سارة إبراهيم تكتب: "صحافة الصيت ولا الغنى"

ركن القراء

صورة الكاتبة
صورة الكاتبة


دائرة مفرغة يدور فيها كل من ساقه القدر للعمل بمهنة الصحافة، وأُطلِق عليه لقب "محرر، أو  "مراسل صحفي"، مهنة كانت قديمًا تتمتع بجميع وسائل الاحترام والتقدير، إضافة إلى دورها في متابعة الأحداث والكشف عنها للناس، وبعدما كانت الصحافة تعني السلطة الرابعة في هذا البلد، نجدها دون سلطة على الإطلاق، لأن كلمة "صحفي"، باتت مصدر إزعاج لكل من هب ودب، أي جميع من يملك معلومة مهما كانت لا قيمة لها.

 

وجوه لامعة تطل علينا بشكل يومي، ويتسارع على نشر أخبارها جميع المواقع الإلكترونية، التي أصبحت الوسيلة الأسرع في نشر الأخبار، مع تقلص حجم الصحافة الورقية شيئاً فشيئًا، حقيقة ليست سيئة لكنها فتحت الباب على مصرعيه، لوجود كم هائل من المواقع الإخبارية، التي يُطلق عليها مواقع "تحت بير السلم"، والتي أيضًا يعتمد بعضها على استغلال شغف مجموعة من الشباب بالعمل في مجال الصحافة، وبعد الشهر الأول يُقال: "ملكش حاجة عندنا"، أو يكون المقابل المادي أقل من المتوسط.

 

لا يمكنني أن أتحدث كثيرًا عن العلاقة بين الصحافة وأهل الفن من نجومنا الكبار قديمًا، حيث أنني كالكثير من أبناء جيلي، بدأت علاقتي بهذا المجال منذ الألفينيات، ولكن يتبادر إلى ذهني، ما رواه أمامي أحد صحفيي جريدة "الجمهورية"، أثناء خضوعي لدورة التدريب الصحفي التابعة لها، وأدهشني وقتها ما سمعته، عندما قال الصحفي إنه تعرض لموقف مُهين في مقتبل حياته العملية، عندما ذهب إلى أحد ستوديوهات التصوير، لإجراء حديث صحفي مع الزعيم عادل إمام.

 

وروى الصحفي أنه كان شغوفًا بمقابلة الزعيم للمرة الأولى في حياته، ولكن تحطمت جميع آماله، عندما وجد الزعيم جالسًا داخل الاستوديو، ليقترب منه الصحفي مصافحًا له، ومع بداية حديث الصحفي وتعريفه بنفسه، وجد الزعيم يسبه بلفظ ترفع عن ذكره أثناء روايته للموقف، ما جعله يشعر بالإهانة، وكان رده على ذلك هو سؤال الزعيم، لو كان يقبل إذا كبر أحد أبنائه وعمل في مجال الصحافة أن يقوم شخص بإهانته كما فعل هو، وذكر الصحفي أن الزعيم تأثر بحديثه وقتها، ووافق على إجراء الحوار على الفور.

 

ويبدو أن الصحافة المصرية أصبحت غير محل تقدير من بعض النجوم، الذين يتجهون للصحافة العربية إذا قرروا الإفصاح عن شئ للجمهور، ووجدنا هذا التصرف مع نجمين لاحظ الكثيرون عدم تعاملهما مع الصحفيين المصريين في السنوات الأخيرة، فأثارت الفنانة شيرين عبدالوهاب، الجدل حولها، عندما قررت إعلان خبر اعتزالها الفن في العام الماضي، للصحفي ربيع هنيدي، بمجلة "زهرة الخليج" الإماراتية، كما اختار النجم عمرو دياب، الصحفي نفسه، لإجراء حوار صحفي بعد غياب طويل عن الظهور الإعلامي.

 

"صحافة السوشيال ميديا".. مصطلح انتشر منذ سنوات في مصر، ويعد أحد المصادر الرئيسيّة التي يعتمد عليها الصحفيون في الحصول على أخبار المشاهير، الذين يصعب التعامل المباشر معهم، بسبب ابتعادهم الدائم عن أعين الصحافة، واقتصار تواجدهم في برامج "التوك شو" الفنية عبر القنوات الفضائية المملوكة لكبار رجال الأعمال المصريين والعرب، إضافة إلى لجوء عدد من الصحفيين لتزييف الأخبار والحوارات الصحفية، بهدف إثبات قدرته على التواصل مع كبار النجوم.

 

وكما يقع العديد من الصحفيين الشباب محل اتهام بعدم المهنية واللجوء إلى نشر الفضائح أو التصريحات المغلوطة على لسان النجوم، فهناك أمثلة كثيرة من الفنانين الذين يتعاملون مع الصحافة على أنها وسيلة للشهرة فقط، وما أن يتسارع المنتجون عليه، ويحصل على ما يزيد من شهرة وانتشار، يلجأ لأسلوب "التناكة" الذي يجعله يرفض التعامل مع نفس الصحفيين الذين كانوا السبب في إطلاق لقب "نجم" عليه، ويكتفي بالظهور في وسائل الإعلام التي يشاهدها الملايين من المشاهدين.

 

وفِي نهاية حديثي، يجب التوضيح أن ما كتبته سابقًا، ليس بهدف إدانة طرف بعينه، أو إنكار أن الخلل قد يصيب المنظومة الصحفية ككل في الوقت الحالي، ولكنه جزء من معاناة يواجهها الكثير من العاملين في هذا المجال، الذي ينطبق عليه مقولة "الصيت ولا الغنى"، فمن ينظر من خارجه يرى أن العمل الإعلامي يتضمن العديد من الرفاهيات التي يستمتع بها الصحفي أو الإعلامي، والحقيقة أننا في زمن "التطبيل"، اللازم للحصول على أي شئ، واختفاء الكفاءة والأمانة العملية تدريجيًا.