مناهج الأزهر تبيح ممارسة الجنس مع الموتى.. والخلاف حول صحة وضوء الفاعل

العدد الأسبوعي

الدكتور أحمد الطيب
الدكتور أحمد الطيب - شيخ الأزهر


أغلقوا دار الإفتاء أو أحرقوا كتب الجهل

■ الإفتاء والطيب حرّما «نكاح الموتى» ولكن الأستاذة وملايين الطلاب يؤمنون بأن الشرع لم يحرمها


خرجت دار الإفتاء المصرية، عن صمتها، بعد الجدل الكبير الذى أثارته فتوى حق الرجل فى ممارسة الجنس لمرة أخيرة مع زوجته المتوفاة، قبل دفنها، وأعلنت أن طريقة الجماع بعد موت الزوجة هو فعل محرم شرعاً ومن كبائر الذنوب، واستندت فى فتاواها على كتاب الزواجر لشيخ الإسلام ابن حجر الهيتمى.

ودار الإفتاء قالت فى منشور على صفحتها الرسيمة بموقع «فيس بوك»، إن مرتكب هذه الفعلة يستحق العقاب والتأديب، لأن هذا التصرف مما تأباه العقول السليمة والفطرة المستقيمة، وتنفر منه الطباع السوية، حتى أن البهائم لا تفعله، فكيف بالإنسان المكرم فى قوله تعالى «ولقد كرمنا بنى آدم..».

وحاولت دار الإفتاء علاج أزمة الجنس مع الموتى، بتلك الفتوى التى اعتبرها القائمون على الأزهر قاطعة، خصوصاً أن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، نشر مقاله الأسبوعى فى جريدة صوت الأزهر، الناطقة بلسان المؤسسة الأزهرية، بعد مرور 12 ساعة فقط، على تعليق دار الإفتاء، ليطالب بالحجر على أصحاب الفتاوى الشاذة لأنها تضر المجتمعات.

الطيب قال فى مقاله، «إن علماء الأمة وضعوا للفتوى ضوابط وقواعد وآداباً، وأوجبوا على المفتِين مراعاتها عند القيام بالنظر فى النوازل والمستجدات، رعاية لمقام الفتوى العالى من الشريعة وإحاطةً له بسياج الحماية من عبث الجهلة والأدعياء».

وفرق الطيب بين «فقه التيسير -فى الشريعة- المبنى على التيسير ورفع الحرج وبين منهج المبالغة والغلو فى التساهل والتيسير واتباع الرخص وشواذ الآراء، أو التصدى لمسائل وقضايا لا تتناسب مع طبيعة العصر، ولا تنسجم مع النفس الإنسانية السوية، حتى لو وجدنا بعض هذه المسائل فى كتب التراث على سبيل التمثيل أو الافتراض».

ولكن مناسبة الفتوى والمقال يحتاجان لوقفة أكثر وضوحاً وحسماً، لأن المجتمع لا يزال أمام تضارب حقيقى، بين الموقف الرسمى لشيخ الأزهر الذى طالب بالحجر على أصحاب الفتاوى الشاذة، وفتوى دار الإفتاء بتحريم نكاح الموتى، وبين أساتذة الأزهر نفسه الذين قالوا إن ممارسة الجنس مع الموتى ليس حراما، لأن الرأى ونقيضه صادران عن الأزهر.

فى النصوص وكتب التراث التى تتم دراستها فى قطاع المعاهد الأزهرية وفى جامعة الأزهر، وفى الكتب التراثية الموجودة فى مكتبتها التى لا تبعد سوى أمتار عن مكتبى كل من شيخ الأزهر ومفتى الجمهورية، لا تحرم الجنس مع الموتى، خصوصاً أن هذه المسألة لم تتناولها المذاهب الأربعة.

ولو سألت ملايين الطلاب الذين تخرجوا من الأزهر على مدار الأعوام الماضية من أساتذة وتلاميذ عن الجنس مع الموتى فلن يستطيع أحد منهم القول بتحريمه، لأن ما درسوه فى المؤسسة الدينية الأعلى فى العالم الإسلامى، لا يقول بالتحريم.

وعندما خرج كل من الدكتور صبرى عبد الرؤوف، الذى يطلق الفتاوى منذ أكثر من 35 عاماً، والدكتور سعاد صالح، الداعية الشهيرة، والتى قالت إن كتب الفقه تحمل فتاوى تجيز الجنس مع الحيوانات» والتى ربت أجيالاً كثيرة من أصحاب الفتاوى فى الفضائيات، وقالوا إن تلك الفتاوى موجودة فى كتب الأزهر وأنهم لم يأتوا بشىء من عند أنفسهم، فأنهم لم يكذبوا ولم يحرفوا أفكار الأزهر ولكنهم نقلوا ما تعلموه من كتب التراث على مدار السنين.

نحن هنا أمام موقف متضارب، كتب ومناهج الأزهر، تناقض المشيخة ودار الإفتاء فى فتاويها الأخيرة، ومنها كتب نهاية المحتاج إلى شرح المناهج، الكافى فى فقه الإمام بن حنبل، تحفة الحبيب على شرح الخطيب، كنز العمال فى سنن الأقوال والأفعال، البحر الرائق شرح كنز الرقائق، رد المحتار على الدار المختار، والإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع، وكل هذه الكتب يتم تدريسها فى جامعة الأزهر وقطاع المعاهد الأزهرية وكلها من مقتنيات مكتبة الأزهر، ومعظم الفتاوى الموجودة فى موسوعة الفقة الإسلامى مأخوذة منها، ولم يقل واحد من أتباع المذاهب الأربعة المشهورة المعمول بها فى كل ربوع العالم الإسلامى، ليختلف مع تلك الفتاوى.

المذاهب الأربعة لم تر أن الجنس مع الموتى فعل يخالف الطبيعة الإنسانية أو أنه أمر ترفضه الشريعة وتحرمه ولكنها تعاملت مع تفاصيل الفعل باعتباره أمرا مقبولاً ووفقاً لمذهب الإمام الشافعى فى تلك المسألة: «ولا يعاد غسل الميت إذا أولج فيه أو استولج ذكره لسقوط تكليفه كالبهيمة، وإنما وجب غسله بالموت تنظيفاً وإكراما له، ولا يجب بوطئ الميتة حد، ولا مهر»، وتعنى هذه العبارة أن الميت الذى تمت ممارسة الجنس مع جثته، لا يعاد تغسيله سواء ذكرا أو أنثى، ولا يتم تطبيق حد الزنىعلى من مارس الجنس معه.

ولم يختلف مذهب الإمام بن مالك مع الشافعى، وفى باب «النكاح» فصل «المهر»، ما نصه «ويجب مهر بوطء ميتة كالحية، ويتجهل محل وجوب المهر فى وطء ميتة إذا كانت غير زوجته أما زوجته، فلا شيء عليه فى وطئها حية وميتة، لأن مقتضى تصريح الأصحاب بأن له تغسيلها لأن بعض علق النكاح باقية، وأنها ليست كالأجنبية من كل الوجوه.

والنص هنا يقول بوضوح أنه يجب على من مارس الجنس مع جثة سداد مهرها لأسرتها، أما إذا مارس الرجل الجنس مع جثة زوجته فلا يوجد مهر عليه لأنها ليست أجنبية».

ولم يختلف الأمر كثيراً عند الإمام أبو حنفية وتلاميذه الشيبانى وابن يوسف، فى المناهج الأزهرية المقررة على طلاب المذهب الحنفى فى المعاهد الأزهرية فى باب الأحوال الشخصية «النكاح» حيث لم يفت تلاميذ أبى جنيفة، بتحريم نكاح الموتى، ولكنهم انشغلوا بأمر آخر وهو طهارة من ممارس الجنس مع جثة، فى حالتى إدخال العضو الذكرى أو جزء منه فى فرج الموفاة، حيث قالوا بوجوب الغسل فى حال ممارسة الجنس مع الميتة والإنزال فيها، لأنه تمتع بالرغبة والشهوة.

وفى نفس الاتجاه ذهب الإمام أحمد بن حنبل، فى كتابه الكافى فى فقه الإمام أحمد، فى باب «ما يوجب غسله»، بالمجلد الأول، بقوله «لأن الضرورة إذا رفعت حرام ما وراءها، كالشبع مع الميتة»، أى أنه رأى جواز ممارسة الجنس مع الجثث فى حالة الضرورة، لأن نكاح الميتة لم يأتى نص بتحريمه.

هناك فتاوى غريبة وإن كانت تتنافى مع العقل والمنطق هو قيام الزوجة بممارسة الجنس مع زوجها المتوفى، فلم يقل الأئمة بتحريم هذا الفعل، ولكن ما اتفقوا عليه هو ليس تحريم الفعل ولكن هل يجوز لها الزواج من أخيه أو أحد أقاربه بعد ذلك.

وهناك أقوال وفتاوى كثيرة فى تلك المسألة منها ما هو غريب ويرفضه العقل والمنطق والعلم والدين، ولكننا أمام مشكلة ومعضلة حقيقية مفادها أن هناك أزمتين فى الواقع داخل مؤسسة الأزهر يجب التعامل معهما، الأولى هى كتب التراث وضرورة تنقيتها بشكل واضح، وأن يطرح الأزهر مشروعاً كبيراً لتطوير مناهجه وخلال مدة زمنية محددة.

والمعضلة الثانية هى كيفية التعامل مع ملايين من خريجى ومدرسى الأزهر الذين تمت تربيتهم على تلك المناهج على مدار عقود فكيفية التعامل معهم وتلك هى المعضلة الحقيقية التى تنسف كل محاولات تجديد الخطاب الدينى.