بنظرة حذرة على إيران.. تقارب "سعودي - عراقي" صريح قد يقلب الموازين في المنطقة

عربي ودولي

ولي العهد السعودي
ولي العهد السعودي ومقتدى الصدر


كان اجتماعا غير عادي عقده رجل دين شيعي عراقي صريح العداء للولايات المتحدة في قصر يحتسي العصير بدعوة من ولي عهد المملكة العربية السعودية "المملكة السنية " التي تعد حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وكما أوردت وكالة أنباء "رويترز"، في نسختها الإنجليزية، فبالنسبة لكافة هذه التعقيدات، فإن دوافع اجتماع 30 يوليو في جدة بين مقتدى الصدر وولي العهد، محمد بن سلمان يعتبر جرأة ماكرة وتركيز على المصلحة المشتركة في مواجهة النفوذ الإيراني في العراق.

أما بالنسبة إلى "الصدر"، الذي كان لديه عدد كبير من الفقراء في بغداد ومدن جنوب العراق، فقد كان جزءا من الجهود الرامية إلى تعزيز صورته العربية والقومية قبل الانتخابات، حيث يواجه خصوم شيعة مقربين من إيران.

وبالنسبة لولي عهد المملكة، فإن الاجتماع، والمحادثات مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في يونيو، هي محاولة لبناء تحالفات مع القادة الشيعة العراقيين من أجل صد النفوذ الإيراني.

وقال المحلل أحمد يونس، المقيم في بغداد، إن "زيارة الصدر للمملكة العربية السعودية تعد تحولا جريئا في سياسته الرامية إلى توجيه رسالة إلى الدول السنية الإقليمية ذات النفوذ وإن كل الجماعات الشيعية لا تحمل شعار "صنع في إيران".

وأضاف، أن هذه السياسة قد اكتسبت أهمية أكبر الآن بعد أن تراجع تنظيم "داعش" في شمال العراق، مما أعطى السياسيين الوقت للتركيز على القضايا المحلية قبل انتخابات مجالس المحافظات في سبتمبر والتصويت البرلماني في العام المقبل.

وقال علي خيضري الذي كان مساعدا خاصا لخمسة سفراء أمريكيين في العراق، "هذه خطوة تكتيكية واستراتيجية على حد سواء من قبل الصدر، ويريد أن يلعب السعوديين ضد الإيرانيين، ويبتز كلا الجانبين للحصول على المال والغطاء الدبلوماسي".

شر لا بد منه
وفي نهاية المطاف، يسعى "الصدر" إلى القيام بدور قيادي في العراق يسمح له بتشكيل الأحداث دون أن يتورط في الإدارة اليومية، الأمر الذي قد يضعف شعبيته ودبلوماسييه ومحللوه.

ومن شأن هذا الدور - الدليل الديني والمالك السياسي - أن يتناسب مع الوضع الأبوي الذي تتمتع به سلالة الصدر الدينية للعديد من الشيعة العرب في العراق ولبنان والكويت والبحرين.

وبعد أيام من اجتماع جدة، التقى الصدر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي الذي اتخذ موقفا حاسما ضد طهران، والقوة الأجنبية المهيمنة في العراق منذ انتهاء الغزو الأمريكي عام 2003 من حكم الأقلية السنية.

ومنذ ذلك الحين، زادت إيران من نفوذها الإقليمي، حيث قادت قواتها وميليشياتها المتحالفة القتال ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وتمارس الهيمنة في بغداد.

وبالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تعتبر نفسها معقل الإسلام السني، فإن النفوذ الإيراني الأقل في العراق سيكون نصرا كبيرا في التنافس الذي يدعم الصراع في الشرق الأوسط.

وصرح "الصدر" لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية المملوكة للسعودية، الأسبوع الماضي، أن "هناك خطط لتأمين السلام ورفض الطائفية في المنطقة"، وقال "من الضروري إعادة العراق إلى الطية العربية".

وتؤيد واشنطن التقارب بين السعودية والعراق، لكن تبني "الصدر" يثير تساؤلات حول ما إذا كان يعتبر شخصا معروفا بمناهضته للولايات المتحدة كرمز جدير بالثقة.

وقال المسؤول "إن زياراته للمنطقة والزيارات البارزة من جانب العراق كانت جيدة بشكل عام، لأنهم يريدون أن يواجه العراق دول الخليج مما يساعد على تحويل انتباهها - دول الخليج - عن إيران".


تأثير محدود
وقال سياسي قريب من "الصدر"، إن اجتماع جدة يهدف إلى بناء الثقة والتخفيف من الخطاب الطائفي بين البلدين.

وقال علي الشهابي، المدير التنفيذي لمؤسسة "الجزيرة العربية" التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، إن "التقارب هو اختبار حذر مع حكومة العبادي وبعض مراكز النفوذ الشيعية مثل الصدر ووزير الداخلية".

وأضاف، أن مدى الإنفراج يمكن أن يكون غير واضح: إيران لها نفوذ سياسي وعسكري واقتصادي كبير في العراق. وتعكف السعودية على اللحاق بالركب بعد أن أعادت فتح سفارة لها في بغداد، في عام 2015، بعد انقطاع دام 25 عاما، بسبب الغزو العراقي للكويت.

وقال واثق الهاشمي، رئيس مجموعة الدراسات الاستراتيجية العراقية في العراق، إن "إيران ستبقى اللاعب الرئيسي في العراق، على الأقل خلال السنوات العشر المقبلة مهما تفعل السعودية ودول الخليج".

وقال "خيضري"، إن السعودية ودول الخليج الأخرى لم تكن ماهرة في ممارسة نفوذ خارجي.

وأضاف، "أنهم عادة ما يستخدمون المال فقط في القضايا، وأن المستفيدين من هذه العطايا أصبحوا أثرياء جدا"، وقال إن الإيرانيين في العراق قدموا معلومات استخباراتية ودبلوماسية وأموالا و دعم وقبضة حديدية ضد أي شخص يخرج عن المسار، ومع ذلك، حقق اجتماع جدة نتائج عملية".

وقال مكتب "الصدر" إن هناك اتفاقا على دراسة الاستثمارات في المناطق الشيعية في جنوب العراق. وستنظر الرياض أيضا في فتح قنصلية في مدينة النجف الشيعية المقدسة في العراق.

وقال "الصدر" إن المملكة العربية السعودية ستتبرع بمبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة العراقيين الذين نزحوا بسبب الحرب على "داعش" في العراق، بينما قال وزير النفط العراقي إن الرياض ناقشت بناء مستشفيات في البصرة وبغداد.

وبعد رحلة السعودية، حث "الصدر" الحكومة العراقية على تفكيك الجماعات شبه العسكرية الشيعية المدعومة من طهران والمشاركة فى الحرب ضد "داعش"، وهو موضوع من المتوقع أن يصبح قضية انتخابية كبرى.

وقال مصدر من جماعة "الصدر" المسلحة لـ"رويترز"، إنه بعد الزيارة أصدر أوامر بإزالة لافتات مناهضة للسعودية من مقرها ومركباتها وشوارعها.

وكما قال سياسي مقرب من الصدر، دعا "الصدر" السعوديين إلى "وقف الخطابات العدائية من قبل رجال الدين المتعصبين الذين يصفون الشيعة بالكفار" ووعد ولي العهد الأمير محمد بجهوده من أجل ذلك.

وقد هاجمت المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع مستخدمي "تويتر"، بمن فيهم رجل دين سني متطرف نشر تعليقات مهينة عن الشيعة.

تقارب أوسع
وكجزء من الإنفراج الأوسع، أعلن العراق والمملكة العربية السعودية الشهر الماضي عن إنشاء مجلس لتطوير العلاقات الاستراتيجية.

وكان مجلس الوزراء السعودي قد وافق على لجنة تجارية مشتركة للنظر في الاستثمار، في حين ذكرت صحيفة يومية سعودية أن الدول تعتزم فتح معبر حدودي أُغلق منذ أكثر من 25 عاما، وهي نقطة أثارها الصدر خلال زيارته.

وثمة علامة أخرى على التقارب، وهي اتفاق لزيادة الرحلات المباشرة إلى يومية بشكل أساسي. وقالت وزارة النقل العراقية، إن الخطوط الجوية العراقية تأمل في إعادة فتح مكاتبها في المطارات السعودية لمساعدة العراقيين على السفر إلى المملكة خصوصا في مجال الحج. 

ثم هناك تنسيق بشأن سياسة الطاقة.

وباعتبارهما منتجين من منظمة أوبك، تعاون الجانبان في نوفمبر لدعم أسعار النفط. وناقش وزراء الطاقة التعاون الثنائي والاستثمار فى الاسبوع الماضي.

وكان رد الفعل الإيراني على الاجتماعات محدودا.

ونقلت وكالة أنباء فارس الرسمية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية، بهرام قاسمي، قوله، إن "الشخصيات العراقية والمسؤولين لا يحتاجون إلى إذننا أو إرسال تقرير لنا بالسفر إلى خارج العراق".