ربيع جودة يكتب: صمت الأفاعي

ركن القراء

ربيع جودة
ربيع جودة


سكت الجميع داخل المحاضرة..  فأي مادةٍ تلك التي يتحدث عنها الدكتور..  وما علاقة الفيزياء بما يتكلم به الآن ..  بينما يستمر الدكتور في شرحه..  متجاهلاً نظراتهم الحائرة..  وعيناه جاحظتان فوق رؤوسهم..  يشعر كل منهم أنه ينظر إليه علي حده..  بينما في حقيقة الأمر لا يري منهم أحد..  حتي انتهي الطلاب الي الإنتباه لما يقول الدكتور..  أياً كان شرحه..  ليروا ماذا يريد..  قال الدكتور بصوت حزين يفطر القلب..  ورغم أننا جميعاً نبحث عن التفسير..  ونعشق التفاصيل حين نُقبل علي أمر ..  إلا أن الاقدار تكتفي دائماً بالتلميحات..  ليبقي الغد قابعاً  في صومعته..  لا نعرف شيئاً عنه..  نتذوق المُر لتأمينه.. لكنه سرعان ما يأتي بخلاف ما نرجوا..  ويأخذ أكثر مما يعطي..  أدرك الطلاب رغم صعوبة الفهم لما يقصد الدكتور..  انه يمر بأزمة ما..  ثم وهن صوت الدكتور وتقطعت أنفاسه..  وسقط بجسده علي الكرسي..  واستمر بالقول..  كنا في مؤتمر علمي بلندن..  وبينما أجلس في ساحة الانتظار. قبل بدء فعاليات المؤتمر..  ولأول مرة كان الغد يحمل في طياته ما يستحق العناء.. كانت تجلس علي مقربة مني سيدة لا تكتفي منها العين .. تشرب قهوتها..  لاتعلم أيهما يذوب في الآخر ..  تجاوزتُ رزانتي ورصانتي  ولا أدري كيف ألقيت التحية مع أول نظرة منها..  فابتسمت ودار بيننا حديث ما أعذبه..  وكلام ما أطعمه..  وانقضت أيام المؤتمر العشر.. وكأنها عشر دقائق.. لم تفارقني قط.. كانت الكلمات تندفع مني كموج جارف..  حبي لها كان أشبه بقفزة الثقة..  لم يخضع لأية حسابات..  لم يراعي قوانين المنطق..  فقط قمت بالقفز وحسب..  ولم تشغلنا كثيراً فاعليات المؤتمر الهام من كثرة ما اهتممنا به من إعجاب وتمني..  غير أني عرفت منها أنها تعرض بحثاً لتطوير بعض  الأسلحة ..  وبعد المؤتمر كانت لديها زيارة الي إحدي الدول لقضاء بعض الأعمال ..  تقاسمنا العهد أن نلتقي بعد انتهاء زيارتها..  حتي نتمم إجراءات الزواج.. ولم لا وقد أعطتني شعوراً بحثت عنه ما يزيد عن خمس وأربعين عاماً لم تشغلني امرأة قط.. وأغناني عشقها عن الغوص في تفاصيل حياتها..  وكأن ما عرفته عنها في فترة المؤتمر يكفي لإتمام الإرتباط..  ودعتها الي الطائرة.. وكانت قد اشتدت في الإلحاح أن أذهب معها..  لكني رفضت لانشغالي بأمر كنت قد قطعت علي نفسي وعداً به..  وانصرفت من المطار بعد تحرك الطائرة.. يمنعني وقاري عن الهرولة خلف عجلاتها ندماً أني لم أرافقها زيارتها..  وعدت إلى الفندق يحملني الهم حتي أودعني فراشي..  امسكت ريموت التلفزيون أقتل ساعات الملل حتي موعد طائرتي.. فإذا بنبأ عن اختطاف الطائرة التي استقلتها السيدة .. ارتعد كياني كله .. وبينما أقلب.. أبحث عن تفاصيل أكثر إذا بهاتفي يرن.. وصوت المتصل يطلب مني بحدة الحجز على طائرة إحدي الدول إذا كنت تريد رؤية الدكتورة مرة أخرى.. واعلم انك مراقب..  واي تصرف سيودي بحياتها.. ومن غير تفكير..  قمت بالحجز كما طلب..  واكتفي التلفزيون بعرض الخبر دون تفسير..  نزلت من الفندق لأجد سيارة تصطحبني الي  المطار لا أفهم ما يجري حولي.. قام من بالسيارة بوضع. كمامة علي وجهي..  وصارت مطاردة رهيبة اشعر بها وطلقات نيران مدوية وانا أصرخ فزعاً.. حتي قام أحدهم بحقني.. لأستيقظ وأجد نفسي في غرفة بها. خيرة أهل الأرض من بني وطني .  كما تبين من حديثي معهم. كانوا يعملون علي قدم وساق لمنع اختطافي. وكنت قد قدمت بحثاً عن تطوير لحركة أحد الصواريخ.. وكانت تلك المرأة الحسناء مدفوعة لإيقاعي..  ورفضي لرفقتها أحبط الخطة.. وأمر اختطاف الطائرة كان فخاً..  وانتهت المطاردة بالايقاع بهم..  وعودتي الي مصر الحبيبة.. وشاهدت معهم صوراً لجلسات لتلك المرأة مع دول معادية..  رغم كونها عربية.. لم أجد ما أعتذر به..  حتي بادرني أعلاهم رتبة ومقاماً  قائلاً .. حمد الله على السلامة يا دكتور..  فقلت متعجباً لسيادته..  لقد قالت لي إنها عربية؟  فقال في ثقة وحزم ..  يا دكتور...  صمت الأفعى لا يعني أبداً سكوتها.. صفق الطلاب وعلي صفيرهم..  وتبدل حزن الدكتور بنظرة أمل فيهم..  وهو يقول

ما رأيكم بتسمية هذه المحاضرة..  صمت الأفاعي