مقبرة المرشدين.. "بقيع" الإخوان الوهمى فى "الوفاء والأمل"

العدد الأسبوعي

محمد مهدي عاكف -
محمد مهدي عاكف - المرشد السابع فى تاريخ جماعة الإخوان


■ "مشهور" صاحب فكرتها.. و"التلمسانى" أول من دفن فيها.. و"الهضيبى الصغير" خاصمها.. و"عاكف" آخر الوافدين عليها


توفى محمد مهدي عاكف المرشد السابع فى تاريخ جماعة الإخوان، وأنهت أسرته مراسم دفنه فى نفس اليوم، غير أن ما لم يلتفت إليه أحد هو أن الدفن لم يكن أبداً فى مقابر العائلة، كما هو الطبيعى والبديهى والمنطقى. وإنما وللمفاجأة، دفن عاكف فى «البقيع» الإخوانى الخاص بالجماعة، أحد أخطر إنشاءاتها الرمزية والتكتيكية والنفسية أيضاً.

اختار عاكف، فى لحظة فارقة، أن «يجاور» سابقيه من مرشدى الجماعة، وقياداتها الأوائل فيما تعرف بـ «مقبرة المرشدين»، وهى المقبرة التالية فى القداسة لدى الإخوان المسلمين، بعد مقبرة حسن البنا، مؤسس الجماعة، المدفون فى مقابر الإمام الشافعى.



فى الإخوان حيث يصنع التنظيم سطوته على نفوس أعضائه والموالين له من تخليق «الأسطورة».. ويحصل على «قبلة الحياة» من الترويج للمظلوميات والاستشهاديات والكربلائيات.. للعبة دوماً قواعدها شديدة الخصوصية.

«الكهنوت الإخوانى» أيضاً له جلاله لدى مريديه.. وتأثيره دائماً على الأتباع لا يخيب. الأدبيات الإخوانية تجعل من «الإمام المؤسس» «نصف نبى».. هو المعجزة البشرية.. وهو «الشهيد الحى».. و«الرعيل الأول» من قيادات الجماعة الأوائل - كما يطلق عليهم أعضاء الإخوان - هم حواريوه وصحابته أيضاً.. لهم كل الهالة المقدسة.. ولهم الكرامات «المختلقة» والمزيفة كذلك فى أحيان كثيرة.

ولأن للأفكار الشيطانية رجالها.. لم يكن ينقص تلك التركيبة المخيفة، فى عقل مصطفى مشهور، أخطر قيادات «النظام الخاص» والمرشد الحديدى فى تاريخ الجماعة منذ أن أسسها حسن البنا، إلا إقامة «بقيع إخوانى» يضم رفات مرشدى الجماعة، وقياداتها التاريخية، بعيداً عن مقابر عائلاتهم.. يرسخ من النفوذ النفسى والكهنوتى والرمزى لكيان الجماعة وقياداتها لدى الأعضاء والأتباع.. وسلاح يظل عبر العقود أثراً وشاهداً، يخلد ذكرى الإخوان إلى ماشاء الله.. ويكون مزاراً ومصدراً للحصول على البركة.

كان مصطفى مشهور نائباً للمرشد العام للجماعة عندما أصدر أوامره بتأسيس «مقبرة المرشدين» سنة 1985، فتم شراء مقبرة على مساحة 120 متراً، على أطراف القاهرة فى مقابر»الوفاء والأمل»، فى مدينة نصر (بالقرب من محور المشير طنطاوى حالياً) ضمن القسم (و) أفضل الأقسام مساحة وتشطيبا بمجمع المقابر الذى لم يكن يضم من المشاهير وقتها إلا الشيخ عبدالحميد كشك فى مقابر القسم (ج)، وقد تم تشطيبها تشطيبا فاخراً، وقسمت إلى 3عيون رجالى و3عيون حريمى بينهما (صالة) بحيث تتسع كل عين لخمس أو ستة أشخاص.

شاهد المقبرة لايزال يحمل اسم مصطفى مشهور، وقد تم تسجيل ملكيتها باسمه، نظرا لاستحالة تسجيلها فى الأوراق الرسمية باسم جماعة الإخوان، وعلى ذلك فقد استأثر مصطفى مشهور دون غيره، بما كان له من نفوذ تنظيمى مطلق وقتها، بخلاف أنه صاحب فكرتها، على أن تكون المقبرة فى عهدة مكتب الإرشاد بعد وفاته ولا تدخل فى ميراثه أو أن تكون مقابر عائلية لأفراد أسرته الذين يملكون بالفعل مقابر عائلية فى قرية السعديين بالشرقية، وإن كانت بعض الروايات تشير إلى أن «مقبرة المرشدين» التى وصل الأمر بأعضاء الإخوان أن يطلقوا عليها «مقبرة الخالدين»، تابعة فى الأوراق الرسمية للجمعية الخيرية الإسلامية، أحد «واجهات» الإخوان.

فيما تؤكد المصادر أن «مقبرة المرشدين» ليست المقبرة الوحيدة التابعة للجماعة فى مقابر»الوفاء والأمل»، وأن المرشد الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين، عمر التلمسانى، عندما طلب من محافظ القاهرة وقتها، الحصول على قطعة من الأرض لتكون مقبرة خاصة بالمرشدين، وتم تسجيلها فى الأوراق الرسمية باسم مصطفى مشهور، نجح أيضا فى الحصول على مقبرة أخرى مواجهة لها مباشرة، وبمساحة أكبر أيضاً، تضم أربعة عيون كاملة كل عين منها مقسمة إلى قسم رجالى وآخر حريمى، بحيث يدفن فيها أعضاء الجماعة ممن لا تمتلك عائلاتهم مقابر خاصة بها، بما يشبه مقابر الصدقة، وذلك بخلاف أسماء البلتاجى ابنة القيادى الإخوانى محمد البلتاجى، وقد دفنت بدورها فى «الوفاء والأمل» أيضاً.

ما أن تم الانتهاء من تشطيب «مقبرة المرشدين» بالفعل حتى شهدت الجماعة وفاة مرشدها الثالث عمرالتلمسانى فى 22مايو 1986 ليكون جسده أول ما يستقر فى (العين الأولى) بها.

العيون الرجالى الثلاث للمقبرة، ضمت المرشدين الثلاثة بترتيب وفاتهم، حيث ضمت العين الثانية أيضاً جثمان المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر الذى توفى فى 20 يناير 1996، ثم المرشد الخامس للجماعة مصطفى مشهور المتوفى فى 15نوفمبر 2002 فى العين الثالثة. ولم يستثنى المرشدين الذين توفاهم الله بعد إنشاء المقبرة وحتى الآن إلا مرشدها السادس مأمون الهضيبى الذى خرج على سابقيه وأوصى بأن يدفن إلى جوار والده المستشار حسن الهضيبى المرشد الثانى للجماعة فى مقابر عائلة الهضايبة فى قرية عرب الصوالحة مركز شبين القناطر قليوبية.

وفى 8 أغسطس2005 أصدر مكتب الإرشاد قراره بفتح «مقبرة المرشدين» وتجهيز إحدى العيون «الحريمى»، لدفن زينب الغزالى رئيسة قسم الأخوات منذ عهد مرشد الجماعة الأول حسن البنا والقيادة النسائية الأخطر والأشهر على الإطلاق، فى تاريخ الجماعة.

وقبل ذلك أيضاً كان مكتب الإرشاد قد قرر فى سبتمبر2000 فتحها لدفن الحاج إبراهيم شرف، أمين عام الجماعة الأسبق وسكرتيرها التاريخى على مدار عدة مرشدين، وكذلك فتحت فى 13فبراير2007 لدفن الحاج يوسف قتة أحد أفراد الرعيل الأول، وأيضاً أحد رموز التنظيم الدولى للإخوان فى الخليج على مدار إقامته لسنوات طويلة فى الكويت، بخلاف الحاج محمدالعريشى أيضاً، أحد قدامى الإخوان أيضا، وصديق مصطفى مشهور والمسئول السابق الشهير للإخوان فى مدينة نصر.

مع الوقت خلقت تلك المقبرة واقعاً إخوانياً أغرب من الخيال، وذلك علماً بأن المقبرة الإخوانية تضم كل عين فيها أحد المرشدين، ظهرت مفاجآت أخرى غير متوقعة، حيث لم يقتصر الأمر على رغبة القيادات الإخوانية فى نيل شرف الدفن فى مقبرة المرشدين فقط بل تجاوز الأمر إلى تحديد المتوفى فى وصيته اسم المرشد الذى يرغب فى أن يجاوره ويبعث معه، حتى يدفن فى نفس العين المدفون فيها ذلك المرشد.

على ذلك، فقد يكون القيادى الإخوانى المتوفى من أصحاب الحظوة والحظ، فيتم الاستجابة إلى وصيته مثل الحاج أحمد أبو شادى أحد الرعيل الأول للإخوان وصهر المهندس خيرت الشاطر (والد الداعية الإخوانى خالد أبو شادى المتزوج من خديجة ابنة الشاطر) وتوفى فبراير2010 ودفن إلى جوار المرشد عمر التلمسانى، أما إذا لم يكن القيادى الإخوانى قريباً من مجموعة «الحكم» فى تنظيم الإخوان، أو لم يكن من الصفوة أو مرضياً عنه، فمن الوارد جداً أن يرى محمود عزت الذى كان يتولى ملف «مقبرة الخالدين» أنه لا يستحق شرف الخلود الإخوانى أو الدفن فى بقيع «الجماعة»، كما كان الحال مع الدكتور سناء أبوزيد عضو مجلس شورى الجماعة السابق وأحد إخوان جيل السبعينيات وقد توفى فى فبراير2008 وأوصى بأن يدفن بجوار أستاذه المرشد عمر التلمسانى أيضاً، ولكن لم يوافق عزت على تنفيذ وصيته لولا استجداء ابنته أسماء أبو اليزيد وتوسط عدد من قيادات الجماعة له.

كما هو المتوقع تماماً، ومنذ إنشائها تحولت «مقبرة المرشدين» إلى «مقام» إخوانى، يأتى إليها الزائرين فى مجموعات بسيارات الميكروباص، والطامعين فى قراءة الفاتحة والحصول على البركة من داخل مصر وخارجها أيضاً، فيما أصبحت المقبرة أيضاً مصدراً للأساطير والكرامات الإخوانية، عبر الحكايات التى يرويها من نزلوا لدفن ذويهم، ومشاهدتهم لأجساد المرشدين الثلاثة التى بقيت كما هى لم تتحلل كما هى عادة الأنبياء والصالحين، وكما سبق وتم الترويج له بشأن مقبرة حسن البنا، مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، وبدأ الترويج له بالفعل الآن بشأن مكان دفن مهدى عاكف لحظة الدفن وأنه كان عبارة عن طاقة من النور.