أحمد فايق يحقق من أمريكا وألمانيا: الثورة الصناعية الرابعة

مقالات الرأي



■ سيارات ذاتية القيادة وبار كود بدلا من البطاقة الشخصية وكمبيوتر يجرى ٨٠ تريليون عملية فى الثانية الواحدة  
إذا جلست ساعة على السوشيال ميديا المصرية لوضعت تصورا قاطعا بأن الثورة بدأت فى الولايات المتحدة الأمريكية، كنت أتجول فى شوارع بوسطن باحثا مع فريق عمل «مصر تستطيع» عن بطاريات للكاميرات، المئات يتظاهرون منددين بترامب الذى فاز فى الانتخابات الرئاسية، بوسطن هى معقل العلم والطبقة الراقية فى أمريكا، فيها جامعة هارفارد الجامعة الأولى فى العالم، والتى تتخطى ميزانيتها قناة السويس، فيها جامعة إم آى تى معقل الهندسة فى العالم، ومن الطبيعى أن يكون أهل بوسطن رافضين لرئيس مثل ترامب، كانت مسيرة عادية لا يتجاوز المشاركون فيها ١٠ آلاف، تجولت بداخلها وفى يدى الهاتف المحمول الذى يتابع أخبار نفس المسيرة من على الفيس بوك وتويتر، ثورة فى بوسطن مليون متظاهر يطالبون بسقوط ترامب، إعلان حالة التأهب القصوى ونزول قوات الجيش والشرطة إلى الشارع، إصابة العشرات من معارضى ترامب، كنت أنظر إلى الهاتف المحمول فى هذا العالم الافتراضى وإلى الواقع الذى أشاهده بعينى عكس ذلك تماما، الغريب أننى صدقت ما كتب فى السوشيال ميديا وظللت أبحث عن الإصابات داخل المسيرة ولم  أجدها بالطبع. 

استغرقت الرحلة فى الولايات المتحدة الأمريكية ثلاثة أسابيع زرت فيها ولايات نيويورك وواشنطن ونورث كارولينا وبوسطن، كان سهلا أن أذهب بالكاميرا إلى البيت الأبيض والتصوير هناك دون أية تصريحات، كان من السهل أن أذهب إلى مجلس الشيوخ والتصوير هناك، لكن لم يكن من السهل أن يسمح لى بالتصوير مثلا فى مركز البحوث الطبية الأمريكية nih  إلا بموافقة وزير الصحة الأمريكى شخصيا وبحضور مندوبة علاقات عامة ومعها مترجمة عراقية تترجم لها كل حرف نقوله أمام الكاميرا، ساعدنى فى هذا التصريح العالم المصرى أشرف الفقى استشارى الأبحاث الإكلينيكية، هناك دخلت إلى إحدى القاعات وقاموس بوضع جهاز فوق رأسى يقرأ الحركة وعلاقة كل حركة فى جسدى بالإشارات التى تخرج من المخ، هذا الجهاز يساهم فى وضع بروتوكول علاجى للمصابين بأمراض لها علاقة بالحركة سواء الشلل أو العلاج الطبيعى، هو ثورة فى هذا المجال، فى داخل هذا المكان وجدت مئات من الأبحاث السرية على هذه الطريقة، أبحاث يعمل عليها علماء ويبيعونها لنا بملايين الدولارات. 

فى مستشفى جوسلين التابع لجامعة هارفاد ليس مسموحا سوى للباحثين فقط دخول الطابق الأخير لأنه مخزن أسرار أمراض السكر فى العالم كله، أبحاث تصرف عليها أمريكا ملايين الدولارات ويحصدون من ورائها المليارات. 

كل ماشاهدته يطلقون عليه الآن فى العالم كله الثورة الصناعية الرابعة، فالثورة الصناعية الثالثة كانت دخول الكمبيوتر والإنترنت إلى حياتنا، الآن الإنترنت والاتصال الذكى سيتحكمان فى كل شىء فى حياتنا، هل تعلم مثلا أن مصنع فورد للسيارات فى مدينة ويندسور الأمريكية لا يوجد فيه اضاءة، لأن العمالة كلها إنسان آلى وبالتالى لا يحتاج إلى نور كى يرى ماذا يفعل ٠٠٠! 

الإنترنت فى كل شىء عالم ساحر وغريب سيحولنا إلى إنسان آلى يتحرك وفقا لمنظومة شديدة التعقيد، الساعة التى ترتديها ستكون مسئولة عنك صحيا وستقيس نبضات قلبك والضغط وقريبا السكر، ثم سترسل إشارات إلى طبيبك الخاص كى يتابع حالتك الصحية ويحذرك من أى خطر قادم. 

قريبا فى العالم سيتم الاستغناء عن البطاقة الشخصية وسيتم استبدالها بـ بار كود مطبوع على اليد حينما تراه نظارة ضابط الشرطة تظهر أمامه بياناتك بالكامل من الدراسة وحتى رخصة المرور. 

الآن بدأت الأجيال الجديدة من السيارات ذاتية القيادة، أى لن تقود بنفسك سيارتك ويتولاها الإنسان الآلى، وهذا يقلل بل تقريبا يعدم نسبة المخاطر، ففى كل شارع يتم وضع أدوات استشعار على جانبى الحارة المرورية حتى لا تخرج السيارة عنها، وأدوات الاستشعار مرتبطة بالكمبيوتر، والسيارة مرتبطة بالقمر الصناعى حتى تتجنب الزحام. 

الغالبية الكبرى من سيارات الديلفيرى الصغيرة فى المانيا تعمل بالطاقة الكهربائية ويكفى شحن بطارية السيارة كى تسير ١٥٠ كيلومترا وهذا وحده كفيل بتوفير الطاقة وفى نفس الوقت الحفاظ على البيئة من التلوث. 

تطمح المانيا فى خلال ١٠ سنوات إلى الاستغناء التام عن الغاز والبترول كمصادر طاقة وتعويضها بمصادر طاقة متجددة مانعرفه منها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وما لا نعرفه هى استغلال الطاقة المنبعثة من باطن الأرض، حيث من المؤكد علميا أن هناك طبقة من الحمم البركانية فى باطن الأرض وعلى عمق آلاف الكيلومترات. 

الطائرات ستكون ذاتية القيادة أكثر وهذا يرفع من معدلات الأمان، حتى البنايات الجديدة سيكون لكل بناية باركود من خلاله نعرف تاريخها وقوة تحملها. 

فى مركز السوبر كمبيوتر بجامعة جورج واشنطن قابلت د. طارق الغزاوى مدير المركز وهو مبتكر السوفت وير الخاص بالسوبر كمبيوتر، قال لى: إن الصينيين جاءوا إلى أمريكا كى يتعلمون السوبر كمبيوتر من عشرات السنوات، الآن الصين لديها أكبر سوبر كمبيوتر فى العالم وهو يستطيع إجراء ٨٠ تريليون عملية فى الثانية الواحدة. 

هذا يعنى أن السوبر كمبيوتر يستطيع فى ثوان معدودة أن يعرف توجهات الرأى العام فى السوشيال ميديا، ويستطيع بالطبع أن يكشف اللجان الإلكترونية الممولة من خلال تكرار بعض العبارات، هذا استخدام واحد من آلاف الاستخدامات لهذا الجهاز العجيب. 

قديما كان يتم بناء طائرة بالكامل داخل المعمل أو نموذج منها ويتم عمل اختبارات لها تحاكى الواقع، السوبر كمبيوتر الآن وفر كل هذه التكاليف، فقد أصبح جهازا قادرًا على إجراء تريليونات العمليات الحسابية فى نفس الثانية أن يبنى هذه الطائرة أو سفينة الفضاء أو الصاروخ أو الدبابة أو السيارة من خلال برامج سوفت وير ويتم عمل كل الاختبارات الكاملة لها دون دفع دولار واحد، وبنائها بعد ذلك فى الطبيعة وفق حسابات السوبر كمبيوتر. 

فى جامعة آخن بالمانيا شاهدت نموذجا آخر من الثورة الصناعية الرابعة مع العالم المصرى د هانى سويلم، حيث دخلنا معمل محاكاة كأننا فى روايات ألف ليلة وليلة، حينما تقرر مثلا شركة أو مؤسسة بناء مجمع سكنى أو بناية جديدة يتم رسم هذا المجمع بطريقة ثلاثية الأبعاد داخل معمل، ويتم عمل زلزال داخل المعمل وأمطار ورياح لقياس مدى تأثر طريقة التصميم ومرونتها بالنسبة لعوامل التأثير الطبيعية والصناعية أيضا، وهذا يبرر لك لماذا لا تنهار العقارات فى المانيا، فهم يعرفون كم عاما ستعيش وحتى يجب عليهم أن يرمموها أو يهدموها، هذا المعمل مثلا يمكن استخدامه فى عمل محاكاة كاملة للسد الإثيوبى وقياس مدى تأثيره على مصر ودوّل حوض النيل. 

هناك الآن صراع بين شركات الساعات والهواتف المحمولة، فبعدما ابتكرت أبل الساعة الديجيتال الخاصة بها شعرت الكثير من شركات الساعات العريقة  بأن مبيعاتهم ستنهار، فعادوا إلى تصميم ساعاتهم بشكلها الكلاسيكى مع إضافة كل مزايا ساعة أبل من خلال اتصال بين الساعة والهاتف المحمول وتحول الهاتف المحمول نفسه إلى ساعة. 

هاتفك المحمول أو ساعتك يعد الآن عدد الخطوات التى تمشيها وعبر جوجل مآب يحدد تحركاتك واتجاهاتها، ويقرأ طبيعة المواقع التى تدخل عليها على الإنترنت، وطبيعة الجمل التى تثير انتباهك، أى أنه أصبح أهم أداة فى تحليل شخصيتك. 

لقد كانت تتجسس أمريكا على المانيا من خلال هواتف أبل وهذا كان سببا فى أن تغير الحكومة الألمانية كل هواتف الوزراء إلى صناعة ألمانية بالكامل ومنع تعامل مسئولى الحكومة بأى هواتف  غير المانية، المسألة ليست تجسسا فقط لكن تجسس وقدرة على تحليل الشخصية أيضا. 

هناك علوم أخرى تطور فيها العالم وتصنع المستقبل منها علم «تخليق المواد» وهو عبارة عن صناعة مواد جديدة مخلقة ليست مثل الحديد أو الصلب أو الألمونيوم، بل على سبيل المثال جناح الطائرة مصنوع من مادة مخلقة وزنه خفيف جدا لكنه أكثر صلابة من الصلب وأكثر قوة من الحديد ومرونة من البلاستيك!

قديما كان الجنود يستخدمون الدشم للوقاية من القنابل، وحماية المنشآت الحيوية من خلال إحاطتها بسور أسمنتى مبطن بالصلب الثقيل، الآن هناك مواد مخلقة بالكامل خفيفة الوزن مثل جناح الطائرة وتستوعب ألف انفجار، هذه المواد يتم تصنيعها فى معامل الأبحاث الأمريكية والكندية.

الجديد أن هذه المواد المخلقة أصبحت تتمتع أيضا بالذكاء الاصطناعى ولديها قدرة على التواصل مع الإنترنت والأقمار الصناعية. 

داخل ولاية تورث كارولينا فى أمريكا الجنة التى تم تصوير فيها فيلم فورست جامب توجد واحدة من أهم وأشهر كليات الغزل والنسيج فى العادلم، والتى تعمل مع نايك للملابس الرياضية وول مارت وأشهر ماركات الملابس فى العالم، داخل هذه الكلية يوجد ٥ علماء مصريين، بينهم د.أحمد الشافعى الذى نجح فى ابتكار قماش يتفاعل مع أشعة الشمس ويولد طاقة تستطيع قريبا شحن الهاتف المحمول، أى أن الثورة الصناعية الرابعة نجحت إلى الآن فى عمل ملابس مقاومة للبكتيريا والحرائق والفيروسات وتولد طاقة كهربائية وقريبا ستتصل بالأقمار الصناعية.