محمد المالحى يكتب: الناس والصيف.. ذكريات المصريين على الشواطئ بعيون الأجانب

مقالات الرأي

محمد المالحى
محمد المالحى


طرأ تغير كبير على المصريين خلال النصف قرن الأخير، تغير غير مفهوم.. جعل الجميع يتساءلون عن ماذا حدث، كيف تحولت مصر التى احتضنت جميع الديانات والجنسيات فى تناغم ساحر إلى مجتمع متربص رفضا للآخر؟.. حتى بات كل شخص رقيبا على سلوك الآخرين، وكأنه يحمل فى يده مفاتيح الجنة والنار.

مؤخرا.. نشرت الفنانة نيللى كريم -بحسن نية- صورة لها على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، فى البحر بـ«المايوه»، كانت الصورة كفيلة بأن يتحول أغلب مستخدمى الموقع لـ«مشايخ ووعاظ»، وانحصرت تعليقاتهم بين التحريم والتجريم، وهو ما تكرر مؤخرًا مع الفنانة ياسمين صبرى.

وبالتزامن حصلت «الفجر» على نحو 750 صورة نادرة، تحمل ذكريات مشاهير السياسة والفن فى مصر، على شواطئها الساحرة بعدة محافظات، بينها الإسكندرية، بلطيم، رأس البر، بورسعيد، الصور تجيب عن السؤال الذى عجز الجميع عن الإجابة عليه، وهو كيف تخلى المصريون عن استمتاعهم بالحياة وبهجتها وتوثيق ذكريات الصيف لينشغلوا بـ«مايوه» نيللى كريم وياسمين صبرى؟.

الصور النادرة التى يملك أغلبها بـ«النيجاتيف» الباحث والمؤرخ مكرم سلامة، أحد أشهر جامعى الوثائق والأرشيف بمصر والعالم العربى، تمثل جانبا حيا من ذاكرة المصريين، فى مشاهد يصعب تجميعها إلا عبر أفلام الأبيض والأسود، أو عبر آلة الزمن، وما يزيد من قيمة تلك الصور أنها التقطت بعدسات المصورين الأجانب «أرمان- إيطاليين- يونانيين»، الذين عاشوا واستطونوا بمصر، خلال تلك الحقبة الزمنية، فأصبحت لقطاتهم وثيقة لا تقدر بثمن، عن حالة المجتمع المصرى، خلال تلك الحقبة الزمنية.

تكشف الصور ذكريات تغلفها البهجة والمرح والاحتفاء برحلات الشواطئ للعائلات والصغار والكبار معا، سواء كانوا مشاهير فى السياسة أو الفن، أو أجانب مقيمين بمصر، وحتى أبناء الطبقات المتوسطة للمجتمع المصرى، عبر توثيق تلك اللحظات عبر «الصور الفوتوغرافية»، حيث حرص «سلامة» على جمعها وتوثيقها، من خلال الأسواق الشعبية القديمة بمصر والمحافظات المصرية، إضافة لصالات المزادات، وممن تبقى على قيد الحياة من أصحابها من العائلات، وإعادة معالجتها وترميمها، خاصة فى الصور التى لا يملك النيجاتيف الخاصة بها.

يرى العم مكرم «65 عاما»، أن الصور تكشف بجانب أو آخر حرص المصريين على الاستمتاع ببهجة الصيف، رغم تعدد طبقاتهم الاجتماعية، فى تقليد كانت تحرص عليه غالبية الأسر خاصة الثرية وكذلك المتوسطة، حيث تمثل الصور إبحاراً فى «ذاكرة مصر» وتفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع المصرى خلال القرن الماضى، وتكشف حالة الترابط الأسرى وقتها، فضلا عن الرقى والأناقة اللذين كان يتمتع المصريون بهما، عبر ارتدائهم أحدث خطوط الموضة.

منذ بدايات القرن الماضى وحتى منتصف الستينيات كانت شواطئ الإسكندرية ورمالها الذهبية الساخنة، ملجأ الصفوة والمشاهير من نجوم المجتمع المصرى، من الهوانم والبهوات وأبناء الجاليات الأجنبية بمصر، حيث كانت «الحكومة» قبل ثورة يوليو1952 تنتقل لمقرها الصيفى بالمدينة الساحلية بمقر رئاسة الوزراء بـ«بولكلى- سراى الدليل باشا»، مع انتقال ملك مصر الأسبق فاروق والأسرة المالكة، لقضاء عطلة الصيف بـ«قصر المنتزه»، حيث كانت تدب الحياة فى أوصال المدينة الساحلية.

فى «فندق البوريفاج» وبشاطئه الخاص بـ«لوران»، كانت سهرات الفنان الراحل أنور وجدى وزوجته المطربة الراحلة الكبيرة ليلى مراد، بصحبة صديقهما رجل الأعمال السكندرى اليونانى الشهير، إيلى لطفى وزوجته وابنته، صاحب سينما «فريال» بمحطة الرمل، وعدد آخر من دور العرض، أو فى شاطئ سيدى بشر حيث الكابين الخاص بـ«إيلى لطفى» أيضا بصحبة المخرج محمود ذو الفقار وزوجته عزيزة أمير والمنتجة مارى كوين، وفى شاطئ «ستانلى» وكازينو «ستانلى باى» كان أجانب وصفوة المجتمع، يمرحون على رماله الناعمة.

بحسب العم «مكرم»، تكشف الصور جانبا آخر لطبيعة الحياة فى الإسكندرية خلال تلك الفترة، وهى النظافة والرقى الشديد والأناقة لجميع طبقات المجتمع، حيث تعكس جميع الصور جمال ونظافة شواطئ الإسكندرية وقتها، ووجود المصريين والأجانب ومشاهير المجتمع المصرى وقتها من سياسيين وفنانين ورجال أعمال، جنبا إلى جنب فى نفس الشواطئ والبلاجات فى أدب جم ووقار شديد رغم حالة المرح والسعادة التى تكشفها الصور.

وتكشف بعض الصور عربات «البلدية» وهى تقوم بجمع القمامة من الشوارع فى السادسة صباحا، ورش الشوارع بالماء والصابون، وقيام عمال النظافة بجمع مخلفات رواد الشواطئ أكثر من مرة فى اليوم الواحد، فى همة ونشاط، ووجود ضباط وجنود الشرطة بالبلاجات بزيهم الرسمى، وهو ما يكشف ما كانت عليه مصر وقتها والمجتمع المصرى. وحرصه على اقتناص لحظات السعادة والبهجة والمرح خلال شهور الصيف وتوثيقها فى لقطات لا تزال خالدة فى ذاكرة المصريين.