د. نصار عبدالله يكتب: من الذى ضرب بالحذاء؟

مقالات الرأي



تلقيت تعقيبا على مقال الأسبوع الماضى الذى كتبته عن: "ترزية القوانين"، والذى أشرت فيه إلى تعرض أشهر هؤلاء الترزية.. السنهورى باشا ،وسليمان حافظ، للضرب بالحذاء فى مقر مجلس الدولة بالجيزة، يقول التعقيب إن سليمان حافظ لم يتعرض للضرب ،ولكن الذى ضرب هو الدكتور عبدالرازق السنهورى.. الذى وصفه المتظاهرون (وأغلبهم من الأميين المأجورين كما تبين ذلك فيما بعد).. وصفوه بأنه جاهل.. وبأنه خائن وعميل للنظام البائد!!..، وأقول لصاحب التعليق ..أيا ما كان الذى ضرب، وحتى إذا افترضنا أن الدكتور السنهورى وحده الذى انهالت عليه الشتائم والأحذية، فإن فى هذا إهانة وأى إهانة لسليمان حافظ الذى شارك السنهورى فى إعداد مشروعات القوانين التى من شأنها أن تدعم تلك الحركة (المباركة) التى لم تكن ملامحها وتوجهاتها قد اتضحت بعد بالكامل، ولكن الذى اتضح فقط فى أزمة مارس 1954 هو أنها لم تكن تسعى جادة إلى تحقيق أهم مبادئها المعلنة وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة!!، وهذا هو فى الواقع واحد من أهم أسباب الخلاف الذى نشب بين اللواء محمد نجيب وبين أعضاء مجلس قيادة الحركة الذين جاءوا به لكى يقوم بدور الواجهة المقبولة شعبيا وجماهيريا، بينما كان هو (أى نجيب) يرفض أن يكون مجرد واجهة مرددا عبارته المأثورة: "أنا مش فوزى سلو!"، وفوزى سلو هو لمن لايعلم هو رئيس للجمهورية السورية جاء به أديب الشيشكلى بعد الانقلاب العسكرى الذى قام به فى عام 1951ليكون مجرد واجهة رئاسية صورية بينما صاحب القرار الحقيقى هو قائد الانقلاب: أديب الشيشكلى نفسه، وهذا هو ما دفع باللواء نجيب إلى تقديم استقالته أكثر من مرة قبل أن ينتهى به المطاف فى النهاية إلى تحديد إقامته فى فيللا زينب الوكيل بالمرج، حيث عاش بها وحيدا لا سلوى له ولا عزاء إلا القراءة وتربية القطط والكلاب التى كان يصفها بأنها هى الصديق الوحيد الوفى إلى حد أنه كان يبنى لكل من يموت منها قبرا يدفنه فيه، يكتب عليه عبارة مناسبة، وقد كتب على أحد تلك القبور كما أشرت فى أحد مقالاتى السابقة: هنا يرقد أعز أصدقائى!!.. ونعود بعد الاستطراد إلى تعقيب القارئ العزيز الأستاذ: صابر علام، لكى نقول له مرة أخرى ..أيا ما كان الذى ضرب فى مارس 1954 بعد أن انحاز السنهورى إلى المطالبين بضرورة أن تقوم الثورة بإنجاز وعدها الذى وعدت به جماهير الشعب الذى التف حولها، ومنحها ثقته وتأييده الجارف وأن تحقق له حلمه الدائم بالحرية والديمقراطيه وسيادة القانون، أيا ما كان اسم الذى ضرب، فإنه فى النهاية رأس ورئيس مجلس الدولة الذى هو رمز الانتصاف لأى مواطن من تعسف أى سلطة إدارية غاشمة فى أى مستوى من مستوياتها، وما سليمان حافظ إلا جزء من هذا البناء القانونى شاء له قدره أن يشارك رئيس المجلس فى صياغة كل ما صاغه من مشروعات القوانين التى دعمت حركة الضباط الأحرار، وبالتالى فإن كل ما يصيب الرئيس سوف يكون منصبا عليه بالضرورة حتى ولو لم يقع على جسده الشخصى هو بشكل مباشر، والواقع أن الأحذية التى شهرت فى وجه السنهورى وانصب بعضها عليه، كانت تنصب على الحلم القديم الذى طالما حلم به الشعب المصرى. ربما كان هناك من يسوغون إجهاض الحلم من أجل ضرورات معارك التنمية والبناء واستكمال معارك الاستقلال الوطنى، وهذه هى الضرورات التى يفرضها منطق الثورة بكل ما يستلزمه العمل الثورى من إنجازات سريعة وحاسمة، وربما كان هذا المنطق صحيحا طالما كانت القيادات وطنية خالصة متجردة من الرغبة فى تحقيق المكاسب الشخصية وهو ماكان متحققا بالفعل فى قيادة عبدالناصر، لكن ما الذى يضمن لنا أن تستمر القيادات كذلك بعد أن يستتب لها الأمر وتتعاقب عليها وجوه مختلفة قد لا يكون من بينها من هو فى مثل وطنية عبدالناصر، ثم من بوسعه أن يحول دون وقوع القيادة الوطنية فى أخطاء كارثية؟ كالذى حدث مثلا فى عام 1967.