مي سمير تكتب: "الملاك".. إسرائيل توثق علاقتها بأشرف مروان فى فيلم سينمائي

مقالات الرأي



بميزانية 12 مليون دولار ومواقع تصوير بين بريطانيا وبلغاريا والمغرب

■ المخرج الإسرائيلى أرييل فرومين اختار الممثل الهولندى ذا الأصول التونسية ليلعب شخصية أشرف مروان.. ويجسد دور عبد الناصر الأمريكى ذو الأصول الفلسطينية وليد فؤاد زعيتر

■ الإسرائيلية ذات الأصول العربية ميساء عبدالهادى تلعب دور منى عبدالناصر.. والإسرائيلى ساسون غاباى يقدم دور السادات


لا تزال قصة أشرف مروان صهر الرئيس جمال عبدالناصر ومساعد الرئيس السادات تحمل الكثير من التفاصيل المجهولة، فـ«الصهر» الذى غادر الحياة فى عام 2007 إثر سقوطه من شرفة منزله فى لندن، ترك وراءه قصة حياة لا تزال تثير الكثير من علامات الاستفهام.

ففى ظل الكتب والتقارير الإسرائيلية التى تؤكد أنه كان أعظم جاسوس فى تاريخ إسرائيل، والرد المصرى المقتضب بأنه كان بطلا قوميا، لا تزال قصة أشرف مروان تحمل الكثير من التفاصيل المجهولة.

ومن جانبها حرصت إسرائيل على توثيق نسختها من القصة بتأكيد ولاء أشرف مروان من خلال فيلم سينمائى مقتبس من الكتاب الشهير (الملاك: الجاسوس الذى أنقذ إسرائيل) للكاتب الإسرائيلى  أورى بار جوزيف، وقد تم الانتهاء من تصوير الفيلم فى شهر أغسطس الماضى على أن يعرض فى العام القادم.

اشترى موقع نيتفليكس  فيلم «الملاك» الذى أخرجه المخرج الإسرائيلى أرييل فرومين، متنقلا فى مواقع تصوير بين المملكة المتحدة وبلغاريا والمغرب، من أجل تصوير الفيلم السينمائى المنتظر عرضه فى عام 2018.

يشارك فى بطولة الفيلم مجموعة كبيرة من الممثلين من مختلف أنحاء العالم وكتب سيناريو الفيلم ديفيد ارتا صاحب الفيلم الشهير (أطفال الرجال) بالتعاون مع المخرج فرومين الذى صرح قائلا: (يشرفنى أن أعمل مع هذا الفريق الرائع، وأنا أتطلع إلى تقديم قصة أشرف مروان إلى جمهور عالمى). كما أضاف مخرج الفيلم أن التحضير للفيلم بدأ منذ عدة سنوات. حسب تقرير جريدة موقع فارايتى يتم تصوير الفيلم باللغات الانجليزية والعربية والعبرية، ويعد هذا الفيلم هو الأول الذى يتضمن حوارا طويلا باللغة العربية يمتلك موقع نيتفليكس حقوق عرضه.


1- فيلم الجاسوسية

مخرج الفيلم ارييل فرومين جمع بين دراسة الفن والقانون حيث حصل على تعليمه السينمائى فى كل من جامعة نيويورك وكلية لوس انجلوس السينمائية وحصل على شهادة فى القانون من جامعة كينت فى المملكة المتحدة، وحقق شهرة واسعة بعد إخراجه الفيلم الأمريكى (رجل الثلج) عام 2012  الذى يتناول  قصة السفاح ريتشارد كوكلينسكى الذى عمل للمافيا وقتل أكثر من 125 شخصا من 1960 إلى 1980.

اختار فرومين فريق عمل متعدد الجنسيات، ووقع اختياره على الممثل الهولندى مروان كنزارى لكى يلعب شخصية أشرف مروان، وبدأ كنزارى مشواره التمثيلى  فى سن المراهقة  عندما شارك فى النسخة الهولندية من فيلم شيكاجو الغنائى. وقد عمل فى عدد من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية فى  هولندا منذ عام 2008. وفى عام 2013، فاز بجائزة أفضل ممثل فى مهرجان هولندا السينمائى عن دوره فى فيلم ولف.

وفى عام 2014، حصل على جائزة نجوم الرماية فى مهرجان برلين السينمائى الدولى. كنزارى من أصول تونسية  ويتحدث العربية والهولندية والفرنسية والإنجليزية.  وقد شارك فى عدد من الأفلام الأمريكية مثل كوليد وبن هور.

ويلعب شخصية الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر الممثل الأمريكى ذو الأصول الفلسطينية وليد فؤاد زعيتر وهو ممثل ومنتج قام بالمشاركة فى العديد من الأعمال على خشبة المسرح فى واشنطن العاصمة وبيركلى وكاليفورنيا ومدينة نيويورك، بالإضافة إلى العديد من الأفلام ومسلسلات التليفزيون. يعيش حاليا فى لوس أنجلوس، كاليفورنيا.

زعيتر، هو منتج الفيلم الفلسطينى (عمر)، ولد زعيتر فى ساكرامنتو بولاية كاليفورنيا، لكنه نشأ فى الكويت. وعاد إلى الولايات المتحدة للحصول على شهادته فى الفلسفة والمسرح بجامعة جورج واشنطن. بدأ حياته المهنية التمثيلية مع العديد من الإنتاجات فى واشنطن، قبل الانتقال إلى مدينة نيويورك. فى مرحلة نيويورك، تلقى إشادة نقدية لتقديمه شخصية مترجم عراقى سابق للجيش الأمريكى، فى فيلم جورج باكر (خيانة). كما شارك فى العديد من المسرحيات حيث عمل  جنبا إلى جنب مع ميريل ستريب وكيفن كلاين فى مسرحية شجاعة الأم  على خشبة المسرح العام. زعيتر هو أيضا منتج  المهرجان الكوميدى العربى الأمريكى السنوى وعضو فى المسرح العربى الأمريكى. وتشمل إنتاجات زعيتر السينمائية والتليفزيونية مسلسل (بيت صدام) من إنتاج محطة اتش بى أو بالتعاون مع محطة  بى بى سى.  والجدير بالذكر أن زعيتر يستعد لتقديم معالجة سينمائية لقصة الكاتب الفلسطينى إبراهيم  (على تلال الله) والتى تتناول قصة مصير عائلة فلسطينية أثناء حرب 1948.

تلعب شخصية منى عبدالناصر الممثلة الإسرائيلية ذات الأصول العربية ميساء عبدالهادى التى شاركت فى عدد من الأعمال الدولية مثل الفيلم الأمريكى (شئون شخصية) والفيلم الفرنسى (تدرج).  

أما شخصية الرئيس المصرى الراحل أنور السادات يقدمها الممثل الإسرائيلى ذو الأصول العراقية ساسون غاباى، ليست هذه هى المرة الأولى التى يقدم فيها  غاباى شخصية مصرية، فقد حقق شهرة واسعة بعد بطولة فيلم (زيارة الفرقة) عام 2007  والذى تدور أحداثه حول فرقة موسيقية مكونة من عناصر من قوات الشرطة المصرية  تسافر لكى تقدم عرض موسيقى فى حفل افتتاح مركز عربى للفنون ولكنها تضل طريقها فى إسرائيل.

تعد شخصية سامى شرف سكرتير الرئيس المصرى جمال عبدالناصر من الشخصيات الرئيسية فى الفيلم ويلعب دوره الممثل الفرنسى سليمان دازى. ومن الشخصيات النسائية فى فيلم (الملاك) شخصية سعاد وهى سيدة كويتية متزوجة من عبدالله مبارك الصباح المليونير الكويتى والصديق المقرب من أشرف مروان ومنى جمال عبدالناصر. تلعب شخصية سعاد الممثلة الإسرائيلية.

سابير أزولاى وهى ممثلة ومغنية وراقصة، وقبل أن تتجه لعالم الفن كانت عضوة فى الجيش الإسرائيلى وعملت كقائدة للدبابات. كما يلعب الممثل الإسرائيلى تساهى هاليفى دور الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى الذى جمعته بأشرف مروان علاقات طويلة الأمد.


2- الكتاب

الفيلم مأخوذ عن الترجمة الإنجليزية التى ظهرت العام الماضى 2016 من كتاب الباحث الإسرائيلى أورى بار جوزيف (الملاك: الجاسوس المصرى الذى أنقذ إسرائيل)، وهو أستاذ فى قسم العلاقات الدولية فى كلية العلوم السياسية بجامعة حيفا. وهو متخصص فى الأمن القومى والدراسات الاستخباراتية والصراع العربى - الإسرائيلى.

الكتاب يعتمد على إجراء مجموعة من الحوارات الصحفية وتقديم شهادات استهدفت إثبات أن مروان لم يكن عميلا مزدوجا لكنه جاسوس يعمل لصالح إسرائيل، تحت اسم  حركى «الملاك»، حول مروان مصر إلى كتاب مفتوح، وأنقذ إسرائيل من هزيمة مدمرة بإبلاغ الموساد قبل الهجوم المصرى - السورى  فى حرب أكتوبر عام 1973.

وبحسب الكتاب، كان لدى مروان عدد من الدوافع للتجسس لإسرائيل، ومن بينها الرغبة فى الانتقام والحاجة إلى المال. أولا، لم يكن جمال عبدالناصر يحب مروان وحاول منع ابنته من الزواج منه. بعد تخرجه فى جامعة القاهرة حيث تخصص فى الهندسة الكيميائية وجند فى الجيش التقى منى ناصر، ابنة الرئيس عبدالناصر والقريبة من قلبه والتى ارتبطت بأشرف دون مباركة والدها. فى عام 1968 بدأ مروان العمل فى المكتب الرئاسى تحت إشراف سامى شرف، مساعد عبدالناصر والرجل القوى فى جهاز الأمن المصرى الذى كان يراقبه.وبالتالى ليس من المستغرب أن يشعر مروان بالاستياء مع وضعه فى الدرجة الثانية.

كما كان مروان عاشقا لحياة الرفاهية وساعده التجسس على توفير هذا النمط من الحياة خاصة أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان حريصا على الحفاظ على نمط حياة عادى لعائلته.   فى أواخر عام 1968، غادر مروان مع منى وابنهما جمال إلى لندن، بزعم استمرار دراسات مروان. وبعد بضعة أشهر عاد الزوجان الشابان إلى مصر  بأمر من عبدالناصر الذى كان يشعر بالغضب من المعلومات التى تشير إلى حرص مروان على التمتع بنمط حياة فخم.

ولشرح سبب استمرار مروان فى التجسس بعد وفاة ناصر وخلال الفترة التى كان يعمل فيها مع السادات،  أثار بار جوزيف دوافع معقدة، بما فى ذلك رغبة مروان فى أن يكون فى صف الفائز بعد الانتصار الإسرائيلى فى حرب الأيام الستة 1967 وحاجته للتأثير على الأحداث، ويرى الكاتب الإسرائيلى أن مروان كان لديه مشكلة مع السلطة. 

فى عهد ناصر، لم يشغل مروان  سوى منصب صغير،  إلا أنه بعد وفاة ناصر فى سبتمبر 1970، أصبح مروان مساعدا مقربا للرئيس السادات  الذى احتاجه  فى الحصول على دعم أسرة ناصر. فى مايو 1971 لعب مروان دورا مهما فى هزيمة محاولة انقلاب  من قبل الموالين لناصر، بمن فيهم سامى شرف، ضد حكم السادات. بعد هذه الأحداث اعتقل شرف ورشح السادات مروان ليحل محله. إلى جانب  لقبه الرسمى، كان مروان هو المبعوث الشخصى للسادات، المسئول عن العلاقات مع السعودية وليبيا. ولكن على الرغم من هذا التقارب العلنى بين السادات ومروان إلا أن الكتاب يؤكد أن  الضباط الإسرائيليين الذين تعاملوا مع مروان كانوا يعتقدون أنه يشعر بازدراء السادات تجاهه.

وبعيدا عن الدافع، يؤكد بار جوزيف أن هناك أسبابا أخرى تؤكد  أن مروان لم يكن عميلا مزدوجا.  من أهم هذه الأسباب  إمكانية تعرض الدولة المصرية لخطر كبير فى حالة إلقاء القبض على مروان من قبل الجانب الإسرائيلى وذلك  لارتباطه  بشخصيات سياسية مصرية رفيعة المستوى وبالتالى سيكون لدى مروان الكثير ليقوله للإسرائيليين عن السياسة المصرية وكبار المسئولين.

كما يجادل  بار جوزيف حول طبيعة المعلومات الاستخباراتية التى أعطاها مروان إلى  الإسرائيليين  ويعتبرها ببساطة معلومات مدمرة جدا للمصالح المصرية. ويؤكد أن مروان قدم معلومات استخباراتية دقيقة عن استعدادات  الجيش المصرى  لشن الحرب قبل عام من الهجوم ما أعطى إسرائيل الكثير من الوقت لتجهيز دفاعاتها.

كما يؤكد الكاتب الإسرائيلى أن أشرف مروان لم يكن عميلا مزدوجا بل كان أهم جاسوس فى تاريخ إسرائيل، ويؤكد أن هناك ردا على اتهام إيلى زعيرا  مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر وأول من كشف شخصية أشرف مروان حيث اتهمه بأنه كان عميلا مزدوجا. وكان إيلى زعيرا قد اعتبر تأخر مروان فى إبلاغ إسرائيل بموعد الحرب دليلا على كونه عميلا مزدوجا. وكتب  بار جوزيف أن مروان لم يكن فى مصر عندما أعطى السادات الأمر العام للهجوم فى ثلاثة أيام، وبالتالى لم يكن على علم بهذا الأمر. وعندما اكتشف من خلال معرفة أن الطائرات المصرية سيعاد توجيهها إلى ليبيا، عرف مروان من فهمه لخطط المعركة بأن الحرب باتت وشيكة، واتصل على الفور بعملاء الموساد. حسب الكتاب أشار مروان فى تحذيره لإسرائيل إلى أن وقت بدء المعركة سيكون فى الغسق، ولكن مروان لم يكن يعرف  أن السادات قد توصل إلى حل وسط مع الرئيس السورى حافظ الأسد، الذى أراد بدء الهجوم فى الفجر،  وتم الاتفاق فى النهاية على بدء شن الهجوم فى الثانية ظهرا.

وسوف يركز الفيلم  بشكل خاص على تفاصيل تعاون أشرف مروان كما أتت فى كتاب الملاك، وفقا للكتاب، الملاك، كان الموساد الإسرائيلى يدفع له من 50 إلى 100 ألف دولار فى كل مرة يقدم فيها معلوماته، وقد اعتاد تقديم المعلومات مرة أو مرتين فى الشهر، بالإضافة إلى المكافآت والهدايا. وقد بدأ مروان حياته المهنية كجاسوس إسرائيلى فى عام 1970 عندما اتصل بالسفارة الإسرائيلية فى لندن لتقديم خدماته فى بيع أسرار مصر العليا. يقول الكتاب إن الموساد كان متشككا فى البداية، ولكن بمرور الوقت أثبتت المعلومات التى قدمها أنه مفيد وموثوق به، وبدأت الدوائر الإسرائيلية العليا فى منحه ثقة مطلقة.  ويؤكد الكتاب أن مروان ظل يعمل جاسوسا إسرائيليا لأكثر من 30 عاما حتى عام 1998.