قطر تسرق 85 ألف كتاب.. و6 آلاف مخطوطة نادرة

العدد الأسبوعي

مكتبة الإسكندرية
مكتبة الإسكندرية


حاكموا الدوحة بسرقة تراث مصر من مكتبة الإسكندرية


تمكنت الدوحة فى غضون عام 2006 من الاستيلاء على «أجولة كنوز» من مكتبة الإسكندرية، عبارة عن كتب ومخطوطات ووثائق نادرة.

لم تتوقف الإمارة الخليجية الصغيرة عند ذلك الحد، بل عملت جاهدة على استقطاب العاملين المصريين فى هذا المجال، للعمل برواتب مغرية فيما أسمته هيئة متاحف قطر.

فيما حذر الدكتور مصطفى الفقى- مدير مكتبة الإسكندرية- من ذلك قائلا إن هذا أمر يتنافى مع الأخلاق العربية والثقافية.

لم يوضح «الفقي» حقيقة المشروع الثقافى القطرى، وخطورته على مستقبل مكتبة الإسكندرية، كما لم يوضح عدد الموظفين الذين نجحت الدوحة فى استقطابهم، فى ظل ما تملكه «دويلة الخليج» من أموال طائلة، ترصد بعضها بهدف ضرب مصر ثقافيا، ردا على المقاطعة المصرية- الخليجية لها مؤخرا، وبعد أن باتت الدوحة عاصمة للجماعات الإرهابية والمتطرفة حول العالم!

يشير عدد من المصادر إلى أنه فى غضون عام 2006 بدأت قطر تدشين ما يعرف بالمكتبة التراثية، وهى مكتبة تابعة لما يعرف بهيئة متاحف قطر، وتترأس مجلس أمناء المكتبة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثان.

منذ ذلك التاريخ بدأت قطر مسلسل شراء كل ما يخص مصر من وثائق وأرشيفات ومخطوطات نادرة، وكذلك غالبية الدول العربية والأجنبية، بغرض جعل المكتبة واحدة من أهم مكتبات الشرق الأوسط، وتحديدا أهم من مكتبة الإسكندرية، وتضم المكتبة التراثية 85 ألف كتاب باللغة العربية والأجنبية، يرجع تاريخ بعضها إلى أواخر القرن الـ 15، مع بدايات اختراع الطباعة، بالإضافة إلى 600 خريطة تاريخية، و2000 مخطوط نادر.

خلال الفترة من 2007 إلى 2009 نجحت قطر فى استقطاب عدد من شباب العاملين بالمراكز البحثية بمكتبة الإسكندرية، للعمل بمكتبتها التراثية، ومشروعات هيئة متاحف قطر الثقافية المتعددة، وذلك بعروض مالية مغرية، تفوق العائد المادى لعقود مكتبة الإسكندرية، التى يتم تجديدها سنويا، خاصة أنه خلال تلك الفترة، التى سبقت ثورة 25 يناير، لم تكن العلاقات المصرية- القطرية قد وصلت لطريق مسدود.

وشهدت تلك الفترة أيضا التحاق عدد من الأسماء الثقيلة من أساتذة جامعة الإسكندرية، للعمل بقطر، على رأسهم الدكتور عكاشة الدالى، الخبير الأثرى الشهير- نائب رئيس جامعة الإسكندرية وقتها- الذى يعمل حاليا مستشارا لنائب رئيس هيئة متاحف قطر، والدكتور جمال حجر، أستاذ التاريخ الحديث، وعميد كلية آداب الإسكندرية الأسبق، والباحث الدكتور محمد فكرى همام، مساعد مدير مكتبة التراث العربى والإسلامى، بهيئة متاحف قطر، وغيرهم من أعضاء هيئات التدريس، والباحثين بالعديد من جامعات مصر.

وعقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وظهور حركات احتجاجية غاضبة، ضد الدكتور إسماعيل سراج الدين- مدير مكتبة الإسكندرية وقتها- وتقديم عدد من العاملين بالمكتبة بلاغات ضده تتعلق بما وصفوه بالفساد المالى والإدارى، كان قسم المخطوطات الذى ترأسه وقتها الدكتور والمؤرخ يوسف زيدان، أحد أكثر أقسام المكتبة غضبا ضد سياسات «سراج الدين»، وقاد «زيدان» وعدد من الشباب العاملين بالقسم حركة الاحتجاجات بالمكتبة، ويعتبر قسم المخطوطات من الأقسام الحيوية بمكتبة الإسكندرية، ويعد «مرمم الوثائق» به، الأمهر والأعلى كفاءة مقارنة بغالبية المؤسسات الثقافية والعلمية بمصر، رغم حداثة سنهم التى تتجاوز الـ 35 عاما، ويحظى بعضهم بسمعة عربية ودولية جيدة فى مجالهم.

فى تلك الفترة «2011 - 2013» استغلت الدوحة، الأحداث التى تمر بها مصر، وبدأت فى استقطاب العاملين بمكتبة الإسكندرية خاصة العاملين بقسمى المخطوطات، وتكنولوجيا المعلومات، للعمل بمشروعاتها الثقافية، وبالأخص هيئة متاحف قطر.

وتشير المصادر إلى أنه بالإضافة لمهارة مرممى الوثائق والمخطوطات المصريين، يعتبر مهندسو الحاسب الآلى -تكنولوجيا المعلومات- بمكتبة الإسكندرية ذوى خبرة دولية فى مجال عملهم، بسبب المهارات التى اكتسبوها من عملهم بالمكتبة، مثل خبرة تصميم المواقع، ورقمنة وأرشفة المعلومات، وغيرها.

خلال تلك الفترة نجحت قطر فى استقطاب عدد من شباب العاملين بالمكتبة، خاصة ممن دخلوا فى صراع مباشر مع الدكتور إسماعيل سراج الدين، وبات مستقبلهم المهنى بالمكتبة مهددا بإلالغاء، حيث يعملون بتعاقد يجدد سنويا بموافقة الطرفين، وبالتالى فقدان مصدر دخلهم.

وترجع أهمية محاولة «قطر» لاستقطاب العاملين بمكتبة الإسكندرية، خاصة من قسم «المخطوطات- ترميم الوثائق»، لأن غالبية مقتنيات المكتبة تندرج ضمن الوثائق والأرشيفات والمخطوطات التاريخية، سواء كانت تخص مصر أو باقى الدول العربية. وفى عالم الوثائق والأرشيفات تعبر حالة الوثيقة، عن جانب كبير من قيمتها التاريخية والمادية، التى قد لا تقدر بثمن فى كثير من الأحوال، ويمثل الترميم الدور الخفى للعاملين بمجال الوثائق، ويعتبرون جنوداً مجهولين فى غالبية المؤسسات الثقافية العالمية.

يكفى أن نعلم أن من بين المعروضات بالمكتبة التراثية بقطر، وتخص مصر على سبيل المثال وليس الحصر- بحسب كتيب هيئة متاحف قطر- أعداداً من جريدة «الوقائع المصرية» التى أسسها محمد على، والى مصر عام 1828، وتعود إلى ثلاثينيات القرن الماضى فى عهد الملك فؤاد، وأعدادًا نادرة من مجلة تسمى «البعثة» يرجع تاريخها لعام 1947، وهى عبارة عن نشرة ثقافية شهرية كان يصدرها بيت الكويت فى مصر- بمثابة مقر إقامة الطلبة الكويتيين والبعثة الدبلوماسية وقتها- بالإضافة للأعداد الأولى من مجلة «أبولو» الصادرة فى سبتمبر 1932، والتى أسسها الشاعر الراحل أحمد زكى أبوشادى.

وحسب الكتيب يوجد فى ركن أوائل المطبوعات العربية، كتاب (وصف مصر لأبى الفداء) تقديم جونس ديفيد، المطبوع عام 1776م بالدنمارك، وديوان (نزهة النفوس وزينة الطروس) لإسكندر أبكاريوس، المطبوع فى مصر عام 1883 بالمطبعة الأميرية ببولاق، والتى أسسها محمد على، والى مصر.

فى ركن الرحالة عن مصر (سلسلة من المغامرات أثناء رحلة حتى البحر الأحمر على سواحل شبه الجزيرة العربية ومصر) لإيليس إيرون، المطبوع فى لندن عام 1780م، و(رحلات فى مصر وشبه الجزيرة العربية والأراضى المقدسة) لستيفن أولين، المطبوع فى نيويورك عام 1843م، و(رحلات فى مصر العليا والوجه البحري) لسوننى، المطبوع فى لندن عام 1800م، وهو كتاب يشتمل على لوحات ورسومات ومخططات توضيحية لمصر القديمة، و(رحلات إدوارد دى مونتول فى مصر)، المطبوع فى لندن عام 1821م.

يوجد أيضا الطبعة الأولى من كتاب (وصف مصر)، المطبوع فى باريس (1809– 1822م)، وتحتفظ المكتبة التراثية بقطر على نسخة كاملة منه، بالإضافة لخريطة البحر الأحمر للقنصل الفرنسى فى الإسكندرية دو جلاتينى، فى عهد الحملة الفرنسية على مصر، وبعض الكتب النادرة التى تحمل رسوماً لأشهر الفنانين المستشرقين، الذين سجلوا الحياة الاجتماعية فى مصر والشام خلال القرن السابع عشر، بها آثار البلدان العربية والإسلامية، مثل ديفيد روبرتس، وبريس دافن، ولويس كاساس، وريتشارد تيمبل، وإيتيان دينيه.

من بين المعروضات بالكتيب أيضا لوحة احتفالات قناة السويس عام 1882- لا ندرى، وإن كان لا يعرف هل هى صورة من كتاب للرسام، أم لوحة حقيقية.

بخلاف ما يخص مصر، تحتفظ مكتبة قطر، بكم هائل من أوائل الكتب العربية المطبوعة فى البلدان العربية، منها أول طبعة للإنجيل فى المطابع العربية عام 1706م، ويوجد بالمكتبة- بحسب الكتيب- أدوات ومعدات نادرة للرحالة والبحارة والمغامرين خلال القرون الـ 17 و 18 و19، مثل معدات الميكروسكوب، والبوصلة، وأدوات القياس القديمة التى كانوا يستخدمونها فى رحلاتهم.

الباحث والمؤرخ مكرم سلامة- أحد أشهر جامعى الوثائق بمصر والعالم العربى، كشف لـ«الفجر» عن فقدان مصر كماً كبيراً من الوثائق والأرشيفات النادرة، خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وتهريبها للخارج، عبر ما يعرف بمافيا الوثائق والأرشيفات، بسبب ما وصفه بالإهمال الحكومى، والتعامل مع تلك الوثائق باعتبارها أوراق دشت عديمة القيمة، وليس باعتبارها صفحات من تاريخ وذاكرة الوطن.

وأضاف أن السوق الأساسية لهواة جمع الوثائق والأرشيفات، يشكله إما باعة «الروبابكيا»، أو «تجار الورق القديم»، أو «صالة المزادات»، وهى المصادر التى يجد فيها دائما محترفو جمع الوثائق ضالتهم، بسبب الجهل الحكومى والثقافى، فمن الممكن أن تجد لدى أحد باعة الورق القديم والروبابكيا أوراق ومخلفات أحد الدواوين والمصالح الحكومية، بينها أوراق تحمل خاتم وتوقيع مصطفى باشا النحاس، خلال الحقبة الملكية، أو أوراقًا تخص الديوان الملكى فى عهد ملك مصر الأسبق فؤاد، أو تحمل الأوراق مستندات ووثائق أملاك وأطيان «الدائرة السنية- دائرة الخديو إسماعيل»، والى مصر الأسبق، والتى عثر عليها لدى أحد تجار الخردة بالقاهرة، وأهداها منذ سنوات لمكتبة الإسكندرية- حسب قوله.