د. نصار عبدالله يكتب: ترزية أغسطس.. للفتاوى والقوانين!!

مقالات الرأي



رغم أن لقب: "ترزى القوانين" قد اقترن بوجه خاص بطيب الذكر الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب على مدى العشرين عاما الأخيرة من حكم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، ورغم أن اقتران هذا اللقب به لا يخلو من الحقيقة لأن مهمته الأساس كانت فى حالات كثيرة تفصيل قوانين بعينها على المقاس الذى يطلبه الحكام، رغم ذلك فهناك من سبقوه ومن لحقوا به أيضا فى مهنة التفصيل ..وهناك فى الواقع من هم أجدر منه بهذا الوصف لعل من أشهرهم: عبدالرازق السنهورى رئيس قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة وسليمان حافظ الذى كان نائب الرئيس عام 1952 عندما نجح تنظيم الضباط الأحرار من خلال ما عرف وقتها بحركة 23يوليو وبعد ذلك بثورة يوليو، نجح فى الإمساك بمقاليد الأمور فى البلاد، وحينئذ قام السنهورى وحافظ كلاهما بوضع نفسيهما ومعرفتهما القانونية فى خدمة ضباط الحركة وصاغا لهم أهم وثائقها الأولى وفى مقدمتها وثيقة تنازل الملك عن العرش التى جاءت على هيئة أمر ملكى هو الأمر رقم 65 لسنة 52الذى كانت صيغته كالتالى: "نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان، لما كنا نطلب الخير دائما لأمتنا، ونبتغى سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة فى تجنيب البلاد المصاعب التى نواجهها فى هذه الظروف الدقيقة، ونزولا على إرادة الشعب . قررنا النزول عن العرش لولى عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا هذا إلى صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه" صدر بقصر رأس التين فى 4 ذى القعدة 1371هـ 26يوليو 1952"، وفى تمام الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم غادر الملك فاروق البلاد على متن يخت "المحروسة" متجها إلى منفاه فى إيطاليا، وبرحيله انتقلت سلطاته الدستورية نظريا إلى ولى العهد أما السلطات الواقعية فقد كانت فى أيدى مجلس قيادة حركة يوليو بالفعل منذ أن نجح الثوار فى الاستيلاء على مقاليد السلطة، لكنهم لكى يضفوا غطاء دستوريا على سلطاتهم كان يتعين عليهم أن يصدروا قراراتهم باسم ولى العهد، وهنا واجهتهم معضلة قانونية وهى أن ولى العهد مازال طفلا فى المهد، وبالتالى فإنه طبقا لدستور 1923 الذى كان مازال ساريا لا يحق له ممارسة صلاحياته وسلطاته إلا من خلال مجلس للوصاية يتم اختياره حسب أحكام الأمر الملكى رقم 23لسنة 1922، وأهم من هذا أن مجلس الوصاية يتعين عليه طبقا لأحكام المادتين 51و52من الدستور قبل ممارسة تلك الصلاحيات أن يؤدى اليمين التى يؤديها الملك أمام مجلسى البرلمان مجتمعين: النواب والشيوخ، وفى حالة وفاة الملك يجتمع البرلمان بحكم القانون خلال عشرة أيام من الوفاة، فإن كان المجلس منحلا وكان الموعد المعين لاجتماعه بعد انتخاب أعضائه يجاوز اليوم العاشر، وجب أن يعود المجلس المنحل للعمل حتى يجتمع المجلس الذى يخلفه، ورغم وضوح ما نص عليه الدستور، إلا أن مجلس الدولة برئاسة السنهورى عقد اجتماعا فى شهر أغسطس عام 1952 ليخرج بنتيجة مؤداها أن ما ورد فى الدستور ينطبق فقط على حالة وفاة الملك ولا ينطبق على تنازله عن العرش الذى لم يرد فى أى نص دستورى، ولا محيص إزاء هذا القصور من استنباط الحل المناسب، وهو إصدار تشريع جديد المصرية، يعالج خصيصا الحالة المعروضة، حالة نزول الملك عن العرش وانتقال ولاية الملك إلى خلف قاصر. وهذا هو ما حدث فقد تم تفصيل القانون الذى يثبت دعائم سلطة الأمر الواقع، الغريب أنه لا السنهورى ولا سليمان حافظ قد قبضا أجر التفصيل، بل على العكس فبعد ذلك بشهور قليلة، تحديدا فى أثناء أزمة مارس 1954حينما اشتدت المطالبة من جانب القوى الوطنية لقيادة الثورة بإعادة الحياة الديمقراطية، وحين انحاز السنهورى إلى تلك المطالبة تم ضربه بالحذاء على وجهه بالمعنى الحقيقى لا المجازى، وفى التاريخ دائما دروس وعبر!