المستشار أحمد رزق يكتب عن عدم قابلية القاضي للعزل

ركن القراء

المستشار أحمد رزق
المستشار أحمد رزق


شعور القاضي بأن السلطة التنفيذية أو غيرها تستطيع الضغط عليه بنقله أو فصله يجعله فاقداً الحرية في تكوين رأيه القضائي محروماً من استقلاله، والقول بغير ذلك يدفع القاضي لمجاملة السلطة التنفيذية في أحكامه خشيةً معاقبته أو الكيد له، باختصار فأن مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل هو ما يضمن عدم اختلال ميزان العدل في أيدي القضاة.

وعدم قابلية القضاة للعزل يقصد به عدم قدرة السلطة التنفيذية من تلقاء نفسها وفي غير الأحوال والشروط والإجراءات التي حددها القانون فصل القاضي أو وقفه أو إحالته إلى المعاش قبل السن المحدد قانوناً أو نقله لوظيفة غير قضائية دون رضاه.

وانتهاك السلطة التنفيذية لاستقلال القضاء أمر ليس بغريب في التاريخ القضائي المصري ففي عام 1969 عقب نكسة 67 ومتستراً برغبته في إعادة تنظيم الهيئات القضائية أصدر رئيس الجمهورية بزعم إصلاح القضاء قراراً جمهوري بإعادة تعيين أعضاء بالنيابة العامة والقضاء ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة عقب عزل 189 عضو بالهيئات القضائية السابقة من مناصبهم فيما عرف بمذبحة القضاة.

كما سبق ذلك عزل الدكتور عبد الرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة بحجة توليه منصب وزاري وانتمائه لحزب سياسي قبل ثروة 1952 بمعرفة السلطة الحاكمة دون أدنى احترام للضمانة الدستورية أو القيود والضوابط المنظمة لعزل القضاة.

حتى في العصر الحديث انتهكت السلطة التنفيذية -أبان حكم التيار الإسلامي-استقلال السلطة القضائية بإهدارها النص الدستوري المتضمن عدم قابلية القضاة للعزل وذلك بتعيين النائب العام سفيراً لمصر في الفاتيكان بقصد عزله من منصبه قبل أن يعدل رئيس الجمهورية عن قراراه أمام ضغط القوى السياسية والرأي العام قبل أن يعيد الكرّة ويلتف حول الضمانة الدستورية في الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر 2012.

ومبدأ عدم قابلية القاضي للعزل مبدأ دستوري تحرص معظم الدول المعاصرة على النص عليه صراحة في دساتيرها تاركةً تنظيم تفاصيله وضوابطه للقانون وعليه لا يجوز للسلطة التشريعية في تنظيمها أن تخل وتهدر تلك الضمانة الدستورية، كما لا يمكن تنظيمه بأداة قانونية أقل من التشريع، ويتعين أن يقتصر دور السلطة التنفيذية في حال عزل القاضي على ممارسة إجراءات العزل شكلياً على أن تكون السلطة المختصة بالعزل هي السلطة القضائية وحدها.

وكون القاضي غير قابل للعزل لا يعني عدم المساس به أو عدم مساءلته تأديبياً عن أي خطأ يرتكبه، وهو تفصيل نتناوله في مقالنا القادم أن شاء الله.