أسبوع الفزع والإرهاب فى مترو وقطارات أوروبا وأمريكا

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


تفجير قطار للأنفاق فى لندن وهجوم على محطة مترو بباريس

■ عودة دموية للقاعدة باستراتيجية تفجيرات لندن ومدريد.. والمخابرات الألمانية ترصد محادثات لدواعش يخططون لهجمات "السكة الحديد"


فى منتصف أغسطس الماضي، أطلق تنظيم القاعدة دعوته لاستهداف وسائل المواصلات الحيوية فى دول الغرب وفى مقدمتها القطارات والسكك الحديدية ومحطات مترو الأنفاق، كما خص التنظيم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد، ووضعها فى مقدمة الدول المستهدفة.

لم تمر بضعة أسابيع فقط على نفير «القاعدة» المفزع، وبحلول الذكرى الـ16 لتفجيرات 11سبتمبر، العيد الرسمى لتنظيم أسامة بن لادن وأتباعه حول العالم، حتى شهدت بريطانيا، عملية إرهابية فى محطة قطارات بارسونز جرين، إحدى محطات مترو لندن، عبوة ناسفة يدوية الصنع، انفجرت فى إحدى عربات القطار، وأسفرت عن 29 مصاباً معظمهم بحروق، وكان من الممكن أن تؤدى إلى كارثة محققة، لولا أن الانفجار حدث بشكل جزئى فقط.

الأمر الذى دفع رئيسة الوزراء البريطانية إلى رفع مستوى التأهب الأمنى إلى المستوى الخامس، أعلى مستويات الإنذار والتحذير الأمنى فى بريطانيا، ونقله من المستوى «خطير»إلى «حرج» مايعنى أن «عملا إرهابيا وشيكا» من المتوقع أن يحدث.

وأعلنت الشرطة البريطانية «اسكوتلانديارد» أن 1000 من عناصرها المسلحين سينتشرون فى شوارع البلاد، بالإضافة إلى طلبها مساعدة الجيش، الذى بدأ فى تأمين المواقع الأهم فى البلاد، وهى قصر باكنجهام، ومقر رئاسة الوزراء، والسفارات وقصر وستمنيستر، عبر دوريات مسلحة تسير بالقرب من هذه المواقع.

أيضا أعاد الفزع الجديد إلى الأذهان فى الدوائر الأمنية فى بريطانيا، فاجعة تفجيرات مترو لندن فى 2005، التى نفذها انتحاريون ينتسبون إلى تنظيم القاعدة وأسفرت عن 52 قتيلا، كما نقل خطر العمليات الإرهابية فى البلاد من مستوى حوادث الدهس والطعن إلى مستوى الهجمات الإرهابية الضخمة والمنظمة والأكثر خطورة ودموية.

وفيما أعلن «داعش» مسئوليته عن العملية الأخيرة فى بريطانيا وأنها نتاج مجهود»مفرزة» تابعة له، إلا أن الجهات الرسمية البريطانية، لم تحسم تبعية العملية لتنظيم البغدادى من عدمه حتى الآن، وإن خرجت تسريبات أمنية ترجح حتى الآن أن من نفذ العملية ليس «ذئباً منفردا» وأن خلية إرهابية كاملة تقف وراء ماحدث، إضافة إلى الإعلان بشكل رسمى عن إلقاء القبض على شابين أحدهما لاجئ عراقى 18عاماً والثانى لاجئ سورى يدعى يحيى فاروق 21عاماً، ويشتبه فى تورطهما فى الهجوم الإرهابى.

لم يكن من الممكن بأى حال من الأحوال تجاهل تزامن العملية مع حلول ذكرى تفجيرات 11سبتمبر، كما لم يمكن أيضاً عدم ربط تنفيذها مع التهديدات الأخيرة من «القاعدة» باستهداف القطارات ومحطات المترو والسكك الحديد ووسائل النقل تحديداً، بل بوضع بريطانيا فى أولويات أهداف التنظيم بشكل صريح، إضافة إلى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

وزاد من الأمر إثارة للفزع والبلبلة أن عملية مترو لندن الأخيرة، تزامن معها، وفى نفس اليوم هجوم إرهابى آخر على أحد عناصر دورية عسكرية، تشارك قوات الشرطة الفرنسية تأمين الأماكن الحيوية، فى محطة شاتليه المركزية للمترو وقطارات الضواحى بباريس، وهى المحطة الأكبر فى العاصمة الفرنسية، التى تستقبل يومياً عشرات الآلاف من المسافرين، ونفذ الهجوم إرهابى حاول طعن أحد الجنود وهو يهتف الله أكبر.

بذلك أثارت التطورات الأخيرة الخوف بشأن تحول استهداف القطارات ومحطات مترو الأنفاق إلى موجة جديدة للهجمات فى دول الغرب، خاصة بالنسبة للدول الثلاث التى تلقت التهديد المباشر باستهداف قطاراتها.

ففى أعقاب تفجير قطار الأنفاق فى لندن، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، الضلع الثالث فى مثلث الدول المستهدفة فى نفير القاعدة الجديد، فرض إجراءات أمنية مشددة، والتوسع فى إجراءات فحص حقائب المسافرين ونشر أفراد أمن مسلحين ودوريات شرطة إضافية لتأمين القطارات والمحطات،والسكة الحديد، وشبكة مترو الأنفاق، فى نيويورك التى تشهد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بالتوازى مع فرض حالة تأهب لتأمين المطارات والجسور والأنفاق والأماكن الحيوية والحساسة، وتعميم إجراءات مماثلة فى واشنطن ولوس أنجلوس وغيرهما من المدن المهمة.

فيما أعلنت الحكومة الفرنسية إجراءات مماثلة بدورها أيضاً، وأكدت أنها تتعامل مع الوسائل المبتكرة من تنظيم «القاعدة» مؤخراً لـ«قلب القطارات» بجدية بالغة.

يزيد من خطورة الوضع أن دعوة «القاعدة» باستهداف القطارات ومحطات مترو الأنفاق وخطوط السكة الحديد، فى الولايات المتحدة الأمريكية ودول القارة الأوروبية، أصبح الأكثر رواجاً على المواقع الجهادية فى العالم الآن، كما أن محاكاة وتطبيق الدواعش أنفسهم لاستراتيجية «القاعدية» وإدراج استهداف القطارات ومحطات المترو فى أجندة عملياتهم فى أوروبا هو أمر غير مستبعد بالمرة، وهو ما حدث قبلاً مع استراتيجية الدهس بالسيارات التى أسس لها منظر القاعدة الشهر أنور العولقى ثم اعتمدها داعش وطورها لاحقاً.

وذلك علماً بأن المخابرات الألمانية قد أعلنت رصدها لمحادثات إلكترونية بين عناصر تابعين للتنظيم يتحدثون عن ضرورة استهداف القطارت، كما أن هجمات بروكسل مارس 2016، ونفذتها خلية تابعة لتنظيم «داعش»، قد شهدت بالأساس استهداف محطة مترو مالبيك فى قلب العاصمة البلجيكية فى عملية شهدت استهداف مطار زافنتم أيضاً.

الأخطر أيضاً أن الدعوة التى أطلقتها «القاعدة» لم تقف عند حدود «النفير»المطلق لعناصرها والموالين لها فى دول الغرب لتنفيذ هجمات بالطرق التقليدية، وإنما تجاوزت ذلك لطرح وسائل مبتكرة لـ «إزاحة القطارات عن مساراتها ومضاعفة عدد ضحايا عملياتهم الإرهابية»، حيث حرض تنظيم القاعدة العناصر الموالية له عبر مجلته الإلكترونية الإنجليزية الشهيرة «إنسباير»، على ضرورة بدء حرب «حرف القطارات وقلبها»، خاصة فى بريطانيا، وكذلك فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وباقى الدول الغربية التى تمتلك خطوط سكك حديدة ضخمة، تمتد آلاف الكيلو مترات، ويصعب جداً تأمينها بشكل كامل.

وإنما قدمت «انسباير» لمتابعيها وسيلة غاية فى البساطة لتنفيذ عملية قلب القطارات، عبر دفعها للانحراف عن مسارها بوضع أداة على القضبان، حيث صاحبت الأوامر شرحا تفصيليا لكيفية تصنيع هذه الأداة وكيفية استخدامها فى تنفيذ العملية ، بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الخسائر فى الأرواح وإثارة الرعب بين المسافرين والركاب، ودفع أجهزة الأمن إلى فرض مزيد من التضييق والإجراءات الأمنية «حان الوقت لأن نبث الخوف بينهم وندفعهم لفرض إجراءات أمنية مشددة كما فعلوا فى النقل الجوي».

فطالما كان استهداف القطارات ووسائل النقل، استراتيجية أصيلة لدى «القاعدة» سبق أن لجأت إليها فى أخطر هجماتها فى أوروبا، كتفجيرات مدريد الدامية عام 2004وأيضاً تفجيرات مترو لندن عام 2005، كما تحاول إحياء تلك النوعية من الهجمات مجدداً الآن والدفع بها إلى صدارة المشهد الإرهابى العالمي، فى توقيت يسعى التنظيم إلى طرح نفوذه من جديد على الساحة.

وطالما كانت القطارات ومحطات مترو الأنفاق أحد أكثر الأهداف شيوعاً أيضاً لدى التنظيمات الإرهابية عامةً، حيث تشير احصائيات منشورة إلى أن 75% من ضحايا الهجمات الإرهابية فى أوروبا، قد سقطوا فى محطات مترو القطارات تحت سطح الأرض، وأن 5 مخططات لهجمات إرهابية على وسائل المواصلات فى مدينة نيويورك فى الولايات المتحدة الأمريكية تم إحباطها بين عامى 2003 و2004، إضافة إلى اكتشاف مخطط آخر لتنفيذ هجوم فى مترو أنفاق العاصمة الأمريكية واشنطن عام 2010.

فيما تراهن التنظيمات الإرهابية دوماً على صعوبة تأمين وسائل المواصلات والقطارات بشكل كامل، فى الوقت الذى توفر لها تلك النوعية من العمليات إسقاط أكبر عدد من الضحايا وإثارة أكبر قدر ممكن من الفزع والدموية، خاصة فى ساعات الازدحام والذروة.