د. نصار عبدالله يكتب: يعقوب وغالى!

مقالات الرأي



شخصيتان مصريتان حفرتا أثرا عميقا وباقيا فى الذاكرة الوطنية، رغم أنهما شخصيتان نقيضتان، فإحداهما لعبقرى نابغة، والأخرى لأفاق!!...لكن جذور كل منهما تنتمى إلى نفس القرية وإلى نفس المكان: قرية دير تاسا التابعة لمركز البدارى، (حاليا لمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط)، والتى تمثل أهمية خاصة لدارسى التاريخ والآثار باعتبارها موطنا لواحدة من أقدم الحضارات فى العالم...الشخصيتان المقصودتان هما: الجراح العالمى مجدى يعقوب، والأفاق (العالمى أيضا) رياض غالى!.. ورغم أن أيا منهما لم يقدر له أن يعيش فى البقعة التى عاش فيها أسلافه إلا أنه كان يحمل بغير شك تراث الأسلاف الذى يبقى دائما حيا وممتدا عبر الأجيال،... مجدى حبيب يعقوب كان ولا يزال يحمل أجمل ما فى ذلك التراث ورياض مينا غالى مشحون بأسوأ ما فيه، أما الأبوان: حبيب يعقوب من ناحية وبيشارى مينا غالى من ناحية أخرى، فقد كانا ينتميان إلى الطبقة الوسطى المصرية التى انتقلت بفضل التعليم من مهنة الزراعة إلى الوظيفة الحكومية، وبحكم الوظيفة فقد كان الأبوان دائمى التنقل، وهكذا قدر لمجدى يعقوب أن يولد فى بلبيس، فى حين ولد رياض غالى فى شبرا،... ومثل الكثيرين من أبناء دير تاسا كانت الشخصيتان موضع الحديث تتسمان بذكاء متوهج كرسه مجدى يعقوب فى خدمة العلم والإنسانية حتى غدا واحدا من أهم جراحى القلب فى العالم كله، أما رياض فقد كرس ذكاءه فى التسلق الاجتماعى من خلال تركيزه على اصطياد قلوب النساء المحبطات عاطفيا!!، وقد كانت واحدة من ضربات الحظ النادرة بالنسبة له أن يتمكن من إيقاع الملكة نازلى وابنتها الأميرة فتحية بضربة واحدة فى حبائله ناسجا بذلك خيوط مغامرة مثيرة انتهت بعد ذلك نهاية مروعة.. ونعود إلى مجدى يعقوب الذى تعلم فى مصر وتخرج فى كلية الطب جامعة القاهرة عام 1962 حيث ما زال إلى الآن ينسب إلى بلاده الفضل الأول فى كل ما شيده وما بنى عليه بعد ذلك من إنجازات باهرة، بعد أن استقر فى مستشفى هارفلد بلندن وأصبح بفضل تفوقه أستاذا بمعهد القلب والرئة، واستطاع بنبوغه أن يطور تقنيات نقل القلب وأن يدرب على استخدام التقنيات الجديدة أجيالا عديدة من الجراحين فاتحا بذلك أبواب الأمل أمام ملايين الحالات من المرضى ممن كان يعتبر شفاؤهم من أمراضهم قبل تطوير تلك التقنيات أمرا بالغ الصعوبة،... أما رياض غالى فقد سلك طريقا مختلفا فبعد نجاحه فى الحصول على الشهادة الابتدائية من مدرسة ألفرير استطاع عن طريق الواسطة أن يحصل على وظيفة إدارية بالسلك الدبلوماسى المصرى، وهناك ابتسم له الحظ حين سافرت الملكة نازلى للعلاج وفى صحبتها ابنتها الأميرة فتحية، حيث قامت القنصلية بتكليفه لكى يكون مرافقا (أو بالأحرى مشهلاتيا) للملكة والأميرة!!، وهنا استطاع موظف العلاقات العامة الصغير بوسامته وذكائه أن ينفذ إلى قلب الاثنتين، فقد هامت به الأميرة حبا وقررت أن تتزوج منه أيا ما كانت العواقب، وباركت نازلى قرار ابنتها، وبدلا من أن تعود الملكة والأميرة إلى مصر فقد سافرتا معه بعد جولة فى أوروبا إلى الولايات المتحدة حيث تزوجت منه فتحية زواجا مدنيا، ومنحته هى ووالدتها تفويضا كاملا فى إدارة شئونهما المالية فقام بعمليات استثمار فاشلة انتهت بإفلاسهما وبيع ممتلكاتها بالمزاد العلنى !!، وفى عام 1976 كانت نهاية المأساة حين أطلق رياض على رأس فتحية خمس رصاصات قتلتها على الفور، بعدها رصاصة إلى رأسه، لكنه لم يظفر بالموت ولكنه ظفر فقط فى إصابة نفسه بالشلل والعمى، وقد حوكم فى أمريكا وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما قضى منها ثلاثا فقط وهو أعمى ومشلول ثم رحل عن الدنيا.