ماجد وجيه يكتب: الشرنقة والميلاد الجديد

ركن القراء

ماجد وجيه
ماجد وجيه


تحكي لنا أحد القصص، أنّهُ بينما كان يسير أحد البسطاء في حقل، رأى فراشة تُصارع وتَستميت من أجل الخروج من الشرنقة وبينما هو يتأمل هذا المشهد، ذهب فِكرهُ لِمساعدتها، إذ قام بفتح الشرنقة كي ما تخرج الفراشة معتقدًا أنه بذلك يُحررها ويُخلصها من التصارع ويُعطيها الحياة، وما إن فتح الشرنقة فقدت الفراشة حياتها على الفور فتعجب لذلك، وكانت صدمته عندما نما إلى علمه أن الله بحكمته اللا محدودة وتدبيراته الفائقة- التي لايمكن لأي عقل بشري احتوائها فلا يقع شي إلا  بإرادته ولايحدث شئ إلا وواقع تحت علمه، فالعشوائية غير موجودة في قاموس الخالق- يسمح بذلك لأن الفراشة في صراعها  للخروج يفرز جسدها مادة  تقوي من جسدها، وهي التي تَدفعها خارج الشرنقة فتبدأ الحياة.

ولا تختلف القصة مع "الفراخ والبيض"، الذي إذا تم كسره من الخارج فقدت الفراخ الحياة بينما تبدأ الحياة من الداخل عندما تدفع وتكسرالفراخ البيض للخروج، وبعمل إسقاط بسيط علي حالنا وظروفنا الشخصية والمعيشية نجد أنّ كل منا في  مرحلة ما من الحياة نجتاز بمرحلة الشرنقة، ومن منا لا يُواجه متاعب منها الصحية والنفسية والمادية!؟ بل وتعصب بنا سفينة الحياة ومنا من ينجح في الوصول إلى شاطئ الأمان ومنا من تلقيه الرياح متعثرًا فيفقد الرجاء ويفشل.

وما تمر به بلادُنا من ظروف وصراعات وآلام علي كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والطائفية تجعلنا نقف مُتعجبين، إذ إن مصر صاحبة حضارة تليدة ولم يكن أحد ليتخيل ليوم واحد أننا سندخل مرحلة الشرنقة وكأننا نُولد من جديد بعد حضارة ناهزت خمسة آلاف عام، ولكن لتكن مشيئة الله وحكمته التي تريد أنْ تخلق منا فراشات قوية بعد اجتياز هذا الكم من الصراعات، والجدير بالذكر أنّ نجاح الدول في الخروج من الأزمات، وأن تحجز لها مقعدًا في مصاف الدول المتقدمة والمحترمة لمواطنيها والداعمة لأبسط حقوقهم لا يمت من قريب أو بعيد بكونها صاحبة حضارة عريقة، فـ انظروا شرقًا وغربًا شمالاً وجنوبًا ستجدوا دولاً لا يتعدي عمرها خمسمائة عام، وأصبحت من مصاف الدول الأوائل.

والسؤال هنا، هل نحنُ كبشر في حياتنا الشخصية أو كـ بلد في حاجة إلى أن يَمد إلينا أحد طوق نجاة من الخارج ليفتح لنا أبواب الشرنقة.؟ لا يُمكننا إنكار أن اليد الواحدة لا تُصفق، وأنه ليس عيبًا أو عارًا أنْ يَمد إلينا الآخرون يد المساعدة، وعندئذ سيطرح سؤالاً ملحًا في الأذهان ألا وهو، هل نحن نُجاهد داخليًا للخروج من الشرنقات التي تُحيط بنا من كل صوب واتجاه؟ بل والأهم، هل نملك إرادة المواجهة والتصارع من أجل البقاء! فما فائدة أن يمد الآخرون يد المساعدة ونحن لا نريد الحياة! فكيف لمسعف الشاطى أن ينقذ أحدًا من الغرق بينما لا يريد الغارق أن ينجو؟! وما لم تساعد المرأة الطبيب عند الولادة لصار الأمر أكثر تعقيدًا للطبيب.

فمن المحزن والمحبط أننا نستشعر بالنظر فيما يدور حولنا، أننا لا نُريد الخروج  الحقيقي من شرنقات الفساد والوهن الاقتصادي والسياسي وغياب الرؤية والطفولية العقائدية، فكم من المرات نادت الإدارة السياسية بضرورة تغيير الخطاب الديني وللآسف لم يتم بذل قطرة عرق واحدة  أو تعليق أو إرادة فعّالة ملموسة من الذين منوطين بذلك تُشعرنا بأي بوادر لذلك، فمتي سنخرج من شرنقة المُراهقة والطفولة الدينية!!! كما نري رموزًا تشغل مناصب قيادية تطل علينا يوميًا من خلال وسائل الإعلام تعظ بنا عن طهارة اليدين ونكتشف أنهم منغمسين في الفساد والرِشوة حين تفوح رائحتهم العفنة الكريهة، فـ إلى متى ستظل كل إدارة سياسية تُحارب للخروج من الشرنقة دون فاعلية تُذكر!

ومن المثير للضحك والبكاء في الوقت ذاته ما يَجري داخل المحليات، إذ نري العاملين في المحليات يُؤدون عملهم ظاهريًا علي أجمل وجه فيقوموا بإزالة التعديات والحواجز الحديدية من أصحاب المحال والمواطنين والسكان الذين يتعاملون مع الشارع المصري وكأنهم يَمتلكون عقودًا مُسجلة من الشهر العقاري تعطيهم حرية غير مسؤولة للتصرف والبلطجة والعبث، وما أنْ تمر ساعات تعود كل الانتهاكات كسابق عهدها، حيث لم يتم تنفيذ القانون بحزم بل شرب المسئول شاي بالياسمين، وكل ماحدث هو إزالة التعديات صباحًا وعاد كل شئ مساءً، فهل نملك إرادة التغيير الحقيقي للخروج من الشرنقة، أو أن ما يحدث هو فاصل كوميدي من نوعية الفارس المبتذل!

وللخروج من مرحلة المخاض التي نحياها حاليًا، علينا أنْ نكون كالفراش والفراخ ونتحلي بإرادة التصارع من أجل البقاء والنجاح، ولا يجب الاعتماد علي القوي الخارجية بمفردها، لعل الله يمنحنا تلك السائل، ألا وهو الإرادة ومكاشفة أنفسنا بأصغرالمشاكل والتحديات كي ما نُولد من جديد، هذا إذا كنا نُريد الميلاد الجديد.