د. نصار عبدالله يكتب: عن صدور روز اليوسف

مقالات الرأي



ما زلنا مع فاطمة اليوسف التى اعتزلت الفن عام 1925، وقررت أن تبدأ رحلة جديدة فى عالم الصحافة بإنشاء مجلة فنية تحمل نفس الاسم الذى اشتهرت هى به وهو: «روزاليوسف»،.. فسر البعض هذا بأنه نوع من النرجسية المفرطة، وفسره آخرون بأنه محاولة لاستثمار النجاح الذى لقيته روز اليوسف الممثلة والتوجه من خلاله إلى قاعدة من القراء موجودة فعلا ومضمونة فعلا وهى قاعدة المعجبين بالفنانة والممثلة، بدلا من التوجه باسم مختلف إلى قواعد مجهولة، وفسره فريق ثالث بأنه تقليعة تستهدف الإثارة لفرط ما تنطوى عليه التسمية من الغرابة ومخالفة ما هو مألوف فى تسمية الصحف والمجلات، وربما كانت الحقيقة كامنة فى كل تلك التفسيرات مجتمعة إذا أنها فى النهاية مما يمكن له أن يجتمع دون أن ينقض أحدها الآخر أو يستبعده.. عندما طرحت فاطمة اليوسف هذه الفكرة على أحد أصدقائها الذين لديهم دراية بالعمل الصحفى ومتطلباته وهو : إبراهيم خليل الذى كان يعمل فى جريدة البلاغ ويصاهر صاحبها عبدالقادر حمزة، وسألته كم يتكلف إصدار ثلاثة آلاف نسخة من مجلة «ملزمتين» على ورق أنيق، وأخرج إبراهيم خليل ورقة وقلما كما تروى لنا فاطمة اليوسف فى ذكرياتها، وأجرى حسبة بسيطة وقال بعدها:12جنيها، ثم أعمل قلمه فى الورقة مرة أخرى، فإذا بيعت النسخ كلها كان صافى الربح فى العدد الواحد خمسة جنيهات، وهكذا بدت المسألة ميسورة تماما خاصة أن استخراج ترخيص لمجلة فنية لم يكن بالأمر العسير، وقد صدر الترخيص فعلا فى خلال أسبوع من تاريخ الطلب الذى تقدمت به فاطمة اليوسف بنفسها. كان سعر المجلة هو عشرة مليمات.. ورغم بيع جزء كبير من النسخ المطبوعة بذلك السعر، فقد تبين بعد صدور العدد وتوزيعه أن الحسبة التى أجراها إبراهيم خليل أشبه ما تكون بالبلاغات الرسمية التى لا أساس لها من الصحة، فالتكاليف تجاوزت بكثير الاثنى عشر جنيها التى انطوت عليها حسبة خليل رغم أن سائر المحررين والكتاب كانوا يكتبون فيها مجانا، ورغم أن مقر المجلة كان هو إحدى غرف الشقة التى كانت فاطمة اليوسف تستأجرها من الشاعر أحمد شوقى وتعيش فيها والتى كانت تقع على ارتفاع أربعة وتسعين سلما فى إحدى العمارتين اللتين كان شوقى يمتلكهما فى شارع جلال بالقاهرة، أما المعضلة التى كانت أكثر فداحة من ارتفاع تكاليف طباعة العدد الأول عما كان مقدرا له فتتمثل فى أن المتعهد (وهو مالم تكن تعلمه فاطمة اليوسف) لم يكن يقوم بتوريد إيراد أى عدد من الأعداد إلا عندما يتسلم العدد التالى!! فى حين أنها كانت محتاجة إلى ثمن العدد الأول لكى تصدر العدد الثانى بعد أن أنفقت كل ما كان لديها من المال!!.. ولم يكن هناك من حل سوى أن تقوم بجمع اشتراكات سنوية من القراء فقامت بطبع عدد من الدفاتر قيمة كل منها خمسين قرشا، وتعاون معها فى توزيع الدفاتر عدد من الفنانين والكتاب والصحفيين وفى مقدمتهم الآنسة أم كلثوم والأستاذ زكى رستم والأستاذ محمد التابعى، وبفضل الاشتراكات تمكنت روز اليوسف من أن تواصل الصدور رغم أن توزيعها بدأ يتناقص بشكل مخيف، وتفسر فاطمة اليوسف هذا التناقص بأن المجلة قد التزمت بمنهج يفضى بالضرورة إلى تناقص التوزيع، فهى تتجنب تماما الخوض فى المسائل الشخصية، وتتجنب المساس بأى فنان ما يسىء إليه وتمتنع تماما عن نشر الصور الخليعة أو المثيرة وتقتصر فقط على نشر لوحات الفن العالمى، الذى كان يزهو به دائما ورقها الفاخر المصقول وللحديث بقية.