"الفجر" تجري حوارا صحفيا مع أسرة الناجي الوحيد من محرقة "الدوابشة" بقرية دوما في فلسطين

عربي ودولي

بوابة الفجر


31 يوليو 2015، ذلك التاريخ الذي لن يُمحى من الذاكرة، وكلما تجددت ذكراه الواقعة مكانا في قرية دوما، محافظة نابلس في الضفة الغربية، فلسطين، تكون حاضرًة بالدموع والآلام، بل بالدماء، على إجرام الاحتلال الإسرائيلي، الذي يشهد عليه كل ركن من أركان بيت عائلة الدوابشة، إذ يخلّد ذكرى مع غايتها في الشناعة، إلا أنها تبيّن حجم الإجرام الذي يرتكب يوميًا ضد الفلسطينيين، بواسطة المستوطنين الإسرائيليين، الذين يفوق إجرامهم الحدود، ويتعدى جميع الأوصاف، بحرقهم عائلة كاملة "الدوابشة".

ولم ينج من أسرة الدوابشة، إلا طفل واحد "أحمد"، قد شُوّه جميع جسده؛ نتيجة للحرائق التي كادت أن تلتهمه بالكلية، على غير ما حدث لبقية أفراد أسرته، التي استشهد جميع أفرادها، فالأمّ "رهام حسين الدوابشة" فارقت الحياة بعد الحادثة بـ 36 يوما، تحديدًا في 6 سبتمبر 2015، فيما رحل الرضيع "علي" الدوابشة، ورحل معه رب الأسرة "سعد" الدوابشة.

وفي الذكرى الثانية لتلك العملية الإجرامية، أجرت "الفجر" حوارًا مع أسرة "الدوابشة" التي تحتضن الطفل "أحمد"، وهو الطفل الوحيد الذي نجا بمعجزة من هذا الحادث، حيث يحتضنه جده لأمه "حسين" الدوابشة وخاله "عبد الرحمن".


"علي" الرضيع ابن بنتي كان عنده 18 شهرًا داخل النار لم نستطع مساعدته أو إنقاذه
وبعين يملأها الدموع والآلام، سرد لنا الجد، ذكرياته حول هذا الحادث، فيقول "كان الطقس حار جدا وما قدرت أنام داخل البيت فطلبت من زوجتي أن نصعد إلى سطح البيت، صعدت زوجتي وإذا بالنار والدخان الكثيف عن بعد كيلو وقالت لي بيت رهام ابنتك يحترق".

ويتابع الأب "لما ذهبت إلى المكان وجدت أن البيت صحيح قد احترق فسالت الموجودين أين ابنتي وزوجها وأطفالها؟ فقالوا لي إن "علي" الرضيع بن بنتي وكان عنده 18 شهرًا داخل النار لم نستطع مساعدته أو إنقاذه".

ويستطرد قائلا "بعدها ذهبت إلى المشفى في نابلس، شاهدت "رهام" وزوجها وكان "سعد" يطلب أن ينام و"رهام" تطلب الماء، بعدها دخلوا العناية المكثفة وأجروا لهم الإسعافات الأولية، سألت الطبيب عن حالتهم، فقال لي إن وضعهم حرج، وقال لي أيضا إن المستشفيات التي توجد في الضفة غير قادرة على مساعدتهم وعلاجهم وسوف نحولهم إلى المستشفيات داخل إسرائيل".

إلى الرفيق الأعلى
سألناه كذلك عن اللحظات الأخيرة في حياة الشهداء الثلاث فأجاب، قائلا: "الرضيع علي ظل داخل المنزل ولم نستطع إنقاذه حتى جاءت فرق الإنقاذ، وقد عثروجدنا أجزاء من جسده غير موجودة، أما سعد الأب قد استشهد بعد مرور سبعة أيام من الحادث، والأم رهام عانت مده 36 يوم وهي تصارع الموت، إلا أن القدر كان أقوى منها، فاستشهدوا وارتقوا إلى الرفيع الأعلى".

ويتحدث عن حالته النفسية، فيقول: "حالتي النفسية كانت محطمة ولا يوجد لدي أي كلمه أقدر أتكلم بها عن هذا الحادث الأليم، كانت الساعات الأولى على مرور الحادث عليّ أصعب أيام حياتي، وكانت قاسية، ومهما تكلمت لن أستطيع أن أصف لكم الحالة النفسية التي كنت فيها".


البيت سيكون متحفًا شاهدًا على جريمة العدو الإسرائيلي
انتقل والد الشهيدة "رهام" إلى التحدث عن مصير بيت عائلة الدوابشة الذي تم حرقه على أيدي المستوطنين فكشف عن ذلك بقوله " لا، لم يستولوا عليه، فشل المجرمون في ذلك، البيت بقي كما هو، وسيكون متحفًا شاهدًا على جريمة المستوطنين واليهود".


كل لحظة يطلب الذهاب إلى الجنة ليلتقي والديه وأخيه
يحتضن الجد "حسين" الطفل "أحمد" وهو الناجي الوحيد من تلك المحرقة، حيث يتحدث عن الطفل وكيف أحيا الذكرى الثانية لهذا الحادث الأليم فيقول "عن ماذا سأتحدث وماذا سأصف لك، حالة طفل عمره لا يتجاوز السبع سنوات، وهو في كل لحظه يطلب والديه وأخيه، أحمد يتمنى بكل لحظه أن يكون مع والديه".

ويضيف "الطفل يفهم أن الأمور ما هي إلا مسألة وقت وأنه سيلتقي بهم وهذا يطلبه باستمرار، أن يذهب إلى الجنة كي يلتقي أحبته، هو يعتقد أن الجنة مكان وسوف يذهب إليه بعد وقت معين"، حسب وصفه.


أجرى 40 عملية.. والعلاج سيستمر أكثر من 8 سنوات
وعن الإصابات التي أصيب بها الطفل "أحمد" جراء إشعال النيران فيه، يقول "أحمد أصيب بحروق تقدر بنحو 67%، أما بالنسبة لعلاجه فلقد أجرى أكثر من أربعين عملية، وسوف يستمر علاجه أكثر من ثماني سنين عدا عن إذنه التي فقد ثلثها وسوف يخضع لعملية بأذُنه..أحمد عكس الجميع كلما كبر ازداد جرحه وآلامه".

هناك قضايا مرفوعة لكن الاحتلال يماطل فيها
لم ينس الجد حاضن الطفل "أحمد" التأكيد على إجرام الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما في مماطلته التي عرفت عنه، فليس بغريب عن محتل، أن يحمي القتلة، عبر المحاكمات الوهمية، حتى وإن ظهر إجرامهم عيانا، وفي هذا يؤكد الجد "حسين" عند سؤاله بوجود قضايا مرفوعة ضد القتلة والمجرمين، قائلا: "نعم هناك قضايا مرفوعة حاليا على المجرمين لكنها مهزلة وليست محاكمة، اليهود يكيلون بمكيالين لو كان فلسطيني عمل عمل مثل هذا كان اتحاكم خلال أيام، بس هون العكس يتعاملون خوف على نفسيته لا تتعكر" مضيفا "مرّ سنتين على الجريمة لغاية الآن لم يصدر أي حكم ضدهم".


منعونا من الصلاة في المسجد الأقصى وأصبحنا في نظرهم إرهابيين
لم يكتف العدو الإسرائيلي بضياع دم هؤلاء الشهداء من عائلة الدوابشة، بل وصل الحد إلى أنه يتعامل مع أي فرد من العائلة يحمل اسم "الدوابشة" على أنه إرهابي، وعليه يمارس مضايقات ليس لها مثيل، وفق ما أكده جد الطفل الذي أكد، "من بعد الحادث صرنا في نظرهم ناس إرهابية ونتعرض لكثير من المضايقات، والدليل أنهم منعوا العائلة من الدخول إلى القدس، والدخول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه، فنحن ممنوعون من ذلك كله".

ويضيف "من يريد الدخول إلى القدس يجب أن يحصل على تصاريح وإحنا ممنوع أن نحصل على تصريح من بعد الحادث".


كل يوم سلب ونهب للأراضي وجرائم المستوطنين تتم بحماية من الجيش الإسرائيلي
يتحدث أيضا خال الطفل "عبد الرحمن" الدوابشة فيقول " دائما يفلت الاحتلال قطعان من المستوطنين، وبحماية من الجيش الإسرائيلي، على معظم القرى الفلسطينية، وهناك جمعيات إسرائيلية تدعم المستوطنين لتنفيذ ذلك".

ويؤكد على تلك الجرائم بقوله " المستوطنون بالشوارع الفلسطينية يرشقون المركبات بالحجارة، ويغلقون الشوارع بحماية من جيش الاحتلال، حواجز بكل مدخل، تفتيش، تخريب، كل يوم في سلب أراضي وبكل منطقة من فلسطين".


إحنا مرابطين في أرضنا وبيوتنا إلي آخر نفس
يشير كذلك جد الطفل "أحمد" عن حجم الإجرام الذي يحدثه الاحتلال للسيطرة على البيوت والأراضي لإقامة المستوطنات اليهودية، فيقول: "الاحتلال هدفه تهجير أصحاب الأرض، لكن هذا الشيء مش راح يحلموا فيه، إحنا مرابطين، في أرضنا وبيوتنا إلي آخر نفس في حياتنا".

وينهي حديثه بصوت يملأه الرضا: "الحمد لله رب العالمين الذي اختار منا الشهداء ونحن مثل شجره الزيتون عندما يقطعها تنبت من جديد..والحمد لله رب العالمين الذي أبقى لنا صلاح الدين غصن من هذه الشجرة وسوف ينبت بإذن الله ويكون غصن قوي".