت بعد فترة من الصمت، قال المخرج بمنتهى الهدوء: «إن الطيبين يدخلون الجنة، أما الأشرار فيصنعون الدراما».

وبعيدا عن النظريات الأكاديمية فى معاهد السينما والفنون المسرحية، فإن الدراما تولد من رحم المجتمع، قد تعالج أزمة يسن لها قانون مثل مسح السابقة الأولى بعد فيلم «جعلونى مجرما» للراحل القدير فريد شوقى، وقد تضع يدها على مشكلات بعينها مثلما يناقش أحمد رزق أزمة المستشفيات الحكومية وكيف يهان بها المواطن فى مسلسله الجديد «إزى الصحة» الذى كتبه يوسف معاطى وأخرجه إبراهيم فخر لحساب المنتج هشام شعبان.

وربما يعود بنا العمل إلى الوراء لرصد التاريخ المصرى مثل «واحة الغروب» لمريم نعوم وكاملة أبو ذكرى والمنتج جمال العدل، وربما يتجاوز ذلك ليصبح عملا وثائقيا كالذى يقدمه سامح عبدالعزيز والمؤلف أحمد عبدالله والمنتج أحمد السبكى بعنوان «رمضان كريم».


2- رمضان كريم

فى تجربتهما التليفزيونية الثالثة يقدم الثنائى سامح عبدالعزيز وأحمد عبدالله، مسلسلهما الجديد «رمضان كريم»، بعد تعاونهما فى مسلسلى «الحارة»، و«بين السرايات» على التوالى، ويبدو أن حلبة المنافسة فى الموسم الرمضانى الجديد سارت فى ناحية، وقرر سامح عبدالعزيز وأحمد عبد الله السير عكس التيار، وخرجا بمحض إرادتهما الكاملة عن منافسة مسلسلات بعضها مقتبس، وبعضها اهتم صناعها بالصورة دون المحتوى.

وأن يقدما هذا العام مسلسلا يرصد الواقع المصرى بالتفصيل، من خلال العادات والتقاليد وزلات ونزوات، وجشع ورضا وطمع الشخصيات المختلفة، لذا يمكن أن تصفه بضمير مستريح بأنه عمل وثائقى.

والحقيقة أن «العبابدة» عبدالعزيز وعبدالله، كونا ثنائيا، يمكن أن تصفه بعلامة جودة لأى منتج فنى، فأيهما أو كلاهما كفيل بتقديم عمل بمثابة «إقرار للواقع».

والجديد هذا العام، ليس جديدا على سامح وأحمد، فهما الوحيدان فى مصر اللذان أعادا دور البطولة فى الأعمال التليفزيونية للسيناريو الجيد والإخراج الرائع، فهما البطلان المطلقان فى أعمالهما، مع الوضع فى الاعتبار عنصر «التمثيل»، فسامح لديه موهبة اختيار «الكاستينج».

فى مسلسل «رمضان كريم»، ترى «رمضان»، أو سيد رجب، الموظف، الذى لم يزل يحافظ على عادات أسرته فى الإمساك بالطبلة لإيقاظ أهالى المنطقة لتناول وجبة السحور، رغم اختلاف الزمن ورغم أن كل أهالى المنطقة مستيقظون بالفعل، لكنها عادة أو ربما هو السلوك الوحيد الذى يشعره بالسعادة، وسط أسرة مليئة بالمشاكل، جعلته يعانى من أزمات متكررة ولعل أكثرهم على مستوى الأزمات شخصية «سناء» التى تقدمها روبى.

سناء مثال للفتاة المصرية المشتتة بين أحلامها الوردية وواقعها السخيف، لم تختر أن تكون ابنة مسحراتى، ولم تختر حالة الفقر، فاختارت أن تهرب من واقعها وعالمها بالتمرد والرفض والكذب.

والابنة الثانية هى الموهوبة الناضجة ريهام عبدالغفور التى تقدم شخصية «رضا» وهى اسما على مسمى، لا حلم ولا مستقبل، حالة من الثبات والرضى بالمكتوب، موظفة بالمرور، تنتظر زواجها من خميس» الخسيس» الذى يقدمه صبرى فواز باقتدار وتمكن شديدين.

«كريم» الشخصية التى يقدمها الفنان محمود الجندى، تشعر أنها مكتومة، لا ندرى بفعل الدراما، أم بفعل حالة الجندى كممثل، وهو أب لشاب سائق تاكسى «جمال» ينصب على الجميع، أما ابنه الأكبر «يوسف» أو شريف سلامة، حارس الكومبوند، فيقصد به هنا حارس جنة سكانه، مشتتا بين حب ابنة عمه سناء، وحب احدى ساكنات الكومبوند، فهكذا الحرس دائما حائرون، يرفضون الدخول يخشون الرحيل.


3- واحة الغروب

بعد النجاح المدوى لمسلسل «ليالى الحلمية» اختلف الكاتب الكبير عميد الأدب التليفزيونى الراحل أسامة أنور عكاشة مع المخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ، وكان الخلاف نتيجة لوقيعة أحدثها البعض بينهما، قيل للكاتب إن المخرج ينسب لنفسه نجاح الأعمال، وقيل للمخرج أن المؤلف يقول لولاه ما كان النجاح.

بات كل منهما فى قرارة نفسه يشعر بظلم الآخر، إسماعيل يشعر أن أسامة يظلمه، وأسامة يشعر أن إسماعيل هو الظالم، وابتعدا لفترة قبل أن يعودا من جديد، كانت الخسارة فى هذه الفترة حرمان الفن المصرى والجمهور من أعمال مشتركة بين أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ.

والحقيقة أن المخرج هو العنصر الأهم للعمل الفنى سينمائيا ويكون هو الأب الروحى للعمل، لكن فى العمل التليفزيونى فإن الأب الشرعى للمسلسل هو الكاتب، وعند تحويل رواية صعبة إلى عمل تليفزيونى، عليك أن تسند كتابة السيناريو إلى كاتب موهوب، وهو ما حدث بالفعل عند تعاقد الشركة المنتجة للمسلسل مع مريم نعوم، وبعد خلافات بين مريم وكاملة أبوذكرى انسحبت على أثرها مريم من أحداث العمل واكتفت كاملة بـ15 حلقة فقط كتبتها مريم، وأسندت كتابة الحلقات الباقية لهالة الزغندى.

كاملة.. من أفضل وأهم المخرجات المصريات، إن لم تكن بالفعل هى مخرجة مصر الأولى حاليا، لكن عليها أن تعلم أن النجاح عمل جماعى، وأن لمريم نعوم نصيبا كبيرا فى نجاحها المتراكم من أعمالهما المشتركة.

أما عن مسلسل «واحة الغروب» فهو أحد أهم الأعمال فى رمضان الحالى، ليس لقدرة كاملة الإخراجية، أو لمكانة مريم كسيناريست، فكلتاهما لديها أخطاؤها فى الإيقاع البطىء جدا للعمل، ولكن لأن جهة الإنتاج نجحت بأن تعود بنا إلى زمن لم نره سينمائيا أو تليفزيونيا من قبل، فى رواية رصدت تاريخ مصر وكيف تحول الثوار إلى خونة، وكيف هدم البطل المعبد الذى يمثل الماضى فى النهاية.

حالة منة شلبى، ترشحها للفوز بأفضل ممثلة هذا العام، أما خالد النبوى فكان كالعادة ممثلا رائعا.