فتاوي إعادة دفن المومياوات الفرعونية من السادات إلى عبد الله الراجحى

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


الوهابية تكرر حربها الشعواء على الآثار المصرية


بدأت بلدان الخليج العربى إنشاء متاحف كبرى للآثار المصرية على أراضيها، ولا أحد يعلم كيف خرجت، ولا كيف سيتم تقنين عرض تلك المقتنيات الفرعونية.

البداية جاءت من قطر التى افتتحت متحفاً للآثار الإسلامية والفرعونية بالدوحة، يرجح أنها حصلت عليها بطرق غير مشروعة، ومؤخرا عقدت الإمارات العربية المتحدة اتفاقية مع فرنسا لإنشاء فرع لمتحف اللوفر بأبو ظبى، يضم أيضاً عددا كبيرا من قطع الآثار المصرية، وشرعت المملكة العربية السعودية هى الأخرى فى إنشاء متحف، لكن هذا الإجراء يصطدم بالأفكار الوهابية، التى بدأت فى شن حرب شعواء ضد الآثار والمتاحف المصرية.

فى البداية انتشر بسرعة البرق سيل من الفتاوى التى تحرم زيارة المقابر الفرعونية، أو تصوير المتاحف والأهرامات لأنهما يضمان مومياوات.

وفى الأسبوع الماضى شن باحث المصريات بسام الشماع، هجوماً حاداً على صورتين للدكتور زاهى حواس، الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، وهو يقف بجوار أحد المومياوات، ووصف الشماع الإجراء بأنه انتهاك لحرمة الموتى.

قال الأخير لـ" الفجر" إنه شن حملة منذ سنوات لوقف عرض المومياوات بالمتاحف، أو إجراء الأبحاث عليها، لما يمثله ذلك من انتهاك لحرمة الموتى، ويخالف الأخلاق والقيم الإنسانية والتعاليم الدينية، مشيراً إلى أن هناك فتاوى إسلامية تحرم ما أسماه بالعبث بالمومياوات، وعلى رأسها فتوى للشيخ جاد الحق على جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق الراحل، وهى فتوى حرمت عرض الأجساد البشرية أمام الناس للمشاهدة، وأيضا المومياوات.

وأضاف "الشماع" أن متحف مانشستر بإنجلترا أجرى استبياناً على عرض المومياوات من عدمه، مشيرا إلى أن متحف إسرائيل يرفض عرض المومياوات لأسباب دينية، وقال إن بقاء جسد المومياء مدفوناً هو رغبة صاحب المقبرة منذ البداية، وأوضح أن قدماء المصريين عملوا على إخفاء مقابرهم لمنع سرقتها، والعبث بها، وسجل عدد كبير منهم رسوماً تحذر من الاقتراب منها، كرسم صورة لأسد، أو تمساح، أو فرس نهر، مع كتابة نص فرعونى معناه أن تلك الرسوم ستتحول إلى وحوش حقيقية، تقضى على كل من تسول له نفسه العبث بمحتويات المقبرة.

وأشار إلى أن لا أحد يقبل استخراج جثمان جده أو والده على سبيل المثال، لإجراء أبحاث عليه ثم عرضه فى فاترينة زجاج، لافتاً إلى أن الرئيس السادات سبق وأغلق غرفة المومياوات بالمتحف المصرى لنفس الأسباب، ومن قبله الملك فؤاد الذى منع عرض المومياوات بالمتاحف.

الفتاوى المناهضة لعرض الآثار الفرعونية ليس أمراً جديدا،ً ولم يقتصر على تحريم عرض المومياوات فقط، ولكن خرجت فتاوى كثيرة لشيوخ الوهابية، ولشيوخ من الأزهر الشريف، منذ السبعينيات حرمت زيارة المقابر الفرعونية والأهرامات، واقتناء التماثيل، ووصفت الفراعنة الكفار المعذبون، ومنها فتاوى يرد فيها الشيخ ياسر برهامى على سؤال: هل زيارة الأهرامات والأماكن الفرعونية حلال أم حرام؟ بأن دخول مقابر ومساكن الكفار المعذبين لا يجوز إلا مع البكاء، واستند إلى حديث منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم.

وأضاف "برهامى" أن المشهور عن الأهرامات أنها قبور للفراعنة المشركين، عبدة الأوثان، وبالتالى فمن أراد الذهاب إليها فليذهب باكياً، بغرض العظة والاعتبار، وإلا فلا يذهب.

وأضاف أن من يدخلها لمجرد النظر، وتعظيم هذه الآثار والافتخار بأن الفراعنة صنعوا إنجازا وهكذا، فإننا نقول له إن الزيارة للاتعاظ جائزة، ولكن مع الدخول باكياً.

وفى سؤال آخر حول هلى الاتجار فى التماثيل المقلدة، حلال أم حرام؟ قال "برهامى": بيع التماثيل محرم وباطل لقوله صلى الله عليه وسلم: "حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"، أما الاتجاز بالذهب الخام الذى يستخرج من المقابر الفرعونية فليس حراماً، وأحل "برهامى" الاتجار فى الأحجار الكريمة، بشرط إنفاق خمس قيمتها فى الفئ "مصالح المسلمين"، مع ضرورة النظر فى الضرر المتوقع وقوعه على من يعمل فى هذا المجال دون تصريح من الجهات الرسمية.

وأضاف، أن التنقيب عن الآثار يتضمن مفاسد عدة، منها استخراج التماثيل والأصنام ونشرها بين الناس، فى حين أن الواجب هو دفن الجاهلية.

كما حرم "برهامى" عمل مفتش الآثار، ونصح أحد العاملين فى المجال قائلا: توجد شبهات كثيرة فى عملك، فاستخراج التماثيل المدفونة، ثم عرضها، وكذلك عرض المومياوات حتى لو لكفار أمر غير جائز، لأن الواجب يقضى بدفن الآدمى، أياً ما كان.

ولم تكن فتاوى برهامى، والفتاوى الأخرى الى أصدرها الشيخ محمد حسان، على سبيل المثال، مجرد فتوى صدرت عن ممثلين لتيارات متشددة، بل إن هناك فتاوى مشابهة خرجت من الأزهر نفسه، ففى 2006 أصدر مفتى الديار المصرية فتوى برقم 86 حرمت عرض وبيع التماثيل، مستنداً إلى حديث للرسول صلى الله عليه وسلم يقول «إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورين الذين يصنعون التماثيل» وفى عام 1980 أصدر فضيلة الإمام الأكبر جاد الحق على جاد الحق، الفتوى رقم 1279 التى حرم فيها عرض المومياوات بالمتاحف، تبعتها عدة فتاوى أخرى انتشرت بشأن تحريم رسم الموديل العارى بكلية الفنون الجميلة، واستبدال" البورتريه" باللوحة التى ترسم رجلاً أو امرأة كاملة، وفى عام 1985 خرجت فتوى عن دار الإفتاء المصرية بتحريم النحت، أو حفر إنسان أو حيوان، وذلك على خلفية سؤال: هل وضع تماثيل للعظماء أو الشخصيات التاريخية أو الطيور والحيوانات فى الميادين العامة حلال أم حرام، وأجمع علماء الأزهر وقتها على أنه يجب الإبقاء على التماثيل الفرعونية للاتعاظ، ومعرفة التاريخ أما التماثيل الحديثة الكاملة فهى محرمة.

وضمن مخططه لكسب ود ومغازلة التيارات المتشددة، ليستعين بها فى حملته ضد اليسار، كاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أن يصدر قراراً بإعادة المومياوات الفرعونية إلى قبورها، لولا وقفة المثقفين الذين نبهوه إلى خطورة القرار، وهو ما دفعه للتراجع عنه، والاكتفاء بإغلاق قاعة المومياوات بالمتحف المصرى.

ودفعت فتاوى التحريم رئيس مدينة الشيخ زايد بالقاهرة، إلى هدم تمثالين كانا بمدخل المدينة عام 2004، بدعوى أنهما تمثالان كاملان لجسد الإنسان.

لم ينته الأمر عند هذا الحد، فهناك فتاوى خرجت لحث المسلمين على تحطيم الآثار والتماثيل، أطلقها الشيخ السلفى عبد العزيز الراجحى، ومنها: من أبطل الباطل، من احتج بأن الصحابة عندما دخلوا مصر رأوا التماثيل وتركوها، رغم أنهم أسرع الناس فى العمل بالكتاب والسنة، وأن الأصنام الموجودة حاليا فى مصر كانت مدفونة فى مقابر أصحابها، ونحن نسمع بين الفنية والأخرى أنهم عثروا على مقبرة بها تماثيل ترجع إلى أسرة كذا وكذا، وهذا مشهد للقاصى والدانى، لكن الصحابة لو وجدوا هذه التماثيل عندما فتحوا مصر ما وسعهم إلا العمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال" لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها"، لأن ما من نبى إلا بعثه الله بالتوحيد، وأعظم الشرك أن يعبد الصنم من دون الله.