ربيع جودة يكتب: ثري دي

ركن القراء

ربيع جودة
ربيع جودة


اليوم سأرسم.. حيث لا يروقني أن أكتب شيئاً.. لذا سأدع قلمي جانباً..  وهاهي فرشاتي وألواني.. ولوحة الرسم أعلقها هكذا.. حسناً.. سأبدأ  الآن العمل ....  أرسم ُ غرفة بها صحفي..  قرر اليوم ألا يكتب شيئاً..  ففعل مثلما أفعل.. أحضر فرشاته..  وألوانه..  وألقي قلمه بعيداً .. غير أنه لم تعجبه إضاءة الغرفة..  فتح ستائر نافذته.. ولحسن الحظ تناسبت  موسيقاه الحزينة التي كان يسمعها.  مع تلك الصورة خلف النافذه..  لبلدة أضحت خراباً.. بين حرقٍ وقصفٍ..ونسف.. ولا يبدوا له أن داره ستبقي طويلاً..  فربما تفني قبل أن ينهي لوحته..  والتي ربما اختار أن يرسمها..  بديلاً عن الكتابة.. لأنه فقط من سيراها.. حيث لم يعد في بلدته أحد.. والآن سيشرع في الرسم..  علي الجانب الأيسر للوحة..  يرسم خطوات قادمة من بعيد..  لرجل في منتصف العمر..  رأسه مشوهة..  وثيابه سوداء..  ويحمل في يده جرة..  تشبه الإبريق النحاسي القديم..  لكنه يمتلئ بالدم..  يسير به إلى منتصف اللوحه..  والتي يرسم بها شجرة..  كثيفة الأوراق.. قوية الفروع.. تنافس الزمن..وقد مضت حُقُبا.. جذورها تمتد لتشمل أسفل اللوحة..  وكأن جذورها شجرة أخري..  تعكسها صفحة الماء..  ويأتي ذاك الرجل..  ليسكب الدماء يسقي بها الشجرة..   لتتحول ثمارها الي رؤوس أقوام..  مذبوحة ومقتوله..  ويتساقط حول الشجرة بعضها..  وعلي يمين اللوحة..  يرسم نهراً رقيقٌ ماؤه..  بديع صنعه..  تترامي حدوده..  لكن تنبت حوله أشواك..  يسقيها ويرعاها..  ويأبي أبداً أبداً..  أن تمتد فروعه لتسقي الشجرة العريقة ...  أما سماء اللوحة فلا تختلف كثيراً عن الصورة التي خلف النافذة..  سحبٌ سوداء.. خلفتها نيران القصف..  تُنذر بريح عاصف..  ولا أدري لما رسمت الصحفي بجوار الصورة ميتاً.. قد وضع ذقنه في منتصف صدره ... بعدها  ارتعدت مفاصلي حتي تركت اللوحة وألقيت فرشاتي ..  وهرولت الي النافذه أفتحها..  وأستنشق عبير بلدتنا العذب..  أشكر الله علي نعمة العيش في أمان.. حتي هدأت نفسي..  ثم عدت لأنظر  الي لوحتي مرة أخرى..  ولا أخفيكم سراً.. برغم فرحتي أنا مدينتي بأمان..  إلا أنني ضاق صدري قلقاً  لامتناع النهر من  أن يسقي الشجرة..