مي سمير تكتب: الصحافة الورقية لن تموت

مقالات الرأي



مجلة فوج الأمريكية تحتفل بمرور 125 عامًا على صدور طبعتها الأولى

■ 1.2 مليون نسخة شهرياً و22 طبعة دولية ولاتزال المجلة قادرة على جذب القارئ


تحتفل مجلة فوج الأمريكية الشهيرة هذا العام بمرور 125 عاماً على صدور أولى طبعاتها، المجلة المهتمة بالمرأة أصبحت أيقونة فى عالم الأزياء والموضة وتعكس أغلفتها المتعددة كيف تطورت المرأة منذ نهايات القرن التاسع عشر إلى بدايات القرن الواحد وعشرين، ومنذ بداية هذا العام تحرص المجلة على الاحتفال فى كل أعدادها بفكرة مرور 125 عاماً على صدورها.

بدأت فوج كجريدة أسبوعية فى عام 1892 بالولايات المتحدة، قبل أن تصبح بعد عام واحد مجلة شهرية، وكانت فوج البريطانية أول طبعة دولية تم إطلاقها فى عام 1916، وحتى اليوم هناك 22 طبعة دولية، بما فى ذلك فوج العربية التى تعد أحدث إضافة للمجلة العريقة والتى بدأت فى أكتوبر 2016.

مؤسسها أرداها رمزاً للاحتفاء بالحياة فأصبحت المجلة النسائية الأولى عالمياً


فى عام 1892، أسس آرثر بالدوين تورنور، رجل الأعمال الأمريكى، فوج، كجريدة أسبوعية فى الولايات المتحدة، وصدر العدد الأول فى 17 ديسمبر من ذلك العام، بسعر 10 سنتات، وكانت نية تورنور هى إنشاء مجلة تحتفى بما وصفه الجانب الاحتفالى للحياة.

ومنذ بدايتها، استهدفت المجلة الطبقة العليا الجديدة فى نيويورك، واهتمت بتغطية تفاصيل حياة الطبقة العليا فى نيويورك، وتضمنت صفحاتها تفاصيل حفلاتهم والأماكن التى يزورونها والملابس التى يرتدونها، وكانت المجلة تثير شهية الطبقة العليا التى حرص أفرادها على قراءة أسمائهم على صفحاتها وعلى الجانب الآخر كانت تثير خيال المواطن العادى الحالم بإلقاء نظرة على هذا العالم المخملي.

فى بدايتها لم تكن المجلة تهتم بشكل خاص بالمرأة ولهذا تضمنت أقسامًا متعلقة بالرياضة والرجال، ولكن عام 1905 شكل نقطة فاصلة فى تاريخ المجلة، بعد شراء كوندى مونتروز ناست، المجلة قبل عام واحد من وفاة تورنور، حيث حولها ناست إلى نصف أسبوعية وتغيرت السياسة التحريرية بالتركيز على موضوعات المرأة مع الاستمرار فى تغطية الحفلات والأفراح على وجه الخصوص.

ورفع ناست سعر المجلة التى شهدت ازدهارًا كبيرًا بعد توليه المسئولية، ما أدى بإطلاق اول نسخة دولية للمجلة فى بريطانيا فى عام 1916 وبعد أربع سنوات ظهرت النسخة الفرنسية وارتفع عدد الاشتراكات خلال الكساد الكبير، ومرة أخرى خلال الحرب العالمية الثانية، وخلال هذا الوقت، شغل الناقد الشهير ومحرر فانيتى فير السابق، فرانك كرونينشيلد منصب رئيس تحريرها.

وفى يوليو 1932، وضعت فوج الأمريكية أول صورة ملونة على غلافها، والتقط الصورة المصور إدوارد ستيتشن وتصور امرأة ترتدى ملابس السباحة وترفع كرة الشاطئ فى الهواء، وأثار الغلاف حالة كبيرة من الجدل مثل عدد كبير من أغلفة المجلة.

فى الستينيات، مع ديانا فريلاند، كرئيس تحرير بدأت المجلة فى مخاطبة الشباب من خلال التركيز أكثر على الموضة المعاصرة والسمات التحريرية التى ناقشت علناً العلاقات العاطفية.

فى مرحلة السبعينيات شهدت المجلة تغييرات واسعة فى سياساتها التحريرية، وفى عام 1973، عادت فوج كمجلة شهرية وتحت إشراف رئيسة التحرير جريس ميرابيلا، خضعت المجلة لتغييرات تحريرية ونقدية واسعة للاستجابة للتغيرات فى أنماط الحياة للجمهور المستهدف.

وقع الاختيار على جريس ميرابيلا، لكى تقدم مادة تحريرية تلائم امرأة السبعينيات، أو المرأة التى حصلت على حريتها وتتمتع بالفعل باستقلاليتها.

وغيرت جريس ميرابيلا المجلة بإضافة مقابلات صحفية جادة، والتغطية الفنية، والموضوعات الصحية الخطيرة، ولكن فى الثمانينيات، تم الاستغناء عن خدمات جريس ميرابيلا بشكل مفاجئ وغير متوقع على النحو الذى دفعها للتصريح قائلة: «بالنسبة لمجلة متخصصة فى الأناقة، لم تكن هذه طريقة أنيقة جداً لإخبارى بالاستغناء عن خدماتي».

فى يوليو 1988 تولت آن وينتور، مسئولية رئاسة تحرير المجلة، ولاتزال تديرها بعد أن نجحت فى تحويلها لأشهر مجلة فى عالم الأزياء والموضة.

وعلى مدار ما يقرب من ثلاثين عاماً، دفعت آن وينتور، التى اشتهرت بشعرها القصير والنظارات الشمسية التى تغطى الجزء الأكبر من وجهها، المجلة إلى عالم الموضة والأزياء من جديد ولجأت إلى موضوعات جريئة ومختلفة تعكس رؤية متجددة للموضة والأزياء، ونجحت السياسة التحريرية الجديدة فى جذب قطاعات عريضة من النساء بفضل اعتمادها أساليب جديدة ومختلفة فى إدارة المجلة.

فى عام 2006 وصفت الناقدة كارولين ويبر بمقالة فى صحيفة نيويورك تايمز، مجلة فوج بأنها مجلة الأزياء الأكثر تأثيرا فى العالم، ويصل عدد قرائها لـ11 مليون قارئ فى الولايات المتحدة و 12.5 مليون دولياً، علاوة على ذلك، وصفت آن وينتور بأنها واحدة من أقوى الشخصيات فى عالم الأزياء والموضة.

منذ العدد الأول حرصت فوج على إثارة حالة من الجدل، فى وقت لم تكن الصحافة تعرف سوى أخبار رجال السياسة والمال ظهرت المجلة وعلى غلافها صورة امرأة جميلة وبشعار يقول «للرجل الحكيم، والشاب الذى يبدأ حياته، ولرجال الأعمال وكذلك المرأة الجميلة»، ومنذ اللحظة الأولى نجحت المجلة فى جذب النساء، ورغم أن المجلة فى بدايتها لم تكن مختصة بعالم المرأة إلا أن غلافها وشعارها عكسا حالة جديدة من الصحافة المكتوبة فى نهاية القرن التاسع عشر حيث بدأت المرأة الغربية فى معرفة طريقها للاستقلال والحرية من تبعية الرجل.

وبعد عام واحد من إصدار أول غلاف ملون، وبالتحديد فى عام 1933 أثارت فوج حالة من الجدل من جديد عندما وقع اختيارها على عارضة الأزياء توتو كوبمان لكى تظهر على غلافها، واشتهرت توتو فى ذلك الوقت بعلاقتها العاطفية مع كلا الجنسين، ما جعلها محل انتقادات واسعة.

تحدت فوج الانتقادات الموجهة لعارضة الأزياء، واختارتها لكى تحتل غلافها فى إشارة واضحة لتبنى المجلة توجهًا تحريرًا لم يكن معتادًا فى الثلاثينيات من القرن الماضى، يذكر أن عارضة الأزياء توتو عملت فيما بعد مع المخابرات المركزية الأمريكية، التى استعانت بها للتجسس لصالح الحلفاء فى إيطاليا، وساهم غلاف فوج فى منح توتو شهرة عالمية سهلت كثيراً من عملها فى مجال المخابرات.

فى خطوة جريئة تعكس المكانة التى وصلت إليها المجلة، وقع الاختيار على النجمة الإيطالية صوفيا لورين، من أجل احتلال الغلاف، وكانت هذه هى أول مرة يتم الاستعانة بنجمة مشهورة من أجل الظهور على الغلاف، ولكن المجلة اختارت عدم عرض صورة كاملة لنجمة الإغراء الشهيرة واكتفت فقط بوضع صورة لشفاه وعينيها لإثارة فضول القارئ.

لم يعكس الغلاف فقط مكانة المجلة التى نجحت فى إقناع نجمة عالمية بهذا الظهور الغامض على غلافها ولكن الفكرة الجديدة للغلاف أكدت أيضاً أن المجلة قادرة على التأقلم مع عصرها وكما اشتهرت الستينيات فى القرن الماضى بـالحركات الثورية الشبابية فى الغرب، ولم تمانع المجلة فى إحداث ثورة خاصة تنعكس على غلافها الذى كان مختلفاً عما هو معتاد بكافة المقاييس.

حرصت المجلة على مدار تاريخها على كسر التابوهات والتماشى مع التغيرات الاجتماعية التى يشهدها المجتمع، وفى عام 1974، وبعد ثمانى سنوات من ظهور دويال لونا، كأول عارضة من أصول إفريقية تظهر على غلاف مجلة فوج فى طبعتها التى تصدر فى انجلترا، اختارت مجلة فوج الأمريكية عارضة الأزياء السمراء بيفرلى جونسون للظهور على غلافها لتكون أول فتاة سمراء تحتل الغلاف.

التمييز العنصرى فى انجلترا لم يكن حاداً كما هو الحال فى الولايات المتحدة ومن الطبيعى أن تظهر عارضة أزياء سمراء على غلاف الإصدار البريطانى، ولكن ظهور فتاة سمراء على غلاف الإصدار الرئيسى الأمريكى كان بالتأكيد حدثًا استثنائيًا ومختلفًا.

وفى عام 1988 ومع أول غلاف يصدر للمجلة تحت رئاسة تحرير آن ونتور، تم اختيار عارضة أزياء ترتدى جاكيت لاكرو شديد الأناقة مع بنطلون جينز، وكانت هذه هى أول مرة ترتدى فيها عارضة أزياء الجينز على غلاف فوج الذى عكس تحرر المرأة من كل قيود الصورة التقليدية.

وفى عام 2014 ظهرت نجمة تليفزيون الواقع كيم كاردشيان بفستان زفاف أبيض وزوجها كانيه ويست، ولأول وآخر مرة يظهر على غلاف المجلة إشارة هاشتاج الشهيرة المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعى، وكان هذا الغلاف اعتراف بالمجلة الشهيرة بأن تليفزيون الواقع ومواقع التواصل الاجتماعى أصبحوا يشكلون جزءاً من عالم الإعلام الأكثر تأثيرا فى العالم.

وفى عام 1998 أصبحت هيلارى كلينتون أول سيدة أولى تظهر على غلاف المجلة ولم تكن الأخيرة، حيث ظهرت بعدها ميشيل أوباما على غلاف المجلة مرتين.

وتماشياً مع العصر لم تكتف المجلة بموقع تفاعلى على الإنترنت ولكنها أصدرت تطبيقًا خاصًا بها لضمان استمرار تفاعلها مع الجمهور، والجدير بالذكر أن مبيعات المجلة تصل إلى 1.2 مليون نسخة شهرياً.