أحمد فايق يكتب: الفقراء لهم الدعم والأغنياء لهم لوبى فى البرلمان والحكومة.. والطبقة المتوسطة لها الله

مقالات الرأي



المهاجرون الجدد على أبواب السفارات

■ لماذا ندفع مدارس ومستشفيات فى مصر بأسعار أغلى من الخارج؟

■ العقارات فى اليونان أصبحت أرخص من مصر

■ هى الطبقة الوحيدة التى لا تستفيد من الدعم الحكومى وتلتزم بالضرائب

■ لا تريد من الدولة دعمًا ماديًا بل خدمات وتحكمًا فى الأسعار

■ هناك دول مثل كندا تبنى حضاراتها على امتصاص دماء الطبقات الوسطى فى العالم.. ومصر مصدر جيد للعقول


هل تعلم الدولة أن مصر كلها تبحث عن واسطة لدخول مدارس المصريين، كل الطبقات بلا استثناء تبحث عن الواسطة، كل أنواع المدارس باستثناء الحكومية المجانية، المدارس التجريبية الخاصة اللغات والإنترناشيونال؟ 

هل تعلم أن أهالى المرضى فى مصر يبحثون عن الواسطة فى أى مستشفى أيا كانت سواء كانت حكومية أو خاصة أو فندقية؟! 

هل تعلم الدولة أن هناك أزمة عقارات فى مصر وتحولت البيوت والكومباوندز الجديدة إلى بيوت أشباح لا يسكنها أحد؟ 

كانت أغرب مكالمة تلقيتها فى حياتى، من فضلك السيدة والدتنا فى المستشفى الاستثمارى، بالطبع تصورت أن باقى الكلام سيدور فى فلك تقليل التكلفة، لكن المفاجأة لم تكن هكذا، المفاجأة انه قال لى إن أمه فى المستشفى منذ ٥ ايام ودفعوا لها آلاف الجنيهات، ولا يريدون أى وساطة لتقليل التكلفة، كل ما يريدونه طبيب يمر على المريضة ويضع خطة علاج! 

هل وصلنا إلى هذه الدرجة من العبث، مستشفى استثمارى ضخم امتلأ خزينته بـ٢٥ ألف جنيه فى خمسة ايام من مريضة، واهلها كل مايترجونه هو طبيب يقوم بعمله. 

الصرخة تحمل اسم طبقة لا تجيد التظاهر، ولا تدعى الفقر، ولا تحصل على الدعم، وتدفع الضرائب، ولا تجيد الانفجار، ليس لديها لوبى مصالح فى مجلس النواب يضغط لإصدار قانون لها، ولا يجيدون الظهور فى التليفزيون ليبكوا على ضياع حقوقهم. 

قبل أن تحكم هذا ليس مقالاً طبقياً، بل هو نداء لإنقاذ مصر من موجة مهاجرين جدد، لقد خسرت مصر عقولها وطبقتها المتوسطة على مدار السنوات الستين الماضية، كانت موجة الهجرة الأولى بعد حرب ٤٨ خسرت مصر اليهود حينما هاجروها إلى جنوب افريقيا، لقد هاجرت طبقة من الرأسمال اليهودى مصر إلى جنوب إفريقيا بسبب السياسة وقيام الكيان الصهيونى، اليهود المصريون خيبوا كل توقعات الساسة ومحترفى نظرية المؤامرة ولم يسافروا إلى اسرائيل، فقد رفضوا الاعتراف بهذا الكيان الغاشم، سافروا إلى جنوب افريقيا وفرنسا وانتشروا فى بلاد العالم، نقلوا أموالهم وبراعتهم فى الاقتصاد إلى الخارج، وخسرت مصر. 

موجة الهجرة الثانية كانت بعد نكسة ٦٧ فقد هاجر آلاف المصريين إلى مجتمعات جديدة فى بدايتها مثل كندا، لقد قامت دول مثل كندا على جزء من الطبقة المتوسطة المصرية، آلاف المصريين تعلموا أفضل تعليم وسافروا بدولاراتهم إلى كندا، وكانت وقتها دولة ناشئة وعلى أكتافهم وأكتاف الطبقة المتوسطة فى بلاد كثيرة بالعالم قامت التجربة الكندية. 

الموجة الثالثة للهجرة كانت بعدما قررت الدولة أن تضرب اليسار بالتيارات الدينية المتطرفة، فتحولت معالم مصر وأصبحت وهابية سلفية تكفر وتحرم كل شىء، وجد آلاف من أبناء الطبقة المتوسطة أنفسهم غرباء داخل الوطن، فهاجروا إلى بلاد أخرى تقوم حضاراتها على امتصاص دماء الطبقة المتوسطة فى دول ثانية. 

نحن نتحدث عن آلاف المصريين ممن تلقوا تعليمهم المجانى على أعلى مستوى، فى عصور كان التعليم المصرى فيها علامة جودة عالمية، هذه العقول لم تصمد فى مصر وهاجرت إلى الخارج لتصبح أساتذة جامعات وعلماء وشخصيات مرموقة فى العالم كله. 

مصر الآن تعانى من تهديد هروب هذه الطبقة إلى الخارج، وقبل أن نعرف لماذا علينا أن نحدد عمن نتحدث بالضبط.

هم من رفضوا أن يحكم مصر جماعة الاخوان المسلمين ونزلوا إلى التحرير والاتحادية فى ٣٠ يونيو، وفوضوا السيسى، ولو عاد بهم الزمن ألف مرة لاختاروا أن يثوروا ضد الاخوان. 

هى الطبقة التى لا يدخل ابناؤها مدارس وجامعات الحكومة ولا يدخلون مستشفيات القطاع العام ولا يقفون طوابير الخبز المدعم لأنهم يشترون غير المدعم، وليست لديهم بطاقات تموين، ولا يشترون احتياجاتهم من المجمعات الاستهلاكية، أى نتحدث عن طبقة لا تمثل أى عبء على الدولة ويحصلون فقط على البنزين المدعم. 

عليك أن تضع نفسك مكان أحدهم ولا تتبنى كلاما من نوعية الأولوية لمن لا يجد الخبز، الأولوية بالنسبة لأى أحد هم أبناؤه وعائلته، إذا أردت أن تذهب إلىّ عطلة فى شرم الشيخ ستكون مضطرا أن تدفع تذكرة طيران للفرد بـ٣٠٠٠ جنيه لأن شركة مصر للطيران تخسر دائما ولا أدرى لماذا، وعليك أن تحجز إقامة فى فندق لا يقل عن ٢٠٠٠ جنيه يوميا أى عطلة ٥ ايام تساوى على الأقل ١٣ الف جنيه، فى نفس الوقت تجد إعلانات بالسفر إلى بيروت طيران وإقامة وتأشيرات من مصر بـ٧ آلاف جنيه!! 

وإلى قبرص واليونان تقريبا بـ١٠ آلاف جنيه والى تايلاند فى نهاية الكرة الأرضيّة بـ١٢ الف جنيه، هل تعلم أن تكلفة ايجار شاليه فى العين السخنة أو فى الساحل الشمالى أغلى بكثير من السفر إلى أوروبا. 

ملف المدارس اصبح سرطاناً، فهناك ملايين المصريين الذين يتم تعذيبهم بشكل يومى قبل دخول المدارس، فقد وضعت الكثير من المدارس قواعد غير قانونية وعنصرية فى القبول، حتى يدخل ابنك المدرسة فى الدور التمهيدى يجب أن يخضع إلى انترفيو، ولا ادرى لماذا، وتضع المدارس قواعد غريبة من نوعية يجب أن يكون الأب متعلما أو مجيدا للغة الإنجليزية بالكامل، أو ينتمى إلى طبقة اجتماعية معينة، وهى كلها قواعد غير قانونية وضد الدستور المصرى الذى يمنح العدالة والمساواة، هذه الطبقة خضعت إلى كل انواع الابتزاز من أصحاب المدارس الخاصة والناشيونال والانترناشيونال، الحكومة تقرر أن نسبة الزيادة فى المصاريف ٧ إلى ١٤ فى المائة فتقرر إدارة المدارس رفع المصاريف ١٠٠ فى المائة، ولو ذهبت للشكوى فإن إدارة المدرسة تجبرك على دفع تبرعات متعسفة وإلا سيطرد أبناؤك من المدرسة فليس لديك ظهر أو جهة تقف معك أمام هذا الجشع. 

لقد وصلت مصاريف المدارس الدولية فى مصر إلى ٢٠ ألف دولار أى ٤٠٠ الف جنيه، وأصبح سعر المدرسة فى مصر أغلى من أوروبا، هذا يدفع بعض البيوت إلى إرسال ابنائهم للخارج للتعليم، من سيخسر هنا؟ 

بالتأكيد الدولة التى تحول اموالها إلى دولارات تدفع فى الخارج، لقد وفرت الدولة بدائل محترمة لهذه الطبقة مثل مدارس النيل والمدارس القومية لكنها لا تكفى الطلب وأصبح العرض اقل بكثير من الطلب، وبالتالى يخضع أبناء الطبقة المتوسطة إلى الابتزاز، مدارس النيل تقدم نفس الخدمة التى تقدمها المدرسة ذات العشرة آلاف دولار وبسعر لا يتجاوز ٣٠ ألف جنيه، لكن هناك آلافاً من الأطفال ينتظرون دورا أو واسطة لدخولها. 

هل تعلم الدولة أن مدارس مثل المدارس الألمانية هى باب لهجرة العقول المصرية إلى الخارج؟ تعالى نحاول أن نفهم، المدارس الألمانية فيها نظام تعليم محترم لكنها تعمل فقط لصالح المانيا، فمن سيتخرج منها أمامه حل من الاثنين أن يدخل جامعة فى المانيا مجانا أو أن يدخل جامعة خاصة مصرية بمئات الآلاف، نحن نتحدث عن طبقة لن تلتحق بالجامعات الحكومية المصرية بالتأكيد، لقد أصبحت المدارس الألمانية موضة فى مصر وهناك بيوت وأسر تعد نفسها إلى الهجرة لألمانيا بعدما ينتهى تعليم ابنائهم فى مصر. 

الخاسر هنا هو الدولة فالمصريون يدفعون للمدارس الألمانية تكلفة تعليم ابنائهم ثم يسافرون إلى هناك معدين ومجهزين لخدمة الدولة الألمانية، فهل احدهم منتبه إلى هذا؟

هل ينتبه احدهم إلى أن بعض الجامعات الخاصة فى مصر تجاوزت تكلفة الدراسة فيها الدراسة فى اكبر جامعات أمريكا، تعالى نفكر بهدوء شاب أو فتاة تلقى قدرا جيدا من التعليم فى مدرسة انترناشيونال ولديهم شهادة دولية معترف بها، يستطيعون أن يتقدموا للجامعات الأوروبية ويمكن قبولهم وللعلم كل جامعات أوروبا باستثناء إنجلترا مجانية، ويستطيعون ايضا أن يتقدموا لجامعات أمريكية بنفس مصاريف الجامعات الخاصة بمصر، إذن نحن نتحدث عن جيل يستعد للهجرة من الآن إن لم يكونوا قد هاجروا بالفعل. 

هل تعلم أن هناك إعلانات ترويجية لشقق فى اليونان وتركيا يبلغ ثمن الواحدة ٥٠ الف دولار أى حوالى ٩٠٠ الف جنيه، وبالطبع يصاحب الإعلانات إغراءات من نوعية الإقامة فى الاتحاد الأوروبى والجنسية وغيرهما، الاقتصاد اليونانى بالفعل والآن يعيد لعبة كندا من جديد يقدمون عقارات واجراءات مغرية لجذب الطبقات الوسطى من دول اخرى وبالتالى ضخ مليارات لديهم، هل تعلم فى المقابل أن الإعلانات الترويجية لبعض الشقق حول العاصمة الإدارية الجديدة يصل سعرها إلى مليون ونصف المليون جنيه وأكثر من ذلك ايضا، الآن ثمن اقل شقة تناسب الطبقة المتوسطة فى أكتوبر أو الشيخ زايد لا تقل عن مليون جنيه أى بنفس سعر الشقة فى اليونان وتركيا. 

فى الإعلانات الترويجية يغرون الطبقة المتوسطة بالإقامة المفتوحة فى أوروبا والتأمين الصحى الشامل، هؤلاء يعلمون جيدا كيف يسرقون عقولنا واموالنا ويستغلون جيدا ظروفنا. 

الدولة قدمت حلولا لأزمات الإسكان ومن أفضل الحلول للطبقات المتوسطة هى الإسكان العائلى، لكن كالعادة الأراضى التى يتم طرحها للمواطنين فى الإسكان العائلى لا توازى ٥ فى المائة من الطلب، وهذا يؤدى إلى مزيد من التعطيش للسوق العقارية، وتزداد الأسعار. 

الدولة الآن تهتم بطبقتين فقط وتتجاهل الطبقة الأهم فى توازن الدولة، الحكومة حتى الآن غير قادرة على فرض ضريبة أرباح رأسمالية على البورصة وتعد رجال الأعمال ببيع الغاز لمصانعهم مدعوما رغم أنهم يبيعون لنا كمواطنين الحديد والاسمنت والسيراميك بنفس أسعار أوروبا، الدولة تخضع احيانا لابتزاز الطبقة العليا من رجال الاعمال، وترضخ لضغوطهم فى النواب، ولا تستطيع التعامل معهم، وفِى المقابل تسعى الدولة بكل جهودها أن توفر دعما محترما ولائقا للطبقة الفقيرة. 

أيهما يربح أكثر صاحب الميكروباص والميكانيكى والنقاش أم أستاذ الجامعة، جميعنا يعرف جيدا أن الدخول متساوية وقد يكون أستاذ الجامعة أقل فى الدخل من النقاش ولا اعتراض على هذا، الاعتراض أن أستاذ الجامعة يدفع ثلث راتبه للضرائب لكن النقاش لا يدفع مليما واحدا، أستاذ الجامعة لا يستحق بطاقة التموين لكن صاحب الميكروباص يستحق، أين العدل هنا؟ 

هناك مليارات يتم تداولها فى الاقتصاد غير الرسمى للدولة ولا تعود على الدولة بشىء، مصلحة الضرائب بدلا من أن تقوم بتوسيع قواعد الممولين تضغط على الأقلية الملتزمة لتدفع أكثر فهل هذا عدل؟ 

يامن تضعون القوانين وترسمون مستقبل الوطن، يامن تفكرون فى المستقبل، توقفوا عن الضغط على خيرة أبناء مصر من الطبقة المتوسطة ولا تضطروهم إلى الرحيل. 

ملحوظة: كاتب هذا المقال ولد ويعيش وسيموت على أرض مصر وسيظل داعما لثورة ٣٠ يونيو.