د. نصار عبدالله يكتب: إنهم أيضا أصوليون!

مقالات الرأي



فى شهر مارس من العام الماضى كتبت فى «الفجر» مقالا يعنوان: «إنهم أيضا أصوليون»، تحدثت فيه عن الأصولية البوذية موضحا أنها فى جوهرها لا تختلف عن الأصولية الإسلامية ولا عن حركة أصولية أخرى، خاصة عندما تتحول الحركة الأصولية إلى نوع من العنف الذى كثيرا ما يتسمى بأسماء مختلفة تحاول أن تخفى طبيعته العدوانية، وقد أثبتت أحداث بورما فى الأسابيع الماضية صدق ما ذهبت إليه مما حدا بى إلى أن أعيد نشر المقال فى السطور التالية.

الكثيرون ممن يهاجمون الأصولية الإسلامية...لا يهاجمونها لحساب الاعتدال أو التسامح أو الاستنارة، ولكنهم فى حقيقة الأمر يهاجمونها لحساب أصوليات أخرى كامنة فى أعماقهم حتى وإن لم يرد ذكرها على ألسنتهم...لكن تلك الألسنة كثيرا ما تزل فتكشف عما فى قلوبهم...هل تذكرون مثلا خطاب الرئيس الأمريكى جورج بوش الذى اشتهر «حتى بين الأمريكيين أنفسهم» بأنه رئيس غبى، هل تذكرون خطابه غداة أحداث 11سبتمبر حين سارع إلى الإعلان بأن أمريكا سوف تشن على الإرهابيين «حربا صليبية» !!.. ذكرها مرة واحدة ولم يعد بعد ذلك إلى استخدامها «مستشاروه غالبا أفهموه، وغالبا بذلوا جهدا كبيرا فى إفهامه بأن استخدام مثل هذه الكلمة تتناقض مع منظومة القيم والمبادئ التى يعرفها عن أمريكا العالم كله ،وأنه إن كان يتمسك بها فليكن فى داخل قلبه فقط..ويتعين عليه من ثم إذا أراد أن يشن حربا لحساب الأصولية المسيحية، يتعين عليه أن يطرح ذريعة أخرى من شأنها أن تجعل العالم بأكمله يحتشد إلى جانبه بما فى ذلك العالم الإسلامى ذاته، ولتكن هذه الذريعة مثلا هى الحرب ضد الإرهاب!!».. وهذا هو ما جرى بالفعل وما زال يجرى فى كثير من الحالات التى تختلط فيها الأوراق والتى تكون فيها الحرب ضد الأصولية والتطرف لحساب قيم الحرية والتسامح والاعتدال مختلطة بالحرب لحساب أصوليات أخرى لا تقل وحشية وعدوانا عن بعض الحركات التى تنتسب إلى الأصولية الإسلامية وعلى رأسها بطبيعة الحال جماعة داعش،... والذى لا شك فيه أن ممارسات بعض هذه الجماعات الأصولية الإسلامية ومن بينها داعش هو من بين الأسباب التى أتاحت للأصوليات المضادة أن تتنامى وتتمدد وأن تمارس إرهابا أصوليا بشعا بدعوى محاربة الأصولية الإسلامية!!، وما يحدث فى بورما «التى تعرف أيضا بميانمار» دليل على ذلك فقد تصاعدت فى العقود الأخيرة الحركات الأصولية البوذية التى يغذيها عدد من الدعاة والمنظرين البوذيين على رأسهم الراهب البوذى «أشين ويراشو»، الذى ما فتئت أفكاره العنصرية المتعصبة تلقى قبولا واسعا من قطاعات شتى من القواعد الشعبية البورمية، ونتيجة لهذا المد الأصولى البوذى أخذت الجماعات الأصولية البوذية فى ارتكاب عدد من المجازر والفظائع ضد الأقلية المسلمة التى تعرف بالروهنجا والتى يبلغ تعدادها نحو 4% من السكان تقريبا مما دفع بالكثيرين منهم إلى النزوح خارج بورما فرارا من عمليات القتل والسلب والاغتصاب وإحراق المساكن ودور العبادة التى يتعرضون لها بشكل يومى تقريبا. وعندما حاول الكاتب البورمى المنصف «هتين لى أو» أن يدين هذه الفظائع التى تلطخ جبين أية ديانة، فنشر مقالا بهذا المعنى فى إحدى الصحف، تم تقديمه إلى المحاكمة وحكم عليه بالحبس لمدة عامين بتهمة ازدراء الديانة البوذية..تصوروا.