المفتي: "الدستورية العليا" تلغي أي قانون يخالف المادة الثانية من الدستور

أخبار مصر

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام - أرشيفية


أكد  مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، في حواره على قناة الناس في برنامج "مع المفتي" إلى أن التجربة المصرية في مجال تطبيق الشريعة ثرية؛ لأن التطبيق القضائي يواكبه تمامًا النظرُ الفقهي أو البحثُ الفقهي من قِبل رجال القانون ورجال الشريعة في هذا الصدد، وقد علَّل فضيلته ذلك بتعاون الكل وامتلاكهم الأفكار والأطروحات المختلفة التي يمكن تطوير العمل الإجرائي من خلالها.


وأوضح المفتي أن هذه الإجراءات التي يتم من خلالها اقتضاء حق الدولة في العقاب أو أخذ هذا الحق يمثل إعادةً للتوازن مرة ثانية للمجتمع في ظل الخلل الذي حصل له بسبب الجرائم التي ارْتُكبتْ.

وأضاف  المفتي أن هذه الإجراءات في الحقيقة هي المحك الحقيقي للحرية الفردية للإنسان، وأن الأصل براءة الذمة وليس للقاضي أن يطبق على المتهم أي عقوبة من العقوبات إلا بدليل يرفع هذا الأصل ويشغل الذمة.

ونبَّه مفتي الجمهورية على أننا كلما ارتقينا وأمعنا النظر وبحثنا مرة بعد أخرى في هذه الإجراءات؛ وصلنا لدرجة عالية من تحقيق العدالة.

ودلَّل مفتي الجمهورية على أحد هذه الإجراءات، وهو إجراء كان ضاربًا في أعماق القانون الإجرائي المصري والمتمثِّل في قضايا الإعدام، وهي أخطر العقوبات التي يمكن أن تلحق بالإنسان.

 وأضاف  المفتي قائلًا: إن التشريع المصري منذ القدم، أي منذ وجود النص القانوني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تقريبًا، ومرورًا بالتجربة المصرية إلى الآن؛ نجد أن هذه العقوبة قد أُحيطت بضمانات كثيرة جدًّا لم نعهدها في أي قانون آخر قد يكون قد أتى بضمانات كما في القانون المصري، ومن هذه الضمانات مرورها بدرجات تقاضٍ عديدة، وفى كل درجة نلحظ تقنينَ طعن النيابة العامة على الحكم، هذا فضلًا عن رأي مفتي الديار المصرية، وهو الرأي الشرعي الذي يعد ضمانة واطمئنانًا بأن هذا الحكم الذي أنزله القاضي بالمتهم هو موافق للشريعة الإسلامية، حتى وإن كان هذا الرأي غير ملزم فإنه يعطي اطمئنانًا وسكينة لقلب المجتمع والقضاء.


ومن هنا فإننا نقول في رسالة واضحة بأن هذه الضمانات الكبيرة التي أحاط بها القانون هذه العقوبةَ إنما تنزل إلى أرض الواقع في تطبيق النص من خلال قضاة عندهم الخبرة والذكاء والفطنة والتمرس والتجربة القديرة في العمل القضائي، ويأتي رأي المفتي ليعطي الرأي الشرعي في المسألة كما سبق فنكون أمام ضمانة أخرى بعقوبة الإعدام، فيكون ما انتهى إليه القاضي موافقًا للشريعة.


 كما نبَّه المفتي على أن عقوبة الإعدام إنما تكون لمجموعة من الجرائم في القانون المصري، فتكون عقوبةً لجريمة القتل العمد أي العدوان بتعبير العلماء، وتكون كذلك لجريمة الإفساد في الأرض أو جرائم الحرابة أو قد تكون عقوبةً لجرائم شديدة تؤدي إلى خلل في أمن الدولة أو في الأمن المجتمعي، فيرى ولي الأمر أن يطبِّق فيها عقوبات تعزيرية تصل إلى حد القتل، وذلك في قضايا المخدرات وخطف الأطفال واغتصابهم، فنقول: إن الذي انتهى إليه القاضي في هذه المسألة له ما يسنده من ناحية الشرع الشريف، فالقاضي يطمئن في هذه الحالة والمجتمع يطمئن كذلك.


وعلى كل حال نحن أمام تجربة ثرية في التجربة المصرية متمثلة في التطبيق القضائي للنصوص القانونية، ويواكب ذلك نظر فقهي يتمثل في أبحاث لا حصر لها داخل كليات الشريعة وكليات الحقوق وفي المراكز البحثية المعنية بهذا الأمر، وكلها تؤدي إلى إيجاد تطور حقيقي لقانون الإجراءات الجنائية أو قانون المرافعات، أو العمل الإجرائي المصري على وجه العموم.


وعن بعض الأبحاث المتعلقة بقانون العقوبات أو الإجراءات الجنائية الموجودة في كليات الحقوق والشريعة الآن قال مفتي الجمهورية: العقل القانوني المصري هو عقل مبتكر مواكب للتطور المجتمعي، باحث عن كل سبيل يحقق العدالة في أسرع وقت مع عدم الإخلال بالضمانات التي تتعلق بالدعوى وأطرافها، ومن ذلك البحث في مسألة بدائل الدعوة الجنائية، وقد تبناها المؤتمر الذي عقد في أواخر القرن العشرين، وكان بعنوان "بدائل الدعوة الجنائية" وكان معنيًّا بإيجاد حلٍّ لهذا الكم المزدحم من القضايا الجنائية؛ لأن القاضي قد ينتهي إلى الحكم ببراءة المتهم، ويرى أنه لو كان تم اتخاذ إجراء معين في هذا الأمر لكان فيه تخفيف كبير عن القضاء.

وأشار فضيلته إلى أن المؤتمر تطرق وقتها لسؤال ضروري، وهو: لماذا لا نعرض بدائل للدعوى الجنائية؟

فمن خلال العمل الذي تجريه النيابة العامة قبل الإحالة إلى المحاكمة قد ترى حفظ الأوراق أو الأمر لأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية؛ فبعد وصول محضر الشرطة إلى النيابة العامة قد تصدر أمرًا بحفظ الأوراق إذا لم تجد أن الأمر يحتاج إلى تحقيق، وإذا ما أجرت تحقيقًا ورأت عدم الإحالة إلى المحاكمة بناءً على أسباب قانونية فإنها تصدر أمرًا يرى بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، بمعنى الاكتفاء بالتحقيق الابتدائي.


وشدَّد المفتي على أنه يريد أن يبرهن على أن العقل الفقهي القانوني الشرعي المصري هو عقل آخذ في التطور من قديم الزمان إلى الآن، وهو مواكب لحاجات العصر مراعٍ للمسائل التي يلزم فيها إعادة النظر مرة بعد أخرى، وهذا هو ما استقر عليه فكر فقهاء المسلمين من قديم الزمان.


ودلَّل المفتي على ذلك  بأن تطور العمل القضائي من التوثيقات وكيفية نظر الدعوى في الأندلس وهو خاضع للبيئة بطبيعة الحال يختلف كثيرًا عن شبه الجزيرة العربية أو في بقية البلدان؛ لأن الإجراءات متطورة ومرنة، وذلك ما ينبغي أن يكون.


ونبَّه فضيلته على أننا نريد أن نصل إلى عدالة حقيقية وناجزة بإجراءات تتواكب مع تطور الزمن ومع تطور الإنسان.

كما شدد مفتي الجمهورية على أن الضمانة الثالثة وهي تفسير النص القانوني والرقابة عليه تعد من أهم الضمانات.

وأشار  المفتي إلى أهمية ذلك قائلًا: بعد تلك المرحلة من العمل القضائي ومن خلال شخصية القاضي والإجراءات الموضوعة أمامه لتطبيق النص القانوني تطبيقًا صحيحًا على أرض الواقع، أو في الواقع المحدد كما في القضية المحددة المعروضة عليه، نجد أننا أمام سلطة تقديرية للقاضي وأمام عمل ذهني لإنزال هذا النص على أرض الواقع حيث يفسره بثقافته القانونية وبخبرته القانونية.

 وأضاف المفتي: ولنا أن نتساءل: هل هذا التفسير تفسير صحيح لنص القانون أم تفسير جانبه الصواب؟
لا شك أن الكلمة في التفسير تكون لمحكمة النقض في رقابتها على العمل القضائي على وجه العموم.

ومحكمة النقض المصرية محكمة رائدة في هذا الشأن، إذ إنها محط الخبرة القانونية وأكابر القضاة موجودون فيها، وبناءً على ذلك فهي المصفاة النهائية التي يمكن من خلالها أن نطمئن إلى أن العمل القضائي في الدولة بكامله يسير في منظومة الأهداف الموضوعة للنص القانوني.

وأضاف المفتي: وعند نظر الدعوى في العمل القضائي في مراحله المتعددة، سواء في القضاء المدني أو الإداري أو الجنائي أو في الأحوال الشخصية، يحقق الواقع والواقعة التي أمامه، وينزل هذا النص القانوني على هذه الواقعة المعروضة أمامه، وعليه أن يعطي من البراهين أو ما يعرف بالحيثيات التي أدت إلى الحكم سواءً بالإدانة أو البراءة أو إثبات الملكية أو حق الموظف العام أو إلغاء القرار الإداري وغيره، ولا يستطيع أن يصل إلى الحكم إلا باستخدام المنظومة القضائية.

وعن الدور الرقابي لمحكمة النقض والإدارية العليا أوضح فضيلته ذلك قائلًا: ومحكمة النقض أو الإدارية العليا تراقب هذا التفسير والتطبيق، وأمام هذه الخبرة المصرية في هذا المجال فإنها تعطي اطمئنانًا بأن العمل القضائي يسير سيرًا صحيحًا نحو تحقيق العدالة في كافة أوجهها.

ثم يأتي إلى جانب هذا الاطمئنان والتطبيق الصحيح حقيقة أن هذا القانون ليس مخالفًا للشريعة الإسلامية في مجمله، وأن الفقه الإسلامي حاضر فيه.

وأضاف المفتي أن هناك سلطةً أخرى تراقب موقف القانون من نصوص الدستور المصري وتعمل على عدم مخالفته له، وبصفة خاصة في المادة الثانية منه التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وذلك من خلال المحكمة الدستورية العليا، ورقابتها تأتي من خلال إحالة الأمر إليها من القضاء وهو بصدد نظره للدعوى، في حالة تضرر أحد أطراف الخصومة من القانون لكونه مخالفًا للشريعة أو للمادة الثانية من الدستور، وإذا ظهرت جدية هذا العرض في هذا الدفع الذي انتهى إليه هذا الخصم؛ فإن المحكمة تحيل هذا الأمر للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية القانون الحاكم لموضوع الدعوى المعروضة.

 وأشار مفتي الجمهورية في النهاية إلى أننا أمام تجربة مصرية رائدة في تطبيق النص القانوني في مراحل عديدة، ننتهي من خلالها إلى حصول الاطمئنان إلى تطبيق النصوص على وجهها المقصود والمحقق للعدالة في الدعاوى المنظورة أمام القضاء.