منال لاشين تكتب: أسرار فتنة قانون طارق عامر

مقالات الرأي



■ جهة رقابية تستدعى 6 رؤساء بنوك لمناقشتهم فى مواد المشروع

■ أكثر من 90% من أعضاء اتحاد البنوك يرفضون مواد بالقانون رفضا قاطعًا

■ قاضى تيران وصنافير أشرف على إعداد القانون

■ مصرفى كبير: المحافظ بيعاملنا زى حرامية الغسيل


منذ أن تم الكشف عن مشروع قانون البنك المركزى فى الأسبوع الماضى لم تهدأ الحركة فى مراكز عديدة بالدولة، ولا توقف الجدل بين رؤساء البنوك والخبراء، وفى جلسات الساحل الشمالى تحولت النميمة تجاه القانون وبدأت التكهنات حول المقصودين بمشروع القانون أو بالأحرى ضحايا قانون طارق عامر الجديد.

مشروع القانون عمره أكثر من عام وأخذ جولات من المناقشة بين بعض أعضاء مجلس الإدارة، وإن لم يعرض على مجلس إدارة البنك رسميا حتى الآن، ولاشك أن طارق عامر سيواجه برفض واستياء أعضاء مجلس الإدارة لأن المحافظ سحب من مجلس الإدارة معظم اختصاصاتهم وتحولت إلى موافقة شخصية منه.

ومع ذلك فإن غضب مجلس إدارة المجلس هو أقل توابع أو بالأحرى عواصف مشروع القانون.

قد يكون من ضمن مفاجآت مشروع القانون أن رئيس لجنة إعداده هو المستشار الجليل يحيى الدكرورى وهو القاضى الذى حكم بمصرية تيران وصنافير، فهو عضو مجلس إدارة البنك المركزى أو بالأحرى العضو القانونى بالمجلس، وربما تفسر هذه المعلومة جانبا مهما فى مشروع القانون، فالقواعد أو بالأحرى القيود فى مشروع القانون تكشف عن غلبة النظرة الإدارية فى القانون.ومن ثم تحولت البنوك إلى مجرد إدارات أو فروع للبنك المركزى.


1- ثورة رقابية

بعد الكشف عن مشروع القانون، وما أثير حول سحب المشروع صلاحيات من كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بعد هذا وذاك تدخلت جهة رقابية رفيعة المستوى، وطلبت من محافظ البنك المركزى المسودة الأولى لمشروع القانون، وثانى يوم استدعت الجهة الرقابية نحو 6 من رؤساء البنوك، وطلبت رأيهم فى مشروع القانون وملاحظاتهم حول المشروع، كما أرسل اتحاد بنوك مصر ملاحظاته أو بالأحرى اعتراضاته للجهة الرقابية، وكان اتحاد البنوك قد ناقش مشروع القانون وسط حالة من الغضب من العديد من مواد المشروع.

على الجانب الآخر حاول البنك المركزى احتواء أزمة مشروع القانون، فطلب نائب المحافظ جمال نجم من بعض رؤساء البنوك إصدار بيان ينفى اعتراضاتهم على المشروع، وأكد نائب المحافظ أن ما وصل لاتحاد البنوك نسخة مبدئية، وأن كل شىء قابل للمناقشة والتفاهم، ولكن محاولة نائب محافظ البنك المركزى باءت بالفشل، خاصة أن اعتراضات الاتحاد وصلت للصحافة والإعلام، ولم يعد من الممكن إنكار واقعة اعتراض اتحاد البنوك على بعض المواد، ولكن اتصالات أخرى أدت إلى موافقة بعض رؤساء البنوك على تأييد مشروع القانون فى وسائل الإعلام، وإن كان عدد هؤلاء المصرفيين صغير جدًا، وذلك بالمقارنة بعدد الرافضين لمواد عديدة بالقانون.

المثير أن رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل كان متحفظًا فى رد فعله على مشروع القانون، فقد اكتفى بالتصريح بأن مشروع القانون لم يصل لمجلس الوزراء، وأنه مجرد مسودة أو نسخة أولية.


2- نميمة الضحايا

ولكن ضحايا قانون طارق شمل أكثر من وزير ومسئول وليس رئيس الحكومة فقط.

واعتبر بعض الخبراء والمتابعين أن وزيرة الاستثمار سحر نصر إحدى الضحايا، وأن هناك مادة بالمشروع موجهة لها، وهى المادة التى تمنح طارق عامر فقط الحق فى اختيار ممثلى مصر فى الجهات الدولية (الممثل لمصر لدى الجهات الدولية)، وفى جلسات النميمة أن طارق عامر أصر من قبل على استبعاد سحر نصر من مفاوضات مصر مع صندوق النقد، وذلك على الرغم من خبرة سحر الواسعة فى المؤسسات الدولية، حيث عملت لنحو ربع قرن فى البنك الدولى، ومن ناحية أخرى فإن سحر تشغل منصب وزيرة التعاون الدولى ولذلك فوجئ طارق عامر بمسئولى الصندوق يتساءلون مزيد من الدهشة عن سر غياب الوزيرة، وذلك بوصفها المسئولة عن المنح والقروض، وبهذه الصفة تشغل سحر الآن منصب محافظ مصر لدى صندوق البنك الدولى، وكل من الصندوقين الكويتى والسعودى بالمثل هى ممثلة مصر فى البنك الأوروبى، وذلك بقرار من رئيس الجمهورية، ولذلك اعتبرت هذه المادة خصما من اختصاصات رئيس الجمهورية.

من جلسات النميمة أيضا أن سحب بعض اختصاصات رئيس الحكومة يرجع إلى رغبة المحافظ الحالى لإبعاد المحافظ السابق هشام رامز من منصبه الحالى، ويشغل رامر منصب رئيس المصرف العربى، وهذا المنصب له اتفاقية مقر، فالبنك نتج عن مساهمات أربعة بنوك مركزية عربية.

وكان البنك التجارى «سى آى بى» قد أرسل لطارق عامر طلبا بالموافقة على تعيين رامز رئيسا تنفيذيا للبنك، إلا أن طارق تأخر فى إرسال الموافقة، فتدخلت جهات عليا وتم تعيين هشام رئيسا للمصرف العربى، وهو ما اعتبر تكريما لهشام، لأن هذا المنصب لم يشغله من قبل سوى رؤساء حكومات سابقين، وبحسب النميمة داخل قطاع البنوك فإن هذه الواقعة نبهت طارق عامر إلى ضرورة أن تبقى كل هذه المناصب تحت سيطرته.

كما أن التعديلات الخاصة بسيطرة محافظ البنك المركزى تحرم وزراء المالية والتخطيط من تمثيل مصر لدى الجهات الدولية إلا بموافقة المحافظ.

أطرف قصص النميمة تخص مادة نائب المحافظ، حقيقى قصة أو ربما تشنيعة لطيفة، ففى مشروع قانون طارق عامر يمكن أن يكون للمحافظ نائب واحد فقط، وليس نائبين كما ينص القانون الحالى، ويرجع أهل النميمة الأشرار هذا التعديل إلى رغبة قديمة لطارق عندما كان نائبا للدكتور فاروق العقدة، فقد كان طارق يرغب فى أن ينفرد بهذا المنصب لوحده، ولكن القانون منعه من هذه الأمنية، وعلى الرغم من طرافة وغرابة هذا التفسير، إلا أننى لم أعثر على تفسير منطقى لإصرار طارق عامر على الاكتفاء بنائب واحد وقت اللزوم، خاصة أن حجة المحافظ أحيانًا أنه يجد صعوبة فى اختيار نائبين حجة بايخة، ومهينة للقطاع المصرفى الملىء بالكفاءات والخبرات.


3- فترة مراقبة

أطرف تعليق سمعته كان من قيادة مصرفية حول مشروع القانون، قال الرجل بضحكة صافية إن مشروع القانون يعامل مسئولى البنوك كأنهم (حرامية غسيل) وأضاف بجدية بعض مواد المشروع تحمل إهانة لرؤساء البنوك، وعندما لاحظ دهشتى من وصفه قال: (عندما يصل الأمر إلى أن يصر المحافظ أن يحضر ممثل من المركزى اجتماعات مجلس إدارة البنوك، وعندما يصر على أن يوافق على خطط ومشروعات البنك (الخطة الاستثمارية) فنحن أمام قانون يعتبر رؤساء البنوك إما قاصرين أو مخالفين، ولذلك يجب وضعهم تحت المراقبة المستمرة اللصيقة، ولذلك يرى الرجل أن بعض مواد المشروع تحمل إهانة للمصرفيين.

بعيدًا عن قصة الإهانة فإن هناك أزمة أخرى فى هذه المواد، لأن الرقيب يجب ألا يتورط فى المشاركة فى أى أعمال مع البنوك التى يراقبها، ولذلك لا يقوم أى بنك مركزى بالخارج بالموافقة على خطة البنك، وبالطبع لا يوجد بنك مركزى فى العالم يرسل مراقبيه ليحضروا جلسات مجالس إدارة البنوك التى يراقبها، كل بنك مركزى يضع قواعد أو خطوطا عريضة للبنوك، ويترك لكل بنك حرية اختيار استثماراته ومشروعاته، كما أن البنك المركزى يرسل مراقبيه فى أى وقت لمراجعة أعمال البنوك، والتأكد من التزام البنوك بقواعد وأوامر المركزى، ولكن هذا يختلف تماما، أن تتحول البنوك إلى فروع أو إدارات للمركزى ويحضر موظفو البنك المركزى مجلس إدارة البنك فهذا يحول الأمر لمدرسة، ويفقد البنوك استقلالية القرار الاستثمارى فيها، الأخطر أنه يفقد رقابة المركزى معناه وجدواها، لأن هذه الإجراءات تورط المركزى فى المشاركة فى أعمال البنك، فكيف إذن سيراقبون أعمالا شاركوا فى الموافقة عليها أو حضروا اجتماعات بشأنها؟ إجابة هذا السؤال تحتاج إجابة مباشرة من طارق عامر، وهل سيصل الأمر أن يقوم ممثل الرقابة فى المركزى بالتدخل خلال حضوره الاجتماعات فى أعمال مجلس الإدارة، وهل كان طارق عامر يرضى بهذه الإجراءات المهينة بالفعل حينما كان رئيسا للبنك الأهلى.

وعلى الرغم من وجود مواد أخرى بالقانون محل خلاف فى القطاع المصرفى، إلا أن هذه الإجراءات من أكثر المواد التى تقف وراء غضب ورفض رؤساء وقيادات البنوك، بحسب اجتماع اتحاد البنوك فإن أكثر من 90% من رؤساء البنوك يرفضون هذه الإجراءات، ويعتبرونها تدخلا فى أعمالهم وسحبًا لصلاحياتهم.

ثمة خلافات أخرى تتعلق بزيادة الأعباء المالية على البنوك، مثل زيادة رسم الرقابة عشرة أضعاف مرة واحد وزيادات أخرى، ولكن طارق عامر يعتبر أن البنوك تحقق أرباحًا كبيرة (ومعه حق)، ولذلك لم أتحمس كثيرًا للغضب من هذه النقطة، ولكن المثير فى الأمر أن المحافظ أعفى أرباح المركزى من الضرائب فى نفس القانون الذى ضاعف من أعباء البنوك، وهذا التناقض يقصد به طارق عامر تقوية المركز المالى للبنك المركزى سواء على حساب خزانة الدولة أو على حساب البنوك.


4- أزمة رؤساء البنوك

من بين مواد الأزمة إصرار طارق عامر على التدخل فى مدد بقاء رؤساء البنوك، وفى مشروع القانون يضع مدة (ثلاث سنوات) قابلة للتجديد، وهو الأمر الذى يعتبره المصرفيون تدخلا فى عمل الجمعية العامة للبنوك، وهنا يعود طارق للمواجهة مع الجمعيات العامة للبنوك، وكانت المواجهة الأولى عندما أصدر طارق عامر قرارا بتحديد مدة رئيس البنك بتسع سنوات كحد أقصى، وتم الطعن على القرار أمام القضاء الإدارى فخسر طارق القضية، واكتفى المركزى أو طارق بهذه الجولة، وفى الكواليس أن عدم لجوء طارق للإدارية العليا كان بناءً عن نصيحة بتنظيم هذا الملف بالقانون، ولكن ثمة رواية أخرى، فقد صدر القرار خلال زيارة الملك سالمان لمصر وكان معه وزراء ومسئولون اقتصاديون وقد أبدوا استياءهم من تدخل المركزى وإصراره على رحيل رئيس بنك فيصل الإسلامى لأنه قضى أكثر من تسع سنوات، خاصة أن السعوديين يثقون فى الرجل ثقة عمياء، وقد نبهت هذه القصة المسئولين المصريين أن القرار سيجلب غضب البنوك العربية والأجنبية، فنصح طارق بعدم الطعن على رفض القضاء الإدارى للقرار، وبالمناسبة أنا مع تحديد مدة رؤساء البنوك، ولكن مثل هذه التغييرات لا تحتاج إلى قانون أو قرار، ولكن يحتاج إلى مناقشة مع مجتمع البنوك، وإقناعهم بأهمية تجديد دماء البنوك، وأسهل طريق لتمرير مثل هذه التعديلات ألا تطبق على رؤساء البنوك بأثر رجعى، وذلك حتى لا يتصور أحد أن هذا التوجه مقصود به استبعاد بعض رؤساء البنوك.

فى نفس ملف رؤساء البنوك هناك مادة غريبة وتثير الشكوك، وهى مادة تمنع جمع رئيس البنك التنفيذى من عضوية مجلس الإدارة، ولم استطع تصور الأسباب وراء هذه المادة، ولو طبقنا هذه المادة مثلا على الصحافة فليس من حقى كرئيس تحرير حضور مجلس تحرير الجريدة، تصوروا أن رئيس البنك لا يكون عضوًا فى مجلس إدارة البنك الذى يضع سياسات البنك، وأن نوابه أو مساعديه من حقهم عضوية المجلس، وأن المساعدين أو النواب هم من سيقررون لرئيسهم راتبه ومزاياه، إبداع ما بعده إبداع، ولذلك لا يجب أن يغضب طارق عامر ممن يتصورون أن هذه المادة موجهة لبعض رؤساء البنوك، وبالمثل لا يجب أن يغضب عندما يرى البعض أن المحافظ يتدخل فى رواتب رؤساء وقيادات البنوك الخاصة لأغراض غير مقبولة، لا يجب أن يغضب طارق عامر، فأنت يا سيدى حيث تضع نفسك، وهناك مواد كثيرة فى مشروع قانون طارق عامر تثير العجب والتساؤل والشكوك، وتفتح الباب للقيل والقال، مع إقرارى بالطبع أننا أمام مجرد مشروع قانون يمكن التخلى بشجاعة عن بعض المواد والأوضاع المعيبة به، فأرجو أن يتذكر طارق عامر كلمة الشاعر الكبير عبد الرحمن الشرقاوى (المراجعة لا التراجع)، ومشروع قانون طارق عامر يحتاج بالفعل لمراجعة كثيرة ومتعددة والأهم مراجعة منصفة.