غرائب الصحافة زمان.. الحيوانات والحشرات تتصدر أسماء جرائدنا!

منوعات

الحيوانات والحشرات
الحيوانات والحشرات تتصدر أسماء جرائدنا


تذخر لغتنا العربية بالعديد والكثير من المصطلحات الغنيّة، بحيث إن للمعنى الواحد أكثر من كلمة يمكن التعبير عنها، وفي لغتنا أيضاً كلمات غريبة المعنى، لا يفهم معناها بسهولة، وإذا أردنا أن نفهمها فلا بد من الرجوع إلى القواميس والمعاجم العربية.

ومن ذلك قول عيسى بن عمر النحوي، وقد سقط عن دابته، فاجتمع الناس حوله فقال: (مالكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنة افرنقعوا) فمعنى «تكأكأتم» اجتمعتم ومعنى «افرنقعوا» انصرفوا، وهو يقصد، مالكم اجتمعتم عليّ كاجتماعكم على ذي جنون؟ تنحوا عني.

ومنه أيضاً لفظ (رَخاخ) في قولهم: نحن في رَخاخ من العيش، أي في سعة ورغد..

ويقولون أيضاً في الشعر العربي غرائب وعجائب وأحاج، بمعنى هنالك قصائد أو أبيات شعر غريبة في صياغتها، أو في معناها أو أنها تتضمن لغزاً!؟ فيقولون الأبيات العواطل، بمعنى الأبيات الشعرية التي لا نُقط في حروفها إطلاقا، أو الأبيات المُعجمة وهي الأبيات الشعرية التي كل حروفها مُنقـّطة، أو الأبيات المُلمـّعة وهي الأبيات التي صدرها لا نُقط في حروفه وعجزها ذو حروف منقّطة، وهنالك الكثير من الأمثلة الأخرى… ولكن هل يصح القول إن هنالك الغريب في صحافة أيام زمان؟

الغريب في صحافة أيام زمان التسميات التي أطلقت على بعض الجرائد والمجلات، التي لا يمكن أن نقبلها اليوم! فلكل زمان دولة ورجال، ولكل زمان طبيعته وحاله وأحواله!

في ذاك الزمن أطلق أصحاب الشأن منا تسميات عجيبة غريبة على جرائدهم ومجلاتهم، فكان هنالك جريدة «الطبل» و«الخازوق» و«حط بالخرج» و«جراب الكردي»..

كما كان هنالك جرائد كثيرة بأسماء الحيوانات أو الحشرات مثل جريدة النحلة، والثعبان، والغول، وعندليب، والحمارة، والبغلة.. وفي أغلبية جرائد ومجلات أيام زمان كان «الحمار» له موقع الصدارة على صفحات تلك الجرائد!

الحيوانات والحشرات تتصدر أسماء جرائدنا
تصدرت أسماء الحشرات والحيوانات في تلك الأيام أسماء جرائدنا ومجلاتنا، ومن أهم المجلات العربية التي طوتها الأيام وغابت عن صفحات التاريخ كانت مجلة "النحلة" التي صدرت في بيروت والقاهرة ولندن في أعوام متفرقة وفق هجرة صاحبها القس لويس صابونجي، وهو قس وباحث وعارف باللغات، متأدب ومرب، صحفي وشاعر، سياسي وخطيب، فنان ومصور، رحال ومؤرخ، وهو أول كاهن دخل في سلك الصحافة. ولد في المالكية التي تتبع لمحافظة الحسكة.

كانت "النحلة" حسبما ذكر في صفحتها الأولى تصدر مرة كل أسبوعين في عامها الأول، على أن تصبح أسبوعية في السنة المقبلة، وظهر العدد الأول من"النحلة" في لندن عام 1294هـ، 1877م، وتعتبر"النحلة" أول مجلة عربية مصورة تصدر في لندن، في حين صدر العدد الأول منها في بيروت بدءاً من 11 أيار 1870. ويعتبر فيليب دي طرازي "النحلة" أنها: "أول مجلة عربية مصورة" تضمن العدد الأول منها العناوين التالية: مقدمة النحلة، جنى النحلة، نَفَس النحلة، صدور النحلة، شروط الاشتراك، أصول المراسلات واختصاصات المشتركين. وتصدر العدد: «يـا بنـي الأوطـانِ هُبُّوا مالكم – في رقاد عن نجاح واجتهاد-
كما أصدر مصباح شريتح في اللاذقية جريدة بالاسم نفسه "النحلة" في شهر آب من العام 1922م زمن المحتل الفرنسي، وكانت جريدة سياسية انتقادية فكاهية هزلية كما وصفت حالها، وأوقفت هذه الجريدة بموجب الأمر رقم 290 تاريخ 21 لعام 1922 م لنهاية شهر أيلول من العام نفسه لتهجمها على إدارة الريجي، ومن ثم أوقفت في الفترة نفسها لمدة أسبوع آخر للسبب نفسه".

وتعد جريدة "الحمارة" من أهم الصحف الساخرة آنذاك التي صدرت في بلاد الشام زمن المحتل العثماني، وهي صحيفة هزلية سياسية أدبية فكاهية انتقادية مصورة أسسها محمد نجيب جانا (1878– 1941) في بيروت، ونجيب جانا أصدر عدة صحف في القاهرة ودمشق سخرها لحملات متتالية على العثمانيين والاحتلال الإنكليزي والفرنسي كذلك الحكومات الوطنية حين تتخذ المواقف السلبية أيام الاحتلال، لذا تعرضت الصحيفة للمصادرة والإغلاق عدة مرات كما تعرض صاحبها للنفي والاعتقال والسجن، وتوفيق جانا من مواليد فلسطين، درس في عكا، ثم في اسطنبول حيث تخرج مهندساً ونزح إلى مصر بسبب اضطهاد المحتل في بلاد الشام.

جريدة "الحمارة" هزلية سياسية أدبية فكاهية انتقادية مصورة صدرت بتاريخ 17 أيلول عام 1910 وصدرت هذه الصحيفة بعدة أسماء بعد ذلك بسبب إيقافها من السلطات المحتلة فكان اسمها يتغير من الحمارة إلى حمارة بلدنا (في 4 تشرين الثاني 1910)، إلى البغلة (4/7/1913) وحمارة الجبل (18/8/1913)،.. وانتقلت هذه الصحيفة إلى دمشق عام 1919، حين أصدر كل من قاسم الهيماني ونجيب جانا جريدة "الحمارة" وذلك في شهر شباط.
صحيفة الحمارة كانت ترصد معاناة الناس بأسلوب هزلي لاذع، اتخذت شعاراً لها على صفحتها الأولى رسم الحمارة، وكانت تصدر مرتين في الأسبوع بصورة مؤقتة وقد جاءت في أربع صفحات من القطع المتوسط، وكان صاحبها نجيب جانا، ورئيس تحريرها أبو رومية، ومدير الإدارة قاسم الهيماني. وصدرت سلسلة صحيفة الحمارة باسم توفيق جانا أو باسم أخيه نجيب جانا حين يكون توفيق قيد الاعتقال أو المنع من مزاولة المهنة.

وقام محمد صبحي عقدة عام 1913م في مدينة اللاذقية بإصدار جريدة "الحمارة" أيضاً وكان شعارها "حمارة تنتعل في كل قائمة من قوائمها الأربع (بوطاً) وعلى رأسها قبعة ولغتها شبه عامية"، وكانت هذه الجريدة من صفحه واحدة مكتوبة على وجهين.

وفي حلب صدرت بتاريخ 30-7-1926م جريدة "الثعبان" وهي (جريدة أدبية فكاهية انتقادية مصورة عند اللزوم) وكان فؤاد حسني المدرس رئيس تحريرها ومحمد فتحي العوف صاحب امتيازها وشغل منصب مديرها المسؤول، وجاءت في أربع صفحات من القطع المتوسط وصدرت مرة في الأسبوع واستمرت حتى عام 1928، وكانت (الحية) شعارها..

وفي العشرينيات من القرن الماضي صدر في اللاذقية جريدة "الغول" لصاحبها عبد السلام جود التي عطلت إلى أجل غير مسمى في عام 1927م لتهجمها على إحدى الدوائر الحكومية ولأن هذه التهجمات من شأنها تحريض الرأي العام للإخلال بالأمن، حسبما جاء في القرار رقم 318 م تاريخ 29 تموز عام 1927م، كما صدر في الثلاثينيات من القرن الماضي في اللاذقية مجلة تحمل اسم "الغول" وهي «جريدة صغيرة تبحث في التناسل والطب الداخلي وهي تميل للآداب كميل الثعلب للعنقود.

وأصدر أيضاً مصطفى رشواني بحلب يوم 16/9/1911م جريدة باسم الغول، وقد ورد في كتاب الصحافة في اللاذقية لهاشم عثمان أن هنالك جريدة "الغول" كانت تصدر في اللاذقية في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي.
وفي عام 1947م صدر بدمشق مجلة "العندليب" وهي مجلة مدرسية شهرية للأطفال رئيسة تحريرها سعاد مالك والمدير المسؤول جابر عمر وصاحب الامتياز زهير القوادري ومصطفى البحرة.

حكمة الحمار..؟
شهدت فترة نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي قفزة نوعية في الصحافة السورية حيث كانت تصدر المئات من الجرائد والمجلات في كل أنحاء بلاد الشام وانتشر معها فن الكاريكاتير، وكانت جريدة المضحك المبكي لصاحبها حبيب كحالة تجربة سورية نادرة افتقدتها الساحة العربية، ابتدعت المضحك المبكي شخصية كاريكاتيرية ساخرة ناقدة هي الحمار (حكمة الحمار) حيث كانت تعالج قضايا المجتمع من خلال هذه الشخصية.

كما تطرقت خلال مسيرتها الصحفية الغنية للكثير من قصص وحكايا الحمير، وحذت المجلة اللبنانية الصياد في فترة الخمسينيات من القرن الماضي حذو "المضحك المبكي" هي ابتكرت شخصية كاريكاتيرية هي (حمار أفندي) وعن طريق هذا الحمار كانت تنتقد سلبيات المجتمع.

كان الحمار أهم الشخصيات التي يعتمد عليها كحالة في مجلته، وكانت أعداد"المضحك المبكي" دائمة الحديث نقداً بواسطة الحمار عما يدور على الساحة السورية كلاماً أو رسوماً كاريكاتيرية، وغلاف هذه المجلة كان في كثير من الأحيان يتصدره رسم الحمار مع شخصية سياسية، فمثلاً غلاف العدد رقم 178 لعام 1933م يحمل رسماً للشيخ تاج يركب على الحمار وتعليق يقول: "حا يا حماري.. حا تا.. تشوف إن كنا رح نتوفق بهل سفرة لم لا"، وغلاف العدد رقم 185 لعام 1933 يحمل رسماً للحمار يركب عليه حقي العظم ونعمت الشعباني وتعليق يقول: "معلوم بدي اتخانق أنا وإياك ركبناك ورانا مديت يدك على الخرج"، وغلاف العدد رقم 267 لعام 1935 وزير يخطب في عدد من الحمير. 

وتعليق يقول: وزير التجارة والزراعة يخطب في الحمير "روحوا انبسطوا وكيفوا.. من شان خاطركم ما افتكرنا قط برفع سعر الشعير أبداً"، وغلاف العدد 214 لعام 1934 يحمل رسماً لعلي العابد والشيخ تاج يركبان على الحمار والتعليق يقول: محمد علي بك للشيخ تاج "اركب معي قد ما بدك بس ما تمد إيدك عالخرج"، وغلاف العدد رقم 189 لعام 1933م يحمل رسماً للمندوب السامي الفرنسي وأعضاء الوزارة يطبلون ويزمرون أمام المندوب وحماره والتعليق يقول: الوزارة– جبنا المندوب وجينا– مين بيسترجي يعادينا. في حين يتحدث العدد رقم 59 لعام 1930 من مجلة "المضحك المبكي" عن حمارة حسن أفندي، وحمارة حسين آغا، والعدد رقم 181 لعام 1933 يتحدث عن تكريم حمار حسني تللو، على حين العدد رقم 190 لعام 1933 يتحدث عن مؤتمر الحمير.

لم يكتف صاحب المضحك المبكي حبيب كحالة بالحديث عن الحمار واستثمار رسوماته على أغلفة المجلة، بل استثمر شخصية الحمار إلى أبعد الحدود في نقد فساد الدولة والمجتمع والانتداب الفرنسي، برسوم كاريكاتيرية جريئة تناولت كل جوانب الحياة السورية، وابتدع لذلك زاوية ثابتة لشخصية كاريكاتيرية ساخرة ناقدة هي الحمار (حكمة الحمار) حيث كانت تعالج قضايا المجتمع من خلال هذه الشخصية.

كانت صحافة تلك الأيام تتسمى في كثير من الأحيان بأسماء غريبة قد نستهجنها الآن، ولكنها في المحصلة بلغت أعلى المراتب وكانت السلاح الأمضى في تقويم المجتمع والدولة، وحماية الوطن..