محمد علي يكتب: "ليل داخلي" يعيد لـ بشرى بريقها السينمائي

الفجر الفني

بشرى
بشرى


-بشرى المتطورة تقتحم سينما الغموض والتشويق

يعد نموذج أفلام الغموض والتشويق هي الخلطة التي تنال إعجاب الكثير من الجمهور، الذي يذهب للبحث عنها في الأفلام الأجنبية ليشاهد فيلم مكتمل العناصر ووجبة مشوقة تعطيه إحساس بالإستمتاع أثناء المشاهدة، وهو ما اتجه إليه منتجين السينما المصرية في السنوات الأخيرة حرصًا على إرضاء الجمهور المصري وتقديم له خلطة يحبها ويبحث عنها في أعمال الغرب.

ولعل من أبرز أفلام الغموض والتشويق المصرية التي حققت نجاحًا في السنوات الأخيرة على رأسها فيلم "الفيل الأزرق" عن رواية بنفس الإسم للكاتب أحمد مراد، إخراج مروان حامد، كما قدم المخرج كريم العدل والمؤلف عمرو سلامة خليط إثارة وتشويق حقق نجاحًا ملحوظًا وهو فيلم مصور قتيل لـ "إياد نصار"، كما حققت البطولة الجماعية لفيلم "خانة اليك" نجاحًا ملحوظًا مع خليط من الإثارة والغموض للمؤلف لؤي السيد والمخرج أمير رمسيس، وهو ما إستطاع تحقيقه المؤلف شريف عبدالهادي مع المخرج حسام الجوهري من خلال فيلم "ليل داخلي" حيث قدما فيلم مصري يحمل الكثير من الغموض مع التشويق بتوليفة مبهرة حتى آخر دقيقة في الفيلم.

ذهبت كأي صحفي لتغطية العرض الخاص لفيلم "ليل داخلي" ومشاهدة تفاصيل العمل وردود أفعال الجمهور بحضور أبطاله والذي أقيم بسينما "داندي مول" بالطريق الصحراوي، ومن داخل قاعة عرض الفيلم إتخذت مقعد هاديء بعيدًا عن الجمهور والفنانين محاولًا التركيز في أدق تفاصيل العمل، وأقدمت على ذلك بسبب حبي الشديد لتمثيل الفنانة بشرى، لأنها من وجهة نظري لم تظهر نصف إمكانيتها وطاقتها في التمثيل حتى هذه اللحظة، ولكني أحاول أن أكون حياديًا في كتابتي لهذا المقال.

-تسلسل الأحداث في إيقاع هاديء وغامض

بدأ الفيلم بسلسلة مشاهد متتالية في إيقاع سريع غامض لعدة شخصيات دون معرفة صفتهم أو وظيفتهم بالعمل، بدءًا بمشاهد غامضة لـ"بشرى" في حالة إنهيار مع "أيمن القيسوني" تسرد له بداية حكاية والذي يتبين منها أنه ظابط يبحث عن حقائق وهو ما جذب إنتباه المشاهد من أول لحظة في العمل.

يليه مشهد لمؤتمر صحفي تتحدث فيه "بشرى" التي تجسد شخصية منتجة شهيرة تدعى "راجية فريد" تقوم بالتحضير لأهم أفلامها بعنوان "الجريمة" ليظهر خلال المؤتمر الصحفي شخص غامض يجسد شخصيته الفنان "محمود حافظ" والذي يقتحم المؤتمر في غموض ونظرات توحي بأسرار وتفاصيل سيتم كشفها خلال أحداث العمل، والذي قدم نفسه كصفحي مدعو لحضور المؤتمر، ليتضح بعد ذلك أنها ظابط ينبش عن أسرار جريمة قديمة كانت أحد أطرافها المنتجة "راجية فريد" التي قامت بتغيير إسمها إلى "راچا"، في سلسلة من الأحداث المشوقة والغامضة، والتي لن أسعى في سردها في أول أيام عرض العمل اليوم 16 أغسطس حتى يذهب المشاهد ويعيش حالة الفيلم لمدة ساعة ونصف من التشويق والغموض والإثارة.

تم تقديم شخصيات العمل وأبطاله بإيقاع هاديء ومقنع ولكن في غموض تام حيث ظهرت بشرى، في بداية أحداث الفيلم بتفاصيل محددة ومعلومة للمشاهد بتجسيدها دور منتجة شهيرة، أما عن باقي الأبطال فحتى النهاية بدقائق قليلة ظلت شخصيات الفنانين محمد يونس ومحمد السويسي، بمعلومات شحيحة للمحافظة على غموض الأحداث بطريقة أكبر.

- تسليط الضوء على تفاصيل واقعية داخل صناعة السينما

تدور أحداث الفيلم فى إطار من الإثارة والتشويق حول كواليس صراعات صناعة السينما، من خلال جريمة تحدث أثناء تصوير أحد الأفلام لتكشف النقاب عن فساد بعض المنتجين والطرق غير المشروعة التى يتم اللجوء إليها للحصول على تمويل الأفلام من خلال حياة منتجة شهيرة تدعى "راجية فريد"، وتم تسليط الضوء على عدد من السلبيات الموجودة في صناعة السينما بشكل جريء من خلال المؤلف.

*إنتحال الشخصيات:-

من أهم النقاط التي تم تسليط الضوء عليها هو إنتحال شخصية "صحفي" ودخوله لمؤتمر لمنتجة مشهورة دون التأكد من هويته، وهو ما نواجهه في الواقع حيث يقتحم المؤتمرات والندوات والعروض الخاصة مجموعة لا تمت بالصحافة بصلة من قريب أو بعيد ويتسببون في عدة مشاكل التي تسيء من سمعة الصحفيين.

*إختيار المنتجين لفتيات تفتقرن للموهبة:-

من واقع الحياة في مجال الميديا والتي نسمع عنها الكثير، هو إستغلال المنتجين لعدة فتيات يحلمن بالتمثيل فيقدم لهم المنتج عرضًا تقدم فيه الفتاة تنازلات رخيصة للوصول لحلمها، وهو ما جسدته "فتاة البورنس" التي قامت بشخصيتها الفنانة منى ممدوح، في مشاهد إغراء صريحة والتي أتقنت أدائها بشكل جيد أثنى عليه الحضور.

*استغلال المنتجين للوجوه الجديدة في أعمال منافية للآداب:-

كشفت "راجية فريد" خلال الأحداث أن "عدلي" الذي يجسد شخصيته الفنان علاء زينهم ويقوم بدور منتج بأحداث العمل عن تورطه في غسيل أموال لرجال أعمال، وإستغلال الوجوه الجديدة في أعمال منافية للآداب خارج وداخل مصر، وهو يتردد في هذا المجال بالواقع.

*إقتحام ومشاركة شخصيات مجهولة في مجال الإنتاج:-

أوضحت "راجية فريد" التي تجسد شخصيتها الفنانة بشرى، أن المنتج "عدلي" كان له شريك مجهول في إنتاج العمل الذي يتم تصويره ولم يحضر التصوير سوى مرة واحدة، وليس له علاقة بالإنتاج بل إستثمار بسيط في محاولة إكتسابه برستيج في السوق.

*الكشف عن حقيقة الضباط الفاسدين:-

اتضح من خلال الأحداث الغامضة للعمل عند سرد المنتجة "راجية" تفاصيل الواقعة عن إشتراط ضابطين فاسدين لبيع الأحراز لتجار المخدرات من خلال إتفاقات تتم معهم على مقابل مادي، وهو ما إتضح في النهاية أنه غير صحيح بعد إكتشاف حقيقتها، وهو ما يسلط الضوء على شيء هام أصبحنا نتجاهله وهو البحث عن الحقيقة والإبتعاد عن تصديق حكايات تسرد في مجالس بدون دلائل واضحة، ومهاجمة الشرطة في أعمال سينمائية وعلى مواقع "التواصل الإجتماعي".

*صاحب الحق قوي ولو كان أعزلًا:-

إستطاع الفنان محمود حافظ الذي يجسد شخصية ظابط شقيق "أيمن القيسوني" أن صاحب الحق قوي، بعد أن يبحث عن خيوط ودلائل في محاولة للوصول للحقيقة وإسترجاع سمعة شقيقه التي تم تشويهها ولم يقتنع بها، والذي نجح في كشف المنتجة "راجا" وإسترجاع حق شقيقه المتوفي.

-طاقات تمثيلية جديدة لـ بشرى في "ليل داخلي"

*إيجابيات وسلبيات

خبرة ونضوج بشرى، فاق كل التوقعات حيث ظهرت بشكل مفاجيء للجميع ليس من الجديد تفوقها في عملها، ولكن هذا العمل يعتبر من أصعب الشخصيات التي قدمتها حيث قدمت شخصية مركبة جسدت الواقع الأليم الذي يعيشه كل حالم بالمال والشهرة، إستطاعت أن تقدم توليفة من الإثارة والتشويق مع عدد من مشاهد الحركة التي قامت بإتقانها وإبراز أحاسيسها ومشاعرها بدقة وأثبتت أنها تحمل طاقات تمثيلية مختلفة وصادقة تقتحم قلب الجمهور وتستطيع أن تحمل عمل على أكتافها وتنافس به أمام النجوم، حيث إستطاع "ليل داخلي" أن يعيد بريق بشرى إلى السينما المصرية.

أداء متميز من فنانين شباب يحملون الموهبة، حيث أبهر الفنان مصطفى يوسف الجميع بإتقانه دور المخرج الذي يرفض تقديم أي أعمال رخيصة يتخللها أي مشاهد إسفاف، كما تميز الفنان محمد يونس، وفاجأ الجميع بتقديم شخصية غريبة وشريرة بأداء مختلف وملفت رغم أن الشخصية تضح في النهاية عكس ذلك تمامًا، خطفت الفنانة منى ممدوح الأضواء منذ ظهورها بشخصية البنت المغرية التي ترافق المنتج الذي يجسد شخصيته الفنان علاء زينهم، بطريقة جذابة تحمل خفة الظل التي ظهرت في عدد من المشاهد مع مشهد الإثارة الملفت ولكنه جاء في خط درامي واضح داخل العمل

يتجه دائمًا مخرجي ومؤلفي الأعمال التي تحمل جانب من التشويق الغموض إلى تقديم تفاصيل القصة عن طريق بطل العمل من خلال سرده للأحداث، وهو ما يطفيء بريق العمل من البداية ولكن هذه المرة لمع كان المخرج موفقًا في إبراز الصورة مع السرد بطريقة جذابة للمشاهد مما تشتت تفكيره ليبدأ في البحث ومحاولة ربط الخيوط بذهنه لتوقع الأحداث القادمة، ولكن السيناريو فاق كل التوقعات حتى نهاية الأحداث بإيقاع غامض وحقائق جديدة تجذب الإنتباه.

تم إستخدام الزاوية العلويا للكاميرة عدة مرات قبل نهاية العمل بعدة مشاهد في مشهد ظهور حقيقة المنتجة "راچا"، والتي من المفترض أن يتم إستخدام تلك الزاوية للتعبير عن شيء ما مثل الصغر أو الضآلة أو للتعبير عن نهاية الفيلم، وهو ما حدث بالفعل حيث أوحى ذلك للجمهور بقاعة عرض الفيلم بأن ذلك هو مشهد النهاية والذي إنتهى بالتصفيق وهم أغلبهم بالوقوف، ليفاجئوا بإستكمال الأحداث المتبقية وظهور مفاجآت غير متوقعة وهو ما ساعد في تجاهل هفوات المخرج في الزوايا المستخدمة.

أما عن الإفراط في مشاهد القتل المتتالية بدون خطوط درامية وأسباب قوية وتفاصيل عن الشخصيات الموجودين في المشاهد تحول إلى مشاهد شبه كوميدية مما جعل أصوات الضحك في القاعة في تزايد حتى إنتهى بمشهد مقتل ممثل من طاقم تصوير عمل داخل الفيلم فور وصوله للوكيشن الذي حول القاعة لهيستيرية ضحك، أعتقد أن المخرج حاول تحويل المشهد لصالحه بعد هفوات مشاهد القتل الغير مسببة.

-الخلاصة

كل هذا يُحي لنا لمعادلة صناعة أفلام الغموض والتشويق، التي تتمثل في الفنان أو الممثل والمخرج والنص السينمائي السيناريو، لنجد أن خلطة الغموض ذو النكهة الأمريكية حاضرة وبقوة بين طيات العمل.

وبتأملنا عناصر المعادلة السابقة سنجد أن العنصر الرئيسي هو الفنانة بشرى، وقد ساهم السيناريو في تقديمها كما ترغب في تقديم نفسها باعتبارها قد عملت لسنوات في مجال الإنتاج السينمائي، فهي تمثل واقع موجود في مجال الإنتاج، وبالإنتقال إلى العنصر الثاني وهو السيناريو، نكتشف بناءه القائم على الصراع مع الغموض ذي مستويات متعددة، المستوى الأول: صراع لكشف تفاصيل القصة؟، وهو الصراع الأكبر الذي احتل أغلب الوقت وبالتالي أغلب المشاهد كانت لسرد التفاصيل أما المستوى الثاني، صراع داخلي لبشرى بين ماضيها وحاضرها وما تعرضت له، أما الطرف الثالث فهو المخرج حسام الجوهري، الذي قدم خليط جديد من الإثارة والغموض لمدة ساعة ونصف نال إعجاب الجمهور رغم استسهال السيناريو، مع العلم بأنه يقع ضمن مسؤوليته كمخرج للعمل في النهاية.

في النهاية فيلم "ليل داخلي" يظل فيلمًا لطيفًا ومكتمل العناصر رغم هفوات السيناريو والإخراج وجرعة مشاهد القتل المفرطة بدون أسباب مقنعة، ولعلّ الميزة الأكبر هي إثبات القدرة على تقديم أعمال مصرية تحمل الإثارة والتشويق والغموض وتنال إعجاب الجمهور دون أي إسفاف أو إستخفاف بالعقول.