إسماعيل ياسين.. أضحكنا على الشاشة وأبكانا على واقعه

الفجر الفني

 إسماعيل ياسين
إسماعيل ياسين


محافظة السويس التي دائمًا وأبدًا تتذكر أبنائها فى كل وقت وتفتخر بهم وهناك أجيال كثيرة لم تعرف مسقط رأس الفنان الكبير اسماعيل ياسين هى محافظة السويس وقد عاناه اسماعيل ياسين معاناه كبيرة فى بداية مشواره حتى الشهرة والمجد حتى الموت.

 

خرج إسماعيل ياسين "طفشان" من السويس وعمره لا يزيد عن 17 سنة لينام فى حوارى ومساجد القاهرة القديمة شهورا وسنوات واصبح اعظم المضحكين فى عالمنا العربى على مدى التاريخ.

 

ولا توجد أسرة عربية سواء كانت من سكان القصور أو الخيام إلا تأثرت بأفلامه وأسعدتها ضحكات الفنان الإسطورة "إسماعيل ياسين" منذ أن عرضت أول أفلامه عام 1939.

 

ولد "اسماعيل يس" فى 15 سبتمبر 1912 فى ميدان الكسارة بحى الغريب بالسويس – من أسرة ميسورة الحال وكان والده أحد الصاغة المعروفين فى شارع السوق العمومى بالمدينة الا أن واجه ظروفًا مادية صعبة بعد وفاة زوجتة الاولى – أم اسماعيل – وزواجه من سيدة اخرى كانت تنفق بشكل لا يتناسب مع دخل الزوج.

 

وتراكمت عليه الديون ودخل السجن لفترة بسيطة ثم خرج منها ليجلس على رصيف الشارع بعد أن عجز عن الحفاظ على محل الذهب، وكنا نراه فى صبانا على ترابيزة خشبية صغيرة – يبيغ الخواتم والمشغولات الفضية.

 

وكان "اسماعيل" هو الابن الوحيد لأبية منطويًا على نفسه ولم يكن له هواية سوى ترديد اغانى عبد الوهاب القديمة الا ان شكله وفمه الكبير كان عائقآ كبيرآ امامه حيث كانت ملامح الوجه والفم يثيرالضحك بشكل كبير.

 

وترك "اسماعيل " السويس وعمرة 17 عامآ – عام 1929 ليبدأ رحلة حياة صعبة للغاية – حيث عمل فى احدى فرق العوالم بشارع محمد على ثم فى كازينو بديعه مصابنى -وهى راقصة إستعراضية لبنانية كانت من رائدات المسرح الإستعراضى - يغنى المونولجات التى يكتبها له صديق عمره "ابو السعود الأبيارى".

 

وامتدت هذه الحياه الصعبة عشر سنوات كاملة قبل أن يحد فرصة التمثيل السينمائى عام 1939 فى فيلم فؤاد الجزايرلى (خلف الحبايب) ويصبح (اسماعيل ياسين) قنبله سينمائية تفجر الضحكات وتشيع البسمات لمدة 20 عاما متواصلة قدم فيها حوالى 500 فيلم - وهو رقم لم يصل اليه اى ممثل فى العالم فى تاريخ السينما.

 

وكان احيانآ يرتبط بتمثيل اكتر من سبعة افلام فى وقت واحد.ومثل فى عصره الذهبى خاصة اعوام 54،53،52 اكثر من 16 فيلمآ فى العام الواحد.

 

وكون عام 1954 مع صديق عمره (ابوالسعود الأبيارى) فرقة مسرحية تحمل اسمه – ظلت تعمل حتى عام 1966 وقدمت حوالى 50 مسرحية.

 

واشتهر بتقديم سلسلة افلام تحمل اسمه مثل (اسماعيل يس فى الطيران والجيش والبوليس والبحرية ومستشفى المجانين وطرزان واسماعيل يس للبيع واسماعيل يس يقابل ريا وسكينة ) وغيرها من الافلام الكوميدية

 

مأساه اسماعيل يس

بدأت النهاية ترسم ملامحها فى حياه اسماعيل يس اعتبارآ من عام 1961 حيث لم يمثل سوى فيلمين بعد أن كان يقدم عشرات افلام على الأقل كل سنة – ووصل الأمر الى انه من عام 1962 حتى 1965 لم يقدم سوى فيلم واحد واختلفت الاراء حول هذا التراجع المتوالى فى تواجده الفنى والسينمائى وهل يعود ذلك الى الجمود وعدم مجاراته للاساليب الجديدة وظهور جيل جديد من المضحكين تجاوزوه بأعمالهم الفنية من خلال الكوميديا التى تعتمد على الموقف وليس مجرد الالفاظ او تحريك قسمات الوجه.

 

إلا أن المؤكد أنه واجه حربا ضارية من بعض المسؤلين عن أجهزة الإعلام والذين دفعوا بوجوه كوميدية جديدة وفروا لها كل الامكانيات للقضاء على ظاهرة ( اسماعيل ياسين ) ورغم الاختلاف على اسباب هذه الحرب الشرسة، الا انها كانت معركة غير متكافئة اثرت بشكل عنيف على الفنان.

 

وكان من الطبيعى بعد كل هذه الحروب التى اتسمت بأبعاد غيراخلاقية من جوانب عديدة ان تصيبه العديد من الامراض ابرزها مرض القلب وتراكمت عليه الديون وخاصة من الضرائب التى حجزت على العمارة التى بناها من سنوات عمله وباعتها الضرائب فى مزاد علنى امام عينيه ليزداد عليه المرض ولايجد حتى ثمن الدواء والعلاج مما دفعه الى ترك مصر كلها.

 

ويسافر إلى لبنان ليعمل فى بعض الافلام اللبنانية المتواضعة، ووصل الأمر الى قيامه بتقديم افلام دعائية (اعلانات ) عن السلع المختلفة – وافلام بلا مستوى فنى مثل (فرسان الغرام – كرم الهوى – لقاء الغرباء – عصابة النساء).

 

وعاد ( اسماعيل ياسين ) محطما وحزينآ إلى مصر فى بداية عام 1970 – يبحث عن اى فرصة عمل – لكن الأضواء كانت قد انحسرت عنه وبدأ جيل جديد من الفنانيين يأخد مكانه فى السينما المصرية.

 

وتتحالف عليه كل هذه الظروف العامة مع ظروفه الأسرية الصعبة خاصة مشاكله وخلافاته مع ابنه الوحيد (ياسين) والتى وصل بعضها إلى حد التشاحن فى مواجهات كان فيها هو الطرف الأضعف.

 

ليصاب بالأزمة القلبية التى تسببت فى وفاته بعد شجار عنيف وقع بينه وبين ( ياسين ) ولم يتحمله قلب ( اسماعيل ) واسلم الروح بعدها فى 24 مايو 1972 عن واحد وستون عامآ.

 

 

علاقتة بالسويس وبأسرته

عاش إسماعيل ياسين، حياة شخصية بائسة كما ذكرت - على عكس ما يعتقد الكثيرين – فقد مر بتجربة الزواج 3 مرات – ولم ينجب سوى ابن واحد هو ياسين الذى أصبح فيما بعد مخرجآ سينمائيآ محدودآ – ولم يكن حظة افضل من ابيه – وواجه العديد من المشكلات الأجتماعية والصحية – وتوفى هو ايضآ اثر نوبة قلبية.

 

ظل اسماعيل يس محافظآ على علاقتة بأبية طوال حياتة - رغم بعض الالم النفسى الذى كان يحس به له تجاه بعض مواقف الاب واختياره لزوجته الثانية. وكنت أراه يحضر الى السويس بشكل شبة منتظم الى ان توفى الأب فى أوائل الستينيات – وكنت شخصيآ ارى الأب الذى كان يجلس فى شارع محمد عبده يرتدى عباءه وجبة وقفطان.

 

 

ولم يشارك اسماعيل يس بأى عمل فنى يخص السويس باستثناء بعض الافلام التى صورت فى المدينة – مثل فيلم ( ابن حميدو ) لكنه كان يفخر بانتسابه اليها فى مختلف احاديثه الصحفية – وربما كان السبب فى عدم ارتباطه بالمدينة من خلال اى عمل فنى أو إجتماعى هو افتقاد أى مبادرة لذلك على الرغم من وجود حركة فنية ومسرحية متقدمة فى السويس طوال فترة الأربعينيات والخمسنيات.

 

ظل اسماعيل ياسين منذ وفاتة عام 1970 بلا اى تكريم حقيقى من السويس – إلى أن قام اللواء تحسين شنن بإطلاق اسمه على المسرح الرئيسى بالمحافظة والذى كان يجرى انشائه.

 

وكان ذلك بناء على ملاحظة من الكاتب والأديب انيس منصور الذى كان فى السويس بدعوة منى لحضور ندوة عن حرب اكتوبرفى عام 1987ودعانا اللواء تحسين شنن للغداء فى استراحة المحافظ ببورتوفيق.

 

وأبدى أنيس منصور دهشته من عدم وجود اى شارع او مبنى او مسرح يحمل اسم اسماعيل ياسين على الرغم من انتمائه لها – واقترح على اللواء تحسين اطلاق اسمه على احد الشوارع أو الميادين أو المسارح.

 

واستجاب ( تحسين شنن ) على الفور خاصة انه بدأ فى انشاء مسرح ضخم بجوار فندق جرين هاوس وبالفعل اطلق اسم ( اسماعيل ياسين ) على المسرح الذى كان قد قارب على الانتهاء

 

وعند تحويل المسرح إلى مجمع لدور السينما عام 2001 اصر محافظ السويس وقتها (سيف الدين جلال) على ضرورة وضع اسم ( اسماعيل ياسين ) على المجمع الذى يضم عدة دور لعرض السينما.

 

– على الرغم من قيام ابنه ( ياسين اسماعيل ياسين ) بالاعتراض لإعتقاده ان اطلاق الأسم يحمل (سمه تجارية) تحتاج الى دفع مقابل مادى نتيجة وضع الأسم- الا ان ( سيف جلال ) أقنعه بأن وضع الأسم هو تكريم أدبى ولا يمثل أى عائد مادى على الإطلاق ومازال "اسماعيل ياسين الضاحك الحزين".