"حرب الأئمة" تشعل أوروبا بخلايا الدهس

العدد الأسبوعي

حادث برشلونة - أرشيفية
حادث برشلونة - أرشيفية


من يهزم من ..«دعاة» داعش والقاعدة أم «مشايخ» الأمن فى السجون؟

■ رحلة مراهقى برشلونة من المدرسة والبار إلى «غزوات السيارات».. وكلمة السر مباريات كرة القدم


مباراة روتينية فى كرة القدم بين مجموعة من الهواة، معظمهم مراهقون وطلبة مدارس، بينما وحده المشرف على الملعب الصغير هو الأكبر سناً.

مشهد اعتيادى وقابل للتكرارفى أماكن وبلدان عدة حول العالم، لكن أن يكون اللاعبون الأشبال، هم «خيول» داعشية جديدة من هواة الدهس بالسيارات، وأن يكون مشرفهم، ومنظم المباريات، هو نفسه إمام المسجد الذى جندهم، فتلك كانت مصيبة حصرية لبرشلونة وحدها.


فى ذلك الملعب الكائن فى مدينة ريبول الإسبانية، بدأ الإمام الغامض، عبدالباقى السعدى فى استدراج «الصبية» المغاربة عبر هوايتهم المفضلة، حيث برز الإرهابى «الصغير» موسى أوكبير 17 عاماً - «لقى مصرعه خلال اعتداء كامبريلس - فى الملعب، بوصفه «أفضل اللاعبين والأكثر بهجة».

فى نفس صالة الألعاب الرياضية التى استأجرها «الإمام»، أعطى إشارة البدء لتنفيذ هجومى برشلونة وكامبريلس، الصفعة الجديدة من «داعش» للأمن الأوروبى بخططه واستراتيجياته ودعاته وأئمته الموالين أيضاً.

منذ اللحظة الأولى لوقوع الهجمات الدامية، برز اسم عبدالباقى السعدى، بصفته كلمة السر الكبرى والعقل المدبر للعملية كلها، وبدأت الإشارة إلى إمام مسجد مدينة «ريبول» التى كان يقطنها مجموعة الشباب والمراهقين من منفذى الهجمات، كأب روحى لأعضاء الخلية، وكقائد ميدانى للعملية برمتها .

استطاع السعدى إغواء مجموعة «الصبية»والمراهقين المغاربة، وتحويل مسارهم، من مجرد طلبة فى المدارس أو شباب يترددون على الحانات، لم تعرف عنهم ميول متشددة، أو حتى مواظبة على ارتياد المساجد، إلى قنابل بشرية موقوتة انفجرت فى قلب برشلونة، أحد أشهر المدن السياحية فى أوروبا وأكثرها جاذبية، وحولت شوارعها إلى ساحة للدماء والقتل باسم «داعش» .

التاريخ الشخصى لإمام مسجد ريبول «الغامض» لم يخل من إثارة بدوره أيضاً، حيث سبق وقضى عبدالباقى السعدى، قبل خمس سنوات عقوبة السجن لتورطه فى تجارة وتهريب المخدرات بين المغرب وإسبانيا، وفى السجن تحول مسار حياته، وذلك بعد أن التقى داخل السجن برشيد إغليف المعروف باسم «الكونيخو» أى «الأرنب»، والذى كان يقضى عقوبة السجن 18 عاماً لدوره فى تفجيرات قطارات مدريد عام 2004، ونجح فى تجنيد السعدى وضمه للجماعات المتطرفة .

وصل السعدى إلى مدينة ريبول الإسبانية عام 2015، ثم انتقل للإقامة والعمل كإمام ببلدة ماخلن فى ضواحى بروكسل فى بلجيكا، فى الفترة بين يناير ومارس 2016، وعاد إلى ريبول كإمام لمسجد المدينة «الجديد»، حيث كان ظهوره مرة أخرى، لحظة تحول فى مسار عدد من شباب المدينة الذين جنحوا نحو التطرف بحسب والد سعيد الأعلى «18عاماً»، أحد الخمسة الذين نفذوا حادثة الدهس فى هجوم برشلونة.

يتم التعامل مع هجمات الدهس برشلونة وكامبريلس تحديداً، والتى خطط لها الإمام عبدالباقى السعدى، وأسفرت عن مقتل 15 وإصابة ما يزيد على المائة من الجرحى من 34 دولة، بوصفها نقلة جديدة فى عمليات داعش فى أوروبا، نقل فيه التنظيم ساحات معاركه إلى مناطق وأهداف جديدة تماماً، لم تشهد من قبل أعمال إرهابية منسوبة له، ويعتمد فيها بشكل كبير على عنصر المفاجأة، لمقاومة الإجراءات الأمنية، وحالات التأهب القصوى فى دول القارة.

كما يستمرالتنظيم عبر تلك الهجمات فى استخدام أدوات الحياة اليومية التى لا تحتاج إلى تمويل أو دعم لوجيستى، وتحويلها إلى أدوات قتل لا يمكن مواجهتها، حيث تزامنت هجمات برشلونة وكامبريلس التى دهست العشرات باستخدام سيارة فان، مع منشور أصدره تنظيم داعش ووزعه فى قضاء الحويجة، صك فيه تسمية جديدة للإرهابيين التابعين له ويلجأون إلى عمليات الدهس تحديداً، وأطلق عليهم «الخيل المسومة» متوعداً الدول الأوربية وأمريكا وبريطانيا، بأن»مجموعة الخيل المسومة» سترهبهم بعقر ديارهم»، وستدك من وصفهم بـ «جموع الكافرين».

فى كل الأحوال، فمنذ وقوع حادثتى الدهس فى برشلونة بقى مكان اختباء السعدى مجهولا،ً فى ظل تواتر أنباء عن أنه طلب فى نهاية يونيو 2017، إجازة ثلاثة أشهر للتوجه إلى المغرب، إلى أن كانت المفاجأة صباح الإثنين بأن السعدى قد لقى مصرعه فى انفجار شقة ألكانار، مقر إقامة أعضاء الخلية، وكانت الشرطة الإسبانية قد عثرت فيها على 39 عبوة غاز فى المنزل، كان من المفترض أن تستخدم لتنفيذ هجمات أكبر وأوسع نطاقاً ، كان على رأسها تفجير كنيسة سيرجادا فاميليا الشهيرة ببرشلونة، ما أكد بأن «الإمام» كان يباشر مسار العمليات بنفسه.

الأهم من ذلك، أن تردد اسم عبدالباقى السعدى بوصفه إمام لمسجد مدينة ريبول، بالتوازى مع كونه العقل المدبر وقائد لخلية هجومى برشلونة وكامبريلس، ويبرز خطورة سطوتهم وقدراتهم على التأثير كرقم مهم فى المعادلة الإرهابية هناك، بما فى ذلك خطورة صلاتهم التنظيمية مع كيانات إرهابية تابعة لداعش والقاعدة .

وذلك كامتداد لقائمة طويلة ضمت أسماء أئمة لمساجد كبرى فى الغرب، وجهت لهم تهماً بالتجنيد ودعم الإرهاب بداية بأبو حمزة المصرى إمام مسجد فينسبرى، وأنجم شودرى مؤسس جماعة «الإسلام من أجل بريطانيا»، وفؤاد بلقاسم زعيم جماعة «الشريعة من أجل بلجيكا» وغيرهم.

ما يعنى أيضاً أن الحرب ضد الإرهاب فى الغرب، فى جزء منها، قد أصبحت حرباً مفتوحة على أرض الواقع.

وذلك على سبيل محاولات من دول أوروبا لإعلان الحرب «الفكرية» أيضاً على تنظيم داعش، بتجفيف «منابع» التجنيد المستحدثة لصالحه، داخل السجون والمعتقلات، حيث «المفرخة» التى خرج منها قادة ومنفذو أخطر الهجمات التى شهدتها القارة العجوز على مدار ما يزيد على العامين، بعد أن تم تجنيدهم داخل تلك السجون لصالح تنظيم «أبو بكر البغدادى»، وخرج منها من قبل عبدالقادر السعدى، مخطط هجوم برشلونة نفسه.

100 داعية و «مستشار إسلامى» تم توظيفهم بشكل دائم فى سجون بريطانيا فقط على سبيل المثال، بالإضافة إلى 120 آخرين يتم التعامل معهم بشكل موسمى، ويعملون الآن وفقاً لمناهج «مراجعات فكرية» يجرى تطبيقها على السجناء «الدواعش» والمتطرفين المقبوض عليهم فى عمليات إرهابية داخل البلاد، وكذلك «العائدون» من سوريا والعراق.

على نفس المنوال فى بلجيكا والدنمارك وفنلندا أيضاً، حيث يطلق على «المراجعات الفكرية» فى السجون برنامج «النصح»، وينص البرنامج بأن يقضى «الداعية» أو»المستشار الإسلامى» ساعتين أسبوعياً مع كل سجين يخضع للبرنامج، فى جلسات «انفرادية» فى زنازين يطلق «زنزانة نزع التطرف»، على أن يتم تقييم استجابته لتلك الجلسات «الشرعية» كل 3 أشهر، لتحديد مدى استجابته وانتفاء خطورته بما يسمح باختلاطه بباقى السجناء من عدمه .

بالتوازى مع ذلك يتم تطبيق برنامج «عزل» للسجناء الدواعش أو المتطرفين عن زملائهم الجنائيين، خوفا من محاولات التجنيد، سواء يتم ذلك فى وحدات وزنازين عزل، ووصولاً إلى محاولات إنشاء سجن شديد الحراسة مستقل بالكامل للمعتقلين المتطرفين، على نمط سجن جوانتانامو الأمريكى فى كوبا، ومن المتوقع أن تنتهى بريطانيا من إنشاء أول سجن من ذلك النوع على أراضيها،على أن يطلق عليه «جوانتانامو البريطانى».