رامي المتولي يكتب: Black Mirror يفضح المستقبل المرعب للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى

مقالات الرأي



عبر «تويتر» أحد أشهر مواقع التواصل الاجتماعى حسم شخص الجدل حول قضية ما وهو أمر طبيعى ويحدث ملايين المرات يوميًا عبر منصات التواصل الاجتماعى، لكن الشخص والموضوع المحسوم وهو ما جعل الواقعة أهم من أن تمر مرور الكرام، الشخص هو إيلون ماسك مؤسس شركة «تسلا موتورز» وأحد أهم رموز تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعى فى العالم، والجدل مع مارك زوكربيرج مؤسس «فيس بوك» حول اخطار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعى والدفع نحو استقلاليتها عن العنصر البشرى وهو الذى يقلل منه مارك فى حين يرى إيلون أنه خطر حقيقى ويجب البحث فيه وتطويره بحذر.

وجهتا النظر الخاصتان باثنين من أبرز رواد التكنولوجيا فى العالم حاليًا عُبر عنهما فى الكثير من الأعمال الفنية، معظمها يأتى بأكبر قدر من التشاؤمية حول المستقبل، ويتبنى وجهة نظر مبالغة فى إظهار مساوئ هذه التقنيات على رأسها تحكم الآلات فى البشر والسعى للقضاء عليهم أما للسيطرة على العالم أو باعتبارهم هم السبب فى الخراب الذى وصل له الكوكب.

هذه المبالغة تقلل من المخاطر الحقيقية لتقنيات الذكاء الاصطناعى وتجعل السخرية منها أمر وارد الحدوث وعلى أقل تقدير لن يأخذها الكثير من الأشخاص على محمل الجد ومنهم مارك، لكن للذكاء الاصطناعى المُتحكم فيه من البشر اخطاره التى ربما تفوق سيطرة الآلات على العالم والتحكم فيه والقضاء على البشر أو حصارهم أو استعمالهم كوقود، فكرة استغلال هذه التقنية ليتمكن البشر من السيطرة على بشر آخرين أو تصبح التقنيات متاحة ومنتشرة للدرجة التى تغير طبيعة البشر النفسية كما يحدث الآن مع انتشار منصات التواصل الاجتماعى.

مسلسل “Black Mirror” يقدم أسبابا للخوف من التقدم التكنولوجى والذكاء الاصطناعى، المستقبل فى المسلسل يبدو مرعبًا ومقبضا ليس بسبب سيطرة الآلات أو تفوقها بل بسبب ما سيصبح عليه البشر فى حال السعى وراء السعار الإلكترونى بشكل مبالغ فيه، الموسم الرابع من المسلسل على الأبواب، ربما فى أكتوبر المقبل دون أى تأكيد من شبكته المنتجة «نيتفلكس»، لكن المؤكد أنها 6 حلقات جديدة منفصلة فى المواضيع لكن يجمعها التكنولوجيا المتقدمة وكيف تؤثر على البشر بأكملهم.

عام 2011 وضع المسلسل أساسا مخيفا ومرعبا بـ3 حلقات رسم من خلالها شكل العالم مع التقدم التكنولوجى بشكل يعتمد على الرموز والدلالات دون الخوض فى تفاصيل، الحلقة الأولى التى كانت مخصصة للهوس بمنصات التواصل الاجتماعى وكيف استغلها شخص مجهول ببراعة ليجذب انتباه الملايين فى يوم وفى نفس الوقت أذل العائلة المالكة ورئيس الحكومة دون أن يصل له أحد مستخدمًا قوة السوشيال ميديا ورغبة الناس فى متابعة كل ما هو مثير.

قوة الحلقة الأولى ليست فى لفت الأنظار لمخاطر السوشيال ميديا ومنصات التواصل الفورى بين البشر، ولكن فى التأثيرات النفسية التى تعقب أى حدث جلل وتأثيره على المتورطين فيه، فى النهاية أصبحت منصات التواصل والمفترض منها تقريب البشر من بعضهم البعض انتهى بها الحال لتكون السبب فى التفرقة بينهم وتشويههم نفسيا بشكل أكبر وأضخم.

الحلقتان الثانية والثالثة لم تحددا الزمن كما الحال مع الحلقة الأولى لكن تأسس خلالهما عالم المسلسل الذى يناقش قضية مختلفة كل حلقة لكن الرابط بينها هو التكنولوجيا المتقدمة واستخداماتها، الزمن يبدو فى مستقبل قريب، فى الحلقة الثانية يناقش التزاوج المرعب بين التكنولوجيا والثقافة الاستهلاكية، وذلك بأن يقترب من اثنين من العاملين فى توليد الكهرباء وأحلامهما المعلبة التى تسير فى اتجاه محدد سلفًا من قبل بشر آخرين أعلى منهم فى المرتبة من النظرة المقربة نكتشف تسليع كل شىء حتى الحب والمشاعر الإنسانية وهى وسيلة البعض ليسيطر على آخرين ويظلون فى خدمته.

فى الحلقة الثالثة من الموسم الأول أصبح من الممكن خلالها تسجيل كل الأحداث التى تمر بالإنسان من خلال تقنية زرع عدسة فى العين تمكن من التسجيل واستعادة وترتيب الذكريات، هذه التقنية تدمر تمامًا أسرة صغيرة وتكشف الكثير من الأسرار، المميز فى هذه التقنية أنه تم استغلالها فى أكثر من حلقة فى المواسم التالية للمسلسل التى شهدت توقف لعامين عاد بعدهما الموسم الثانى عام 2013 والذى غاص أكثر فى السوداوية.

الموسم الثانى يرسم تأثير التكنولوجيا واستغلالها مستقبليًا فى التعامل مع صدمة الموت، والعقاب على الجريمة، والسياسة، الحلقة الأولى تعتمد بشكل رئيسى على الذكاء الاصطناعى المقنن والذى على الرغم من كونه متفوقا جدًا إلا أنه غير قادر على التطور لدرجة التوازى مع البشر أو التفوق عليهم، لكنه أكثر رعبًا فى الحقيقة لأنه يفقد مع الوقت الغرض الأساسى منه وهو التعامل مع صدمة الموت بعد أن لجأت الأرملة الشابة بتوصية من صديقتها بالتحدث مع برنامج الذكاء الاصطناعى المحاكى لزوجها لتصل فى النهاية لطلب روبوت يطابقه جسديًا وتتحول عقدتها لعدم القدرة على الاستغناء عن الروبوت أو تطوير مشاعر طبيعية ناحية زوجها المتوفى، وتبدو فى النهاية كأنها مسخ توقف عن الشعور وتوقف عند حد معين لم يتخطاه.

الحلقة الرابعة من الموسم الثانى استغلت تكنولوجيا زراعة عدسة وشاشة على القرنية، كما الحال مع الموسم الأول لكنها فى هذا العالم متصلة مع وسائل التواصل ويستطيع مستخدمها بشكل سهل أن يخرج أى شخص من حياته بأن يختار أن يضع فى قائمة المنبوذين «بلوك» مجرد ضغطة على زر متعدد الاستخدام ويصبح الشخص المنبوذ خيالا لا ترى تفاصيله أو تسمع صوته وأصبحت أيضًا وسيلة للعقاب، حيث يمكن أن يخرج المجرم للعالم ويسير بين البشر لكنه منبوذ من الجميع غير قادر على التواصل.

المسلسل توقف لعام آخر وحل موسمه الثالث فى 2016 بعدد حلقات أكثر وصل لـ6 حلقات بعد النجاح الكبير الذى حققه على مدار سنواته السابقة، وكالعادة تناول المسلسل الحلول البشرية لتخطى الموت وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون وسائل للاغتيال المادى والمعنوى، وبالطبع اشغل الصناع التكنولوجيا الأثيرة بالنسبة لهم وهى العدسة والشاشة المزروعة على العين لكنها هذه المرة فى إطار عسكرى يستغلها الجنود لتكون وسيلة للالهاء وعدم السقوط فى بئر الدمار النفسى بسبب القتل .

ليس من المتوقع أن يقل الموسم المقبل عن مستوى المواسم السابقة، سيظل يرسم الأثر المرعب للتقدم التكنولوجى ليس بالسذاجة المتوقعة بأن الإنسان سيعتمد على الآلة والذكاء الاصطناعى  حتى تتفوق الآلة عليه وتحتل الأرض، ولكن سيظل يقيس حجم التشوهات النفسية التى ستحول الإنسان فى النهاية وكذلك سيرصد بشكل تخيلى النمط الذى ستتحول إليه الحياة والتى ستكون مرعبة وجافة كما الحال فى الحلقة الأولى من الموسم الثالث التى أصبحت فيه حياة البشر تعتمد على التقييم الإلكترونى لبعضهم البعض والذى يحدد مدى قبولهم مجتمعيًا.