11 عاما على وفاته.. لحظات فارقة في حياة عميد الرواية العربية نجيب محفوظ

الفجر الفني

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ


الأديب الفذ والروائي الكبير الذي عاش عاشقًا لمصريته ملتصقا بحارتها الشعبية وزقاقها الضيق، معبرًا عنهما في شكل أدبي بديع لفت انتباه العالم إلى الرواية العربية، فكان أن تُرجمت أعماله إلى معظم اللغات العالمية قبل أن يحصل على جائزة نوبل في العام 1988.

 

من "زقاق المدق" إلى "بين القصرين"، ترك بصمته واضحة على المكان وأصحابه، سرد "حكايات حارتنا" وشكل شخصياتها، كل تفاصيل الواقع جلبها وعايش عشاق المقاهي، وأصحاب الحارات، حقيقة كتب "البداية والنهاية"، ولكن اسمه مازال حيًا، ورغم مرور 11 عاما على وفاته في مثل هذا اليوم 30 أغسطس من عام 2006، إلا أنه يتنفس ويحيا بيننا أو قل كل حروفه نابضة للأبد في عقول من لهم علاقة بالأدب، أو غيرهم ممن عرفوه من أعماله الدرامية والسينمائية، إنه عميد الرواية العربية، الكاتب الكبير نجيب محفوظ.

 

وُلد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا، في حي الجمالية بالقاهرة، حيث عمل والده موظفًا، لكنه لم يقرأ كتابًا في حياته بعد القرآن، غير أحاديث عيسى بن هشام، لأن كاتبه المويلحي كان صديقًا له، وفاطمة مصطفى قشيشة، ابنة الشيخ مصطفى قشيشة من علماء الأزهر، وكان نجيب محفوظ أصغر أشقائه، ولأن الفرق بينه وبين أقرب أشقائه سنًا إليه كان عشر سنواتٍ فقد عومل كأنه طفلٌ وحيد، حيث كان عمره 7 أعوامٍ حين قامت ثورة 1919 التي أثرت فيه، وتذكرها فيما بعد في روايته "بين القصرين" أول أجزاء ثلاثيته الشهيرة.

 

التحق نجيب بجامعة القاهرة في 1930 وحصل على ليسانس الفلسفة، حيث شرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية، ثم غير رأيه وقرر التركيز على الأدب، وكذا انضم إلى السلك الحكومي ليعمل سكرتيرًا برلمانيًا في وزارة الأوقاف (1938 - 1945)، ثم مديرًا لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى 1954، وعمل بعدها مديرًا لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة مديرًا للرقابة على المصنفات الفنية.

 

تزوج نجيب محفوظ في فترة توقفه عن الكتابة بعد ثورة 1952 من السيدة عطية الله إبراهيم، وأخفى خبر زواجه عمن حوله لعشر سنوات، في تلك الفترة كان دخله قد ازداد من عمله في كتابة سيناريوهات الأفلام وأصبح لديه من المال ما يكفي لتأسيس عائلة، ولم يُعرف عن زواجه إلا بعد عشر سنواتٍ من حدوثه عندما تشاجرت إحدى ابنتيه أم كلثوم وفاطمة مع زميلة لها في المدرسة، فعرف الشاعر صلاح جاهين بالأمر من والد الطالبة، وانتشر الخبر بين المعارف.

 

بدأ نجيب محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينيات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة الرسالة، وفي 1939، نشر روايته الأولى عبث الأقدار التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية، ثم نشر كفاح طيبة ورادوبيس منهيًا ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة.

 

في عام 1945 بدأ نجيب محفوظ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية القاهرة الجديدة، ثم خان الخليلي وزقاق المدق، جرب الواقعية النفسية في رواية السراب، ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع بداية ونهاية وثلاثية القاهرة.

 

فيما بعد اتجه محفوظ إلى الرمزية في رواياته الشحاذ، وأولاد حارتنا التي سببت ردود فعلٍ قوية وكانت سببًا في التحريض على محاولة اغتياله، كما اتجه في مرحلة متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفانتازيا كما في روايته (الحرافيش، ليالي ألف ليلة) وكتابة البوح الصوفي والأحلام كما في عملية (أصداء السيرة الذاتية، أحلام فترة النقاهة).

 

توقف محفوظ عن الكتابة بعد الثلاثية، ودخل في حالة صمت أدبي، انتقل خلاله من الواقعية الاجتماعية إلى الواقعية الرمزية، ثم بدأ نشر روايته الجديدة أولاد حارتنا في جريدة الأهرام في 1959، وفيها استسلم لغواية استعمال الحكايات الكبري من تاريخ الإنسانية في قراءة اللحظة السياسية والاجتماعية لمصر ما بعد الثورة، ليطرح سؤال على رجال الثورة، يدور حول الطريق الذي يرغبون في السير فيه (طريق الفتوات أم طريق الحرافيش)، وأثارت الرواية ردود أفعالٍ قوية تسببت في وقف نشرها والتوجيه بعدم نشرها كاملة في مصر.

 

"أولاد حارتنا" واحدة من أربع رواياتٍ تسببت في فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب، كما أنها كانت السبب المباشر في التحريض على محاولة اغتياله، وبعدها لم يتخل تمامًا عن واقعيته الرمزية، فنشر ملحمة الحرافيش في 1977، بعد عشر سنواتٍ من نشر أولاد حارتنا كاملة.