الدكتور ربيع عبد العزيز يكتب: العواصم المركزية

ركن القراء

الدكتور ربيع عبد
الدكتور ربيع عبد العزيز


في النظم الاشتراكية تحتكر العاصمة كل شيء ؛ فالوزراء يختارون من العاصمة، ومراكز البحث العلمي أغلبها في العاصمة، ودور النشر وأسواق الكتب في العاصمة، والصحف والفضائيات في العاصمة ، ونجوم السينما والمسرح والرياضة في العاصمة..هكذا تصبح العاصمة هي العقل المفكر نيابة عن أبناء الأقاليم، وهي المطبخ الذي تطهى فيه الوجبات القانونية وغير القانونية..
خطورة هذا الوضع تكمن في تجريف الأقاليم من الكوادر الفكرية والعلمية التي تجد نفسها منجذبة لأضواء العاصمة..الأخطر من ذلك أن الأقاليم تظل تعيش على الفتات، فلا نصيب لها في وزارة تقام على إقليم من الأقاليم، ولابد أن هذا الوضع يحول المحافظين في الأقاليم إلى مجرد موظفين رفيعي المستوى لكنهم يأتمرون بأمر العاصمة ولا يستطيعون أن يعملوا بطريقة ميدانية، ولابد أن تموت المبادرة في نفوسهم، وأن يرضوا بدور الأتباع الأمناء الذين يلغون عقولهم وينفذون أوامر العاصمة، وإلا فقدوا مناصبهم وأحيلوا - في أحسن الأحوال- للجلوس على أرائك الصامتين شماتة أو خوفا.
الأدهى من ذلك  كله أن معنى الوطن يتآكل تدريجيا في نفوس أبناء الأقاليم ، وأن العاصمة تفقد قلبها وتصبح حاضنة للتحالفات والتربيطات  والزحام والجرائم المنظورة وغير المنظورة.. 
 وللخروج من هذا الوضع المختل يمكن إعادة توزيع دواوين الوزارات على الأقاليم، ويصبح من تمام عمل الوزير أن يرتقي بأحوال الإقليم.. نعم هناك مشكلة شكلية وهي أن الوزير قد يتعارض عمله ومشروعاته مع عمل محافظ الإقليم، ولكن ما أيسر التغلب على ذلك.. لنبق على وزارة الدفاع والخارجية  والتعاون الدولي والمالية في العاصمة ، ولنوزع بقية الوزارات على المحافظات,, ولنتخيل فرص العمل التي يوفرها نقل وزارة التعليم العالي إلى المنيا ، ووزارة الري إلى أسوان، ووزارة السياحة إلى قنا، ووزارة الصحة إلى سيناء، ووزارة التنمية إلى الوادي الجديد.. ولنتخيل العاصمة وقد تخففت من الزحام وما يلازمه من أمراض .. لنتخيل كيف نحيي الأوطان في نفوس خربتها البطالة وغياب العدل بين أقاليم الوطن الواحد ..
أتراني أحلم ..ولم لا؟ لماذا لا نستعيد القدرة على الحلم!

* بروفيسور ربيع عبد العزيز أستاذ النقد الأدبي بكلية دار العلوم جامعة الفيوم