مي سمير تكتب: السينما الفرنسية تسخر من الإخوان والنقاب فى "ابحث عن المرأة"

مقالات الرأي



السنى المتشدد يقبل التحول إلى شيعى حبا فى «رجل» متنكر فى زى امرأة


"ابحث عن المرأة"، تعرف العالم على هذه العبارة الشهيرة، لأول مرة فى عام  1854  فى رواية موهيكان باريس التى كتبها الكسندر دوماس الأب.

ومنذ ذلك التاريخ، تحولت هذه الجملة إلى مقولة مأثورة تستخدم للإشارة لما تملكه المرأة من قدرة على التأثير والنفوذ وتحريك الأحداث لما يصب فى مصلحتها، وعلى ذلك يخوض الفيلم الفرنسى الجديد (ابحث عن المرأة)، الذى بدأ عرضه هذا الصيف فى دور العرض الفرنسية للمخرجة الفرنسية سو عابدى الإيرانية الأصل، فى رحلة البحث عن المرأة بين أرجاء العالم الإسلامى فى فرنسا.  

يرسم الفيلم بشكل ساخر صورا متعددة للمسلمين تتأرجح بين التشدد والتطرف من ناحية، والانفتاح على الثقافة الغربية والتأقلم مع المجتمع الفرنسى، وكانت جريدة لوموند قد وصفت الفيلم بأنه نظرة هزلية على عالم الإسلام المتشدد فى باريس.   


يبدأ الفيلم باستعراض قصة الحب بين أرماند الشاب الفرنسى ذى الأصول الإيرانية وليلى الفتاة المسلمة، كلاهما يدرس العلوم السياسية وتجمعهما قصة حب، لكن كان أرماند مترددا فى الحديث مع والديه السيد والسيدة ياجميان عن علاقته مع ليلى، ورغم كون الاب والأم مفكرين إيرانيين فرا من النظام الإسلامى لآية الله الخومينى، ورغم إيمانهما العميق بحقوق المرأة وتبنيهما القناعات الإصلاحية، لكنهما يفضلان ترتيب زواج لأرماند مع فتاة من عائلة جيدة.  

يخطط أرماند وليلى للذهاب إلى نيويورك لاستكمال تدريبهما فى مقر الأمم المتحدة، ومع ذلك، فإن عقبة رئيسية  تقف فى طريقهما ترتبط بشكل مباشرة بجماعة الإخوان المسلمين كما تكشف أحداث الفيلم.  

فيعود محمود، شقيق ليلى الأكبر، إلى باريس بعد رحلة استمرت عشرة أشهر فى اليمن أصبح خلالها متطرفا حيث تبنى أيديولوجية الجماعة، لذا تجد ليلى نفسها مع شقيقها الأصغر سينا فى موقف متناقض ما بين أفكار شقيقها محمود والعادات الغربية التى نشأوا عليها.

يعكس الموقف إلى حد كبير التناقض الذى يعانى منه جزء غير قليل من المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص، بعد أن اعتادت ليلى على العيش وفقا للعادات الثقافية الفرنسية يسعى  شقيقها محمود إلى إعادة عائلته مرة أخرى إلى ما يعتقد أنه الطريق الصحيح  عن طريق فرض أفكاره المتطرفة بدعم من أصدقائه عبدالله ومصطفى وفابريس وهم أصدقاؤه الثلاثة الذين يعكسون حقيقة انتشار الأفكار المتطرفة فى المساجد الفرنسية، وهم على عكسه لم يسافروا لليمن لتبنى أفكار متطرفة، بينما تبنوا نفس الأفكار من داخل فرنسا، ومن خلال مساجد يسيطر عليها أصحاب الفكر المتطرف.  

تبدأ المواجهة الحقيقية فى الفيلم عندما يستمع محمود لشقيقته ليلى وهى تتبادل عبارات الغرام مع أرماند، ما يدفعه للاعتداء على أرماند  ويحظر على ليلى الخروج  بمفردها.

بعد هذه المواجهة تبدأ بطلة الفيلم الحقيقية فى الظهور وهى شهرزاد،  بناء على نصيحة من لاجئ أفغانى يعرفه أرماند  يقرر الشاب وضع البرقع ليتظاهر بأنه  شهرزاد - الشابة المسلمة الملتزمة بارتداء النقاب - وهو الأمر الذى يساعده على الذهاب إلى شقة ليلى ومقابلتها بحرية وبرضا من شقيقها محمود، بحجة منح شهرزاد دروسا فى الفرنسية، ويقرر أرماند الانغماس فى شخصية شهرزاد  ولا يكتفى بشراء ملابس المنقبات ولكنه يحرص على قراءة الكتب التى تشرح الدين الإسلامى لغير المسلمين وذلك حتى يتمكن من إقناع محمود بأن شهرزاد فتاة متدينة وتعرف دينها،  كما تعتزم ليلى إقناع محمود بالسماح لشهرزاد  بإعطاء دروس دينية لشقيقهما الصغير سينا بدلا من إرساله إلى اليمن كما يرغب محمود.

تنجح الحيلة فى الجمع بين الحبيبين ولكن ينتج عنها الكثير من التعقيدات التى تخلق الكثير من المواقف الكوميدية الساخرة، على سبيل المثال يلتقى أرماند وهو متنكر فى صورة شهرزاد  فى الحافلة العامة مع والدته التى تبدأ فى إعطائه دروسا عن حقوق المرأة وحريتها، أو محاولة الشرطى لإقناع أرماند بخلع النقاب لأنه يخالف القانون، لكن الموقف يزداد تعقيدا مع وقوع محمود فى حب شهرزاد  ورغبته فى الزواج منها  ما يدفعه للكذب والتحجج بأن والد شهرزاد وعدها لابن عمها، وهو قرار لا رجعة فيه.

يشعر محمود بالحزن لكنه يقرر عدم الاستسلام ويطلب من أصدقائه أن يتبعوا شهرزاد لمعرفة أين تعيش،حتى يتمكن من شهرزاد لإقناعه بتغيير رأيه، وتستمر سلسلة التعقيدات بعد أن يستمع سينا بالصدفة لمحادثة تليفونية بين ليلى وشهرزاد يتبادلان فيها عبارات الغرام ويعتقد أن بينهما علاقة حب مثلية. وعلاوة على ذلك، فإن وجود امرأة محجبة فى الدائرة السادسة عشرة الأنيقة فى باريس، حيث يعيش أرماند مع والديه، يجذب الشكوك فى الحى، ويقر السيد والسيدة ياجميان بأن هذه المرأة هى عميلة من النظام الإيرانى.

وعلاوة على ذلك، يكتشف والدا أرماند العديد من الكتب عن الإسلام التى اشتراها أرماند لإكمال عملية التمويه يعتقدون أن ابنهما قد تحول إلى الإسلام، وفى النهاية تكتشف عائلة أرماند حقيقة تنكره من أجل لقاء حبيبته ليلى وتبدأ عائلته فى مساعدته من أجل السفر معها إلى نيويورك بما فى ذلك لقاء والد أرماند ومحمود لمناقشة إمكانية زواجه من شهرزاد، ويطلب منه طلبات تعجيزية مثل مطالبته بالتحول من المذهب السنى إلى الشيعى، والمثير للدهشة أن الشاب المتشدد يستجيب لهذا الطلب حتى يتمكن من الزواج من حبيبته الوهمية فى إشارة واضحة إلى أن علاقة أغلب المتشددين بالدين هى علاقة سطحية.

فى نهاية الفيلم وبعد الكثير من المفارقات الكوميدية يهرب أرماند وليلى إلى المطار فى طريقهما إلى نيويورك وفى المطار يلاحقهما محمود الذى يعتقد أن شهرزاد هى التى سوف تغادر باريس،  ويتنكر أرماند للمرة الأخيرة فى صورة شهرزاد ويواجه محمود ويكشف له أنه يحب امرأة ليس لها وجود وأنه فى الحقيقة الشاب الذى تحبه ليلى.  

أمام هذه الصدمة يحاول محمود الاعتداء على أرماند، ولأول مرة تتدخل ليلى بشكل إيجابى وتواجه شقيقها مؤكدة له أنه السبب  الحقيقى فى هذا الوضع بسبب آرائه المتشددة التى لا علاقة بالإسلام، أما أرماند  فيؤكد لمحمود أنه يحب ليلى كما كان محمود يحب شهرزاد ما يدفع محمود للتجاوب مع قصة حبهما والموافقة على ذهابهما إلى نيويورك، وينتهى الفيلم بعلاقة صداقة بين السيدة ياجميان التى تأخذ على عاتقها مسئولية تغيير مفهوم محمود عن المرأة.

(ابحث عن المرأة) هو أول أفلام سو عابدى الروائية كمخرجة سينمائية، حيث شاركت من قبل فى كتابة ومونتاج العديد من الأفلام، كما قامت من قبل بإخراج فيلم وثائقى شهير تحت عنوان (انقاذ طهران) حيث قضت عابدى خمسة أشهر فى طهران، موثقة ما يحدث فى الخدمة الاجتماعية فى العاصمة الإيرانية طهران والمؤسسات النفسية، والتى لم يتم تصويرها أبدا من قبل المخرجين الإيرانيين، وذلك فى محاولة للإجابة عن سؤال واحد وهو (ماذا يدور فى عقول الايرانيين؟).

نجحت عابدى فى أول تجاربها الروائية ودخلت منطقة شائكة بفيلم كوميدى، فمن المعروف أن الشعب الفرنسى من الصعب إضحاكه، مع استثناء النجم الأمريكى فى الخمسينيات الشهير جيرى لويس الذى يعشقه الفرنسيون إلى يومنا هذا، ولكن عابدى صاغت واحدة من أكثر القضايا الشائكة فى فرنسا وهى قضية الهوية فى إطار كوميدى ونالت ثناء النقاد الفرنسيين والجمهور الفرنسى.